قطار جنيف السوري… مفخّخ

29

ليس ثمة فريق في النزاع السوري يريد البقاء بعيداً من عملية السلام التي يفترض انطلاقها في جنيف. النظام منهك بعد خمس سنوات من الحرب، وإن تكن معنويات جيشه انتعشت أخيراً بفضل التدخل الروسي. مجموعات المعارضة المسلحة، أو معظمها على الأقل، تدعم وقفاً للنار مع النظام واقامة مناطق آمنة بين الجانبين للسماح بدخول المساعدات الانسانية. القوات الكردية التي حققت “انتصارات” على جبهاتها لم تعد تريد أن تكون وقوداً لمدافع الأميركيين الذين يسارعون الى التخلي عنها عند أول اشارة تركية. وحتى “داعش” غير المدعو الى جنيف أصلاً، يبدو اشد انكسارا تحت الغارات الدولية والروسية، وإن يكن بعيداً من الانهزام بعد.
إذاً، بات الانهاك قاسماً مشتركاً بين الجميع في الميدان السوري. ولأن حروباً كثيرة انتهت عند وصول المتقاتلين الى وضع مشابه أكثر مما الى اتفاقات جدية، تبدو الظروف مثالية لاطلاق محادثات السلام. لكنّ العقدة الرئيسية التي يفترض أنها لا تزال تعوق انطلاق قطار جنيف ليست في تركيبة الوفد المعارض، وإنما في الهدف الحقيقي للقاءات السورية – السورية. بكلام آخر، إنه هدف المحادثات الذي يجب أن يحدد تشكيلة المعارضة السورية، لا العكس. فاذا كانت غايتها حلاً يرسي وقفاً للنار وتشكيل قوة مشتركة لمقاتلة “داعش” أو منعه من التوسع، تصير الجماعات السورية المقاتلة، بما فيها “جيش الاسلام”، شريكاً اساسياً في هذه اللقاءات. أما اذا كان مغزاها اجراء جراحة “تجميلية” للنظام برعاية روسية – أميركية – ايرانية، حينذاك يمكن قطار جنيف أن ينطلق بمن يحضر الجمعة. وهكذا من الافضل أن تكون المعارضة التي تحظى برضا النظام وموسكو ومعهما أميركا على ما يبدو، في الصفوف الأمامية، والا تعذّر اعلان “نجاح” جنيف الثالث وواجهت العملية مصير سابقتها.
خطيئة كبيرة تُرتكب في حق سوريا والسوريين اذا فرض اتفاق باهت تنبثق منه حكومة سورية لا تعكس توازناً داخلياً واقليمياً حقيقياً. حكومة كهذه تحظى بدعم روسي – أميركي قد تكون ولا شك قادرة على استدعاء تدخلات دولية ضد “داعش” و”النصرة” وغيرهما، الا أنها لن تكون قادرة على ضمان عدم خروج عشرات من التنظيمات الاخرى التي لا تقل عنها وحشية وفتكاً. ولعل أحداً لم ينس بعد كيف هزمت واشنطن الجيل الثاني من “القاعدة” بتعاون مع الحكومة العراقية لتعود وتكتشف بعد سنوات أن تنظيماً آخر ولد من رحم “قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين”، وأن مقتل أبو مصعب الزرقاوي لم يحل دون “تفريخ” قيادات أخرى لا تقل دموية عنه مثل أبو بكر البغدادي وأبو محمد الجولاني وغيرهما.

موناليزا فريحة

النهار