قبعة من قبعات النصر المسروقة في سوريا

51

تشبه العملية السياسية المُنقطة التي تتم برعاية أمريكية في مناطق نفوذها في سوريا، مثيلتها من النشاطات العسكرية الأمريكية هناك. قفزات هنا وهناك. عمليات مُحددة وغير جذرية، ووعودة كبيرة وغير مفهومة، وأهداف مضطربة غير معروفة المعالم تتبدل بتبدل المزاج في واشنطن.
عمليات تشبه إلى حد كبير مقياس التأشير للمرضى في غرف العناية المُشددة، الذي يراقب نبضات القلب، خطان يتمايلان سلباً مع تمايل التصريحات الصادرة من رأس السلطة في واشنطن حول سوريا، بصورة تشير إلى صدمات مقبلة، في الوقت ذاته فإن الخط الذي يشير إلى أن نبضات العملية السياسية يتجه إلى الأسوأ دوماً، عندما يتم ربطه مع التصريحات والحراكات الصادرة عن ممثلي واشنطن السياسيين في سوريا والشرق الأوسط، ومع استمرار الاستقرار في الخط العسكري من دون تأثير مع تهميشهم لتلك العملية، وكأنها جزء يسير من الواقع الموجود. يبقى التأكيد على أن المؤشرين، العسكري والسياسي، يقدمان بيانات إيجابية فقط عندما تكون التصريحات حول الملف السوري صادرة عن القادة الميدانيين في شرق الفرات، وهؤلاء لا يعوّل عليهم بحسب الميزان العام الإقليمي.
العملية العسكرية التي تقودها دولياً واشنطن، ومحلياً قوات سوريا الديمقراطية، في شرق الفرات، بدأت واضحة المعالم تقنياً. وتحولت إلى عملية تعتمد على المداهمات، والاغتيالات، وعمليات خطف، واعتقالات، لقادة ومقاتلين سابقين في تنظيم «داعش» الإرهابي. هذه العمليات التي يصاحبها صخب أمريكي محلي عن انتصارات ضد الإرهاب، هي أكثر ما يمكن لواشنطن الحديث عنه. لا يمكن لواشنطن الحديث من شرق الفرات، عن عداوة إيران، على اعتبار الخط المتجاور بين الطرفين على طرفي النهر خطا هادئا نسبياً، كما أن رواية التنافس مع روسيا هي رواية تدعو للسخرية لدى الكثيرين، بعد ان استوطنت العربات الروسية قواعد أمريكية في شرق الفرات، بصورة استغربت منها روسيا نفسها، ومن دون سبب ذي وزن، حسب ميزان القوة والتنافس في العالم.
هذه العملية العسكرية الواضحة المعالم حالياً، تشبه إلى حد كبير ما تقوم به واشنطن سياسياً في المنطقة. اهتزاز في الصورة المستقبلية لوضع المنطقة ككل، وغبار على نافذة الرؤية لمصير الشركاء على الأرض. التقزيم الأمريكي لدورها العسكري في سوريا، أسس لتقزيم سياسي مقابل. نفحات عن خطوط سلام سياسية بين الأطراف التي ترتبط بواشنطن، وتسريبات مُنمقة عن عمليات سياسية مثالية في صف المعارضة، حتى اللحظة، كان المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا جيمس جيفري يتحدث عن العملية السياسية التي تقودها المعارضة قبل أيام، وكأنها جبهة وطنية تبحث عن الحرية، وتمثل القيم الغربية المُثلى، في حين ان أرض الجهاد لتلك المعارضة في إدلب، ستكون بؤرة جهنم للجنود الغربيين، إن مروا بها يوماً، في الوقت ذاته فإن قوات الجيش الأمريكي تشعر بالأمان في شرق الفرات، ويعاني الممثلون السياسيون في تلك المنطقة، من إهمال سياسي مُتعمد أمريكي لهم، وتضيّق الخناق على العلاقة بينهم، على أساس أنه عمل عسكري مُشترك.. ولا شيء أكثر.
الحديث الإعلامي المُتقطع عن احتمال تظهير قوى سياسية جديدة في صف المعارضة، أو تطعيم المعارضة بوافدين جدد بدعم أمريكي، بعد كل هذه السنين الطوال، مرده في ما يرى البعض، ليس الرغبة الأمريكية في تعديل مؤشراتها حول المنطقة، بل هي جزء مُشابه لعملية البحث عن طريقة لتمرير الوقت، وقوننة البقاء، والترفع على حقيقة التخبط الاستراتيجي في المنطقة. وقد يكون في جزء منه إرضاء لحلفاء إقليميين غاضبين من حصر واشنطن ملف المعارضة في سوريا بيد الأتراك. تشبه تلك التصريحات المُتقطعة، عن عملية سياسية جديدة استراتيجية، العمليات العسكرية النوعية الأمريكية الحالية ضد قادة لا ينتهون من «داعش» في أرياف ديرالزور والحسكة، لا يحتاج الوصول إلى صيغة دبلوماسية جديدة، ووفود جديدة في صفوف المعارضة، إلى كل هذا الوقت، خاصةً بعد مرور ثلاث سنوات على تسلّم دونالد ترامب مقاليد الحكم. كانت التبريرات أن الحكومة جديدة ذات يوم، أصبحت الحكومة على مشارف التجديد، وما زال التخبط هو ذاته.

عمليات مُحددة وغير جذرية في سوريا، وأهداف مضطربة غير معروفة المعالم تتبدل بتبدل المزاج في واشنطن

من المفهوم أن سوريا البعيدة بشكل واضح عن واشنطن، وكثرة الملفات المتضادة بين الحزبين الرئيسين هناك، يجعل من الصعب على الكثير التركيز على التفريق بين الشركاء الطبيعيين في شرق الفرات، والشركاء الذين يتم تظهيرهم ضمن تصريحات جيفري في محافظة إدلب. هؤلاء تأتيهم تلك الصورة من ممثلي الدولة الرسميين في شرق المتوسط، وكأنها بيانات مُنزهة، وذات مصداقية يُعتمد عليها. لا يدرك هؤلاء أنه مع كل انتصار على خلايا «داعش» في شرق الفرات، وبدور فعال وواضح من قسد، يقتنص المبعوثون السياسيون لحكومة ترامب الفرصة للإطراء على تلك القوات من جانب عسكري، وتظهير ما يُسمى المعارضة السورية الموالية لتركيا، وكأنها تقوم بالدور الفعال الإيجابي نفسه في الجبهة السياسية الخاصة بسوريا. شيء من تلبيس بعض الساسة الأمريكيين الغرباء قبعة النصر، الذي حققه شركاؤها القدماء في الحرب ضد الإرهاب في سوريا. أي رمي قبعة النصر عسكرياً بهدف الاحتفال لتعود وتسقط على رأس الآخر المُعادي للمنتصر.
كل هذا ولا مناقب تُذكر للشركاء الفعليين، باستثناء بعض الجمل الإطرائية عن عمل عسكري نوعي مُشترك. هذا كله، والعلاقة السياسية والعسكرية بين باقي الأطراف في سوريا واضحة، ومُفهومة، تركيا والمعارضة التي تشابهها، والروس والإيرانيون ونظام دمشق. فقط أمريكا تعانق طرفا على الأرض عسكرياً، ويصر عدد من ساستها الجدد في الشرق الأوسط على إيجاد شركاء غيرهم في الملف السياسي، معاكسين في النظرة لها، ومُعادين بشدة لحلفائها، ويحتلون أرضا كانت تحت سيطرة شركائها العسكريين حتى فترة غير طويلة. عقدة من الرغبة في تشكيل كائن حليف غير متناسق اللون، والجسد، والفكر. وطبعاً، ومع الأسف بدون سبب استراتيجي سيضر الطرف المحلي في سوريا، ويضغط عليه، وهذا ما لا يناسب مصالح الطرفين المتشاركين عسكرياً.

الكاتب:براء صبري – المصدر:القدس العربي