قصة لاجئة سورية في رحلة مروعة أخرى في مياه المتوسط للوصول إلى السويد

30

خانية، اليونان، 26 نوفمبر/تشرين الثاني (المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين) فرّت دعاء الزامل، البالغة من العمر 19 عاماً، من منزلها في سوريا على أمل إيجاد الأمان ومستقبل أفضل؛ ولكن انتهى بها الأمر بصراع يائس للبقاء على قيد الحياة في البحر الأبيض المتوسط وبفقدان خطيبها.

لا تزال تستذكر الصدمة التي عاشتها في 10 سبتمبر/أيلول عندما صدمت باخرة مجهولة سفينة صيد المهرّب التي كانت تنقل دعاء وأكثر من 500 شخص آخر، بينهم الكثير من النساء والأطفال، كانوا يحلمون بالوصول إلى أوروبا. غرقت السفينة سريعاً قبالة الساحل الشرقي لمالطا، ولم ينجُ سوى 11 شخصاً.

تقول الشابة التي أثبتت عن شجاعة كبيرة بإنقاذ طفل واحد ومحاولة إبقاء آخر على قيد الحياة خلال الأيام الثلاثة التي أمضتها في المياه قبل أن تنقذها باخرة يونانية وتنقلها إلى جزيرة كريت، إنها أكثر إصراراً على الوصول إلى السويد حيث أقاربها.

ألهم صمودها وإصرارها على البقاء على قيد الحياة ومحاولتها إنقاذ الآخرين أشخاصاً كثيريرن في اليونان، ومن بينهم السلطات المحلية في ميناء خانية في كريت حيث نقلت بعد إنقاذها، بواسطة مروحية تابعة للبحرية اليونانية. يعتبر الناس هناك أن دعاء تتمتع بالحق في الحصول على الجنسية اليونانية لشجاعتها.

وقد صرّح ديميتريس نيكولاكاكيس، كبير مسؤولي الصحة العامة والرعاية في خانية قائلاً: “ما قامت به قامعةً غريزة الحفاظ على النفس ومحاولةً إنقاذ طفلين هو أمر مذهل.”

بدأت قصة دعاء في مدينة درعا، جنوب غرب سوريا حيث ولدت وترعرت في عائلة مؤلفة من تسعة أفراد. ولكن مع تصاعد حدّة الحرب، قررت عائلتها الفرار إلى الأردن المجاور في العام 2012 قبل التوجه إلى مصر. كانت دعاء في السادسة عشرة من عمرها في ذلك الوقت.

أمضت عامين ونصف في مصيف جمصة في شمال مصر حيث عملت في الحياكة لمساعدة والدها الذي يعمل كحلاق في جمع المال. لكن دعاء تعتبر ألا مستقبل لها في سوريا أو في مصر، لذا قررت، كآلاف الأشخاص الآخرين، أن تحاول الوصول إلى أوروبا بالقارب على الرغم من الأخبار المروعة عن حالات الغرق والموت في عرض البحر.

وصرّح لورنز جولز، الممثل الإقليمي للمفوضية لجنوب أوروبا قائلاً: “غرق ثلاثة آلاف شخص حتى الآن خلال هذا العام في البحر المتوسط. وقوع هذه الخسائر البشرية المفجعة على أعتاب أوروبا أمر لا يصدّق.”

لكن دعاء وخطيبها باسم مضيا قدماً ووجدا مكاناً على سفينة صيد كانت تُستخدم لتهريب اللاجئين والمهاجرين من مصر إلى جنوب أوروبا. وبعد أربعة أيام على إبحار السفينة من دمياط في دلتا النيل، اعترضتها باخرة أخرى. تتذكر دعاء قائلةً: “طلب منا الأشخاص على متن الباخرة التوقف. ورمونا بالقطع الحديدية والأخشاب وشتموا ربان السفينة التي كنا على متنها. لم تتوقف سفينتنا، فطوّقوها وصدموها. انتظروا حتى غرقنا ثم غادروا.”

غرقت السفينة في دقائق معدودة وكان معظم الركاب متواجدين تحت سطحها. قالت دعاء: “تمسّك بعض الأشخاص بالحبال المتدلية من سارية السفينة لإنقاذ أنفسهم. والبعض الآخر قطّعت أجسامهم إرباً برفاصها عندما سقطوا في المياه. غرق معظمهم. تعدّدت جنسيات الركاب فبينهم سودانيون وإفريقيون ومصريون وسوريون وليبيون، ومنهم فلسطينيون من غزة.”

وجدت دعاء نفسها في المياه مع 100 ناجٍ تقريباً، في حال من الذهول والصدمة لما شهدوه من سلوك إجرامي. تمسكت بحبل نجاة وأخذت تبحث عن خطيبها. ثم أدركت أنه غرق على الأرجح مع السفينة.

طفا الناجون لثلاثة أيام في المتوسط من دون طعام أو مياه. وجدوا أنفسهم تحت رحمة الرياح والتيارات وسرعان ما بدأوا يموتون الواحد تلو الآخر. وقالت دعاء: “مات البعض بسبب التوتر، وأراد البعض الآخر الموت. خلع رجل سترة نجاته وأغرق نفسه. توفي البعض خوفاً، والبعض برداً. فالطقس كان قاسياً، غائماً وبارداً.”

بدأ الناس يطلبون من دعاء الاعتناء بأطفالهم. أعطى رجل دعاء حفيدته وعمرها عام واحد، فربطتها دعاء بحزام النجاة الخاص بها. “ثم أتت أمٌّ بطفلتها البالغة من العمر 18 شهراً وابنها البالغ ستة أعوام وطلبت مني الاعتناء بطفلتها فأبقيتها معي أيضاً. رأيت الجدّ والأم وابنها يموتون.”

قالت دعاء إن هدفها بإنقاذ الطفلين زاد إصرارها على البقاء على قيد الحياة. وتم إنقاذها من قبل باخرة تحمل علم ليبيريا على بعد 90 ميلاً بحرياً جنوب غرب كريت في 13 سبتمبر/أيلول. “توفيت الطفلة التي تبلغ من العمر عاماً واحداً بينما أوشكوا على إنقاذنا” ونُقلنا إلى خانية. أما الطفلة الأخرى فتم إنقاذها وقد تعافت.

وقال جولز إن محنة دعاء وعدد الأشخاص الذين غرقوا هما إشارة أخرى إلى ضرورة بذل المزيد من الجهد لحلّ مشكلة مخاطرة الأشخاص بكل شيء للوصول إلى أوروبا. وصرّح قائلاً: “الحاجة ملحّة إلى استجابة أوروبية مشتركة، قائمة على التعاون بين الدول وعلى دعم الاتحاد الأوروبي.”

وشدّد جولز في إشارة واضحة إلى عملية القوات البحرية الإيطالية التي أنقذت 150,000 شخص في البحر منذ أواخر أكتوبر/تشرين الأوّل 2013، بينهم الكثير من الأشخاص الذين يحتاجون إلى الحماية الدولية قائلاً: “في الوقت الحاضر، يجب الحفاظ على عملية إنقاذ فعالة هادفة إلى إنقاذ الحياة، في غياب بدائل أخرى متاحة.”

وتنتظر دعاء في هذه الأثناء وحدها لمعرفة ما يخبئه لها مستقبلها بعد هذه الرحلة التي كلفتها الكثير. نُقلت مؤخراً من خانية إلى البر الرئيسي لليونان وهي تعيش مع عائلة يونانية بينما تحاول المفوضية والسلطات العثور على عائلتها في السويد.

 

المصدر : النهار

بقلم جون بساروبولوس في أثينا، اليونان