قانون قيصر ومناطق النفوذ التركي.. استغلال للأزمة ومعاناة للمواطنين ومحاولات لإحكام السيطرة

37

يزداد الوضع سوءًا في سوريا يومًا بعد يوم، لا سيما مع دخول قانون “قيصر” للعقوبات حيز التنفيذ، وهي عقوبات تعد أشد قسوة من العقوبات السابقة، حيث تزيد الوضع الاقتصادي والإنساني سوءًا، وسيكون في مقدمة ضحاياها الشعب السوري الذي أنهكته الصراعات والفقر والمرض، والتواجد الأجنبي الذي مزق بلاده ونهب خيراتها.

 

قانون “قيصر”: المعنى والمغزى

يعد قانون “قيصر” حالة فريدة من العقوبات الشاملة، لم يعرف العالم مثيلاً لها منذ نهاية الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي في ثمانينات القرن الماضي. وفي هذا الإطار، دفع الكونجرس الأمريكي بالموافقة وتمرير قانون يضم حزمة من العقوبات استهدفت النظام السوري واقترنت الموافقة عليه بإقرار قانون الدفاع الوطني الأمريكي للسنة المالية 2020. ويوسّع القانون دائرة الاستهداف لتطال أذرعه إلى جانب المسئولين السوريين، كل شخص أجنبي يتعامل مع الحكومة السورية، وكذلك الكيانات التي تدعم نظام الأسد في سورية كروسيا وإيران، وكل من يقدم المعونات الخاصة بإعادة الإعمار في سورية. ويشمل القانون قطاعات عدة كالبناء والنفط والغاز، كما ينص على اتخاذ إجراءات خاصة بحق المصرف المركزي السوري إذا ثبت تورطه في عمليات “تبييض الأموال”. وتشترط واشنطن لرفع العقوبات، وفق القانون، إجراءات عدة من بينها محاسبة مرتكبي “جرائم الحرب” ووقف قصف المدنيين والإفراج عن المعتقلين السياسيين وعودة اللاجئين، إضافة إلى التفاوض مع المعارضة.

وبالرغم أن الهدف المعلن وراء فرض القانون كما ذكر “ترامب” هو حماية المدنيين من قمع النظام السوري وتعديل النظام السياسي القائم حاليًا، إلا أن هناك عدة أهداف غير معلنة تكمن وراء توقيع العقوبات التي يقضي بها القانون، من أبرزها:

– عرقلة قدرة النظام السوري وإرغامه على القبول بالشروط التي تفرضها الولايات المتحدة للتسوية وترتيب الأوضاع في سورية وفقًا للرؤية الأمريكية.

– سعي الولايات المتحدة الأمريكية بأن تكون لها اليد الطولى في القضية السورية.

– الحد من النفوذ الإيراني والروسي في سورية بما يخدم التطلعات الأمريكية، لا سيما بعد أن ساندت روسيا النظام، ما أدى لزيادة أرباحهما من تجارة الترانزيت عبر السيطرة على الطرق الدولية في سورية، خاصة بعد أن نجح النظام بدعم من روسيا وإيران في السيطرة على 70% من مساحة البلاد.

– فرض الحل السياسي للحيلولة دون إحراز نظام الأسد تقدمًا على مزيد من الأراضي السورية بفعل القوى العسكرية.

 

* تداعيات القانون على مناطق النفوذ التركي ومناطق سيطرة الفصائل

شهدت المحافظات السورية جميعها تأثيرات سلبية على الأسعار، فبالرغم من اقتصار تطبيق القانون على مناطق نفوذ النظام السوري، فإن مناطق النفوذ التركي في الريف الحلبي وهيئة تحرير الشام والفصائل في إدلب والأرياف المتصلة بها، شهدت تضخمًا كبيرًا في أسعار السلع وخاصة السلع الأساسية في الآونة الأخيرة التي سبقت تطبيق القانون. وشهدت إدلب ارتفاعًا جنونيًا في أسعار المواد على اختلافها، حيث وثق المرصد السوري لحقوق الإنسان ارتفاع أسعار السلع الأساسية كالخبز الذي تبيعه الأفران التي تشرف عليها “حكومة الإنقاذ”. وارتفع سعر ربطة الخبز من 400 إلى 600 ليرة ثم ارتفع مرة أخرى ليصل إلى 1000 ليرة، ثم عاد وانخفض قليلاً قبل إصدار قرار إنتاج خبز ذو جودة وتكلفة أقل. ويجدر بالذكر أن سعر ربطة الخبز سجل نهاية العام 2019 سعر 200 ليرة سورية. كذلك، ارتفع سعر كيلو السكر من 320 ليرة إلى بـ1300 ليرة سورية، وسعر كيلو الشاي ارتفع من 4000 ليرة ليصل حاليًا إلى 22000 ليرة، والبرغل والأرز ارتفع سعرهما من 250 ليرة ليصل سعر البرغل إلى 900 ليرة، والأرز إلى 1400 ليرة. كما ارتفعت أسعار اللحوم على اختلافها بسبب عمليات التهريب إلى مناطق نفوذ قوات النظام، حيث كان يباع الدجاج بـ650 ليرة نهاية عام 2019، بينما ارتفع إلى 2500 ليرة سورية في الوقت الحالي، أما لحم الخروف فقد ارتفع 3 أضعاف ليصل سعره إلى 15 ألف ليرة، وكذلك لحم العجل.

وفي مناطق “درع الفرات” و”غصن الزيتون”، ارتفع سعر الخبز 8 أرغفة من 200 ليرة إلى 500 ليرة، وارتفع سعر البرغل 1 كغم من 500 ليرة إلى 1000 ليرة، بينما ارتفع سعر كغم الأرز من 750 ليرة إلى 1700 ليرة. وكذلك ارتفعت أسعار المحروقات فقد سجل سعر البنزين 1 لتر ارتفاعًا من 700 ليرة إلى 1600 ليرة، و المازوت 1 لتر من 700 ليرة إلى 1600 ليرة، وجرة الغاز من 9000 ليرة إلى 17000 ليرة.

 

مبررات ارتفاع الأسعار في مناطق النفوذ التركي ومناطق سيطرة الفصائل

لا تخضع مناطق النفوذ التركي وسيطرة الفصائل الجهادية لعقوبات قانون “قيصر”، وبالتالي فإن الارتفاع الكبير في الأسعار وتضاعفها، والشح الذي تشهده الكثير من السلع يمكن تبريره بعدة أسباب أبرزها:

– التدهور الكبير لليرة السورية، فقد رصد المرصد انهياراً في قيمة الليرة مقابل الدولار الأمريكي وعملات أجنبية أخرى، ضمن مناطق نفوذ هيئة تحرير الشام والفصائل في إدلب والأرياف المتصلة بها، حيث إن سعر صرف الدولار الأمريكي الواحد ترواح في 16/6/2020 بين الـ 3000 و3500 ليرة، في تفاوت كبير عن سعر الصرف ضمن مناطق نفوذ النظام السوري.

– التلاعب بسعر الليرة السورية من خلال الإقبال الكبير على شراء الليرة التركية، وقيام بعض التجار ومكاتب الصرافة بضخ الليرة السورية إلى مناطق نفوذ النظام السوري مقابل شراء الدولار من هناك، ومن ثم يقومون بتحويله إلى ليرة تركية.

– لجوء بعض التجار في منطقة النفوذ التركي وسيطرة الفصائل لإخفاء كثير من السلع، ناهيك عن الممارسات الاحتكارية للمنتجات والسلع؛ بهدف تعظيم أرباحهم منها.

– إغلاق معظم التجار محالهم التجارية بشكل كامل لحين تثبيت سعر الصرف، حفاظًا على أسعار بضائعهم من التدهور السريع الذي تشهده الليرة السورية.

– ارتفاع أعداد النازحين لهذه المناطق والضغط على مواردها، لا سيما مع محدوديتها بسبب الحروب وعمليات السلب والتخريب.

– تصاعد البطالة نظرًا لانتشار جائحة كورونا وتأثيرها على تلك المناطق بشكل أو بآخر، إلى جانب الاستيلاء على مناطق ومساحات كبيرة من الأراضي الزراعية وحرمان أصحابها وفئة كبيرة من الشباب من العمل بها، وبالتالي تحويلهم من منتجين إلى مستهلكين.

– اعتبار هذه المناطق سوقًا مستوردة لجميع الأصناف الغذائية عدا تلك الأصناف التي تنتج محليًا، والتي لا تكاد تكفي لسد حاجة السكان.

– عزوف المزارعين عن زراعة الخضروات بسبب غلاء المازوت المستخدم في رفع المياه من الآبار الارتوازية، وتوجههم لزراعة الأعشاب والمحاصيل الطبية التي تدر عليهم أرباح أعلى وتحملهم نفقات أقل.

– الفساد وعمليات تهريب المواد الغذائية إلى مناطق نفوذ قوات النظام ومناطق “قسد”.

 

إجراءات إحكام السيطرة

في ظل تطبيق قانون “قيصر” الذي يؤثر على القطر السوري بكل محافظاته ومناطق نفوذه المختلفة، تعمد مناطق النفوذ التركي وسيطرة الفصائل الجهادية إلى عدة آليات لاستغلال هذه الأزمة لصالحهم:

– اعتماد الليرة التركية عوضاً عن السورية ضمن مناطق تحرير الشام والفصائل ومناطق النفوذ التركي، ما يرسخ التواجد التركي في هذه المناطق. كما عملت المجالس المحلية على وضع سعر ليومية العامل بما يتناسب مع العملة التركية. ولم يلتزم بهذه التسعيرة إلا القليل بسبب تفشي البطالة وعدم وجود رقابة، أو قوة تجبر أصحاب المحلات أو المعامل على الدفع بالليرة التركية بما يتناسب مع السوق، حيث وصل شهريًا متوسط الراتب حوالي 650 ليرة تركية لكل من عناصر الفصائل والشرطة الحرة، وهو ما لا يكفي لمواجهة الارتفاع الملحوظ للأسعار في الآونة الأخيرة.

– إغلاق المؤسسات التابعة لـ”حكومة الإنقاذ” وشركة استيراد المحروقات “وتد” المحسوبة عليها لمحطات بيع الوقود تزامنا مع ارتفاع الدولار، وانتهى الأمر إلى تسعير المحروقات بالليرة التركية.

– استغلال المعبر بين تركيا وسورية في استيراد المواد الغذائية والتموينية للمناطق الخاضعة للنفوذ التركي بأسعار باهظة بهدف تعظيم أرباح الجانب التركي.

إن قانون “قيصر” للعقوبات على النظام السوري ما هو إلا وبالٍ على الشعب السوري بأكمله، والذي سيعاني مزيدًا من التجويع والفقر والانقسام، كما أنه يوجد مناخًا ملائمًا للنفوذ التركي، لأنه يحقق مطامع تركيا في سورية ويزيد من توغلها ويحكم سيطرته عليها، ويستنزف مواردها وشعبها لصالح تركيا، في إطار مخطط لإعادة رسم الخريطة الجيوسياسية للبلاد واستباحة ثرواتها واستغلال شعبها.