“كرهت إسطنبول اليوم”.. شريف عاد إلى سوريا في نعشه و”المتهم واحد”

69

قبل أن تخترق جسده رصاصتان بساعات، الاثنين، أخبر الشاب السوري شريف خالد الأحمد أصدقاءه بأنه ينوي “خطبة فتاة”. تحدث العشريني عن “الملل من العيشة” حيث يقيم في حي باغجلر بمدينة إسطنبول، وهو ما دفعه للتفكير بالعودة إلى شمالي سوريا مسقط رأسه، أو خوض تجربة العبور إلى أوروبا، التي يراها الكثيرون “حلما صعبا”.

لكن هذه الهواجس سرعان ما تحققت، لكن بصورة “مأساوية ومفجعة” هزّت أوساط السوريين المقيمين في تركيا. لم يعقد الأحمد خطبته، رغم أنه عاد إلى سوريا، ولكن “داخل النعش”، ومحمولا على الأكتاف، عابرا الأراضي التركية باتجاه “معبر باب الهوى”، ومن ثم ريف محافظة إدلب، يوم الثلاثاء.

بينما كان الشاب السوري يقضي، ليلة الاثنين، في “السكن الشبابي” بحي باغجلر مع بقية أصدقائه من العمال السوريين الذين وصلوا إلى البلاد للعمل وكسب لقمة العيش، تعرضوا “لشتائم وممارسات استفزاز من شبان أتراك”، بحسب ما يقول أشخاص شهدوا الحادثة لموقع “الحرة”.

وعلى مرتين، وجه هؤلاء الأشخاص “سباب وشتائم”، وحاولوا استفزاز الشبان السوريين من شباك منزلهم المطل على الشارع، وبينما انتهت المرة الأولى دون أي صدامات أو مشاحنات مباشرة، سقط الأحمد ضحية المحاولة الثانية من قبلهم، بعدما هرع إلى الشارع لردعهم.

ويقول أحمد عبيد المطلع على الحادثة وأحد أقرباء الشاب الضحية: “في المرة الثانية (في ساعات فجر الاثنين) خرج الشبان السوريون إلى خارج المنزل، بعدما تعرضوا للشتائم، وكان شريف في مقدمتهم”.

ويضيف في حديث لموقع “الحرة”: “فجأة سُمع صوت إطلاق رصاص. ثوانٍ وتفاجئنا بأن شريف أصيب بطلقة في الفخذ وأخرى في الرأس. لفظ أنفاسه الأخيرة خلال دقائق، وسط بركة من الدماء”.

وفي وقت لم يصدر فيه تعليق رسمي من السلطات التركية بشأن الحادثة ودوافعها، اعتبر الناشط الحقوقي، طه الغازي بأنها “ترتبط بخلفيات عنصرية”، قائلا: “لا يوجد سارق يشتم قبل أن ينفذ عمليته. السارق يدخل خلسة على البيت”.

وذلك ما يؤكده الشاب أحمد عبيد، مؤكدا أن “القصة ليست سرقة. جاؤوا بطريقة استفزازية على مرتين. الذي يسرق لا يسب ويشتم ويمد يده من شباك المنزل!”.

وزاد عبيد: “الرصاصتان اللتان تلقاهما شريف تم إطلاقهما من جانب شخص من مجموعة الشبان. هذا الشخص كان يجهز نفسه لرمي. كان يأخذ الوضعية”.

“عاد بالنعش”

ينحدر الشاب شريف الأحمد من منطقة حفسرجة بريف محافظة إدلب، ويبلغ من العمر 21 عاما، وهو الابن الأكبر لعائلته، التي أصرّت على نقل جثمانه من إسطنبول إلى شمالي سوريا.

خرج جثمان الشاب إلى معبر “باب الهوى” صباح الثلاثاء، ومن المفترض أن يصل إلى إدلب مع ساعات عصر اليوم المذكور، بحسب حديث أخيه أحمد.

ويقول لموقع “الحرة” بينما يرافق جنازة أخيه: “نريد حق شريف وغيره من الشبان. هناك أشخاص يحرضون ضد السوريين في تركيا، لإخراجهم من البلاد وزعزعة الأمن”.

ويضيف “أحمد”: “نطالب السلطات التركية بإنزال أشد العقوبات، وأن تعمل على وضع حد للعنصرية في تركيا”، مشيرا إلى حوادث قتل سابقة طالت شبان سوريين، بينها حادثة “الشاب نايف النايف”.

وتشابه حادثة قتل الشاب شريف إلى حد كبير حادثة الشاب نايف النايف، في العاشر من شهر يناير الماضي، بحي بيرم باشا في مدينة إسطنبول.

في ذلك الوقت قتل نايف، متأثرا بطعنات تعرض لها من قبل ثمانية أشخاص ملثمين كانوا قد اقتحموا المنزل الذي يقيم فيه مع أصدقائه، فيما يعرف بين أوساط السوريين بـ”السكن الشبابي”.

ويوضح الناشط الحقوقي، طه الغازي، الذي كان قد وصل إلى منزل إقامة شريف في حي باغجلر، الاثنين، لمتابعة حيثيات واقعة القتل: “المجموعة أتت إلى المنزل وشتمت الشبان السوريين. هل يوجد حرامي يشتمك قبل سرقتك؟ هذا ليس من المنطق”.

ويربط الناشط حادثة الشابين (شريف، نايف) ببعضهما، مضيفا: “الكل يعرف أن المجموعة التي قتلت نايف في يناير لم تأخذ شيئا من المنزل. هي قتلت وخرجت كما هو الحال بالنسبة لواقعة باغجلر”.

ويتابع الغازي: “لدينا اليوم تشابه في الآلية وبيئة الجريمة بين واقعة نايف وشريف”، مشيرا إلى مسار قانوني يتم العمل عليه لمتابعة القضية، بينما هناك منظمات حقوقية انخرطت في ذات المسار، كون خلفيات الحادثة “ذات بعد عنصري”.

بدوره يؤكد أحمد عبيد (قريب شريف) أنه “لم يكن هناك أي مشكلات في السابق مع نفس الأشخاص الذين نفذوا الجريمة”.

ويوضح أن “السلطات تعرفت على هويات القتلة، لكن لم يتم إلقاء القبض عليهم حتى اللحظة”.

“قبل أيام تحدث شريف أنه سيخطب، ولتحقيق ذلك إما سيعود إلى سوريا أو أوروبا. قال إنه ملّ من العيشة. كان يعمل خياطا. لم يكن له دخلة وطلعة (عبارة محلية). ليس لديه أي مشاكل”، وفق كلمات عبيد.

وزاد: “عندما جاء القاتلون لم يكن شريف مستهدفا بشكل خاص من جانبهم. كانوا يريدون قتل أي شخص في المنزل. كي يقتلوا ويكملوا طريقهم”.

“الحوادث تتصاعد”

ولم يعلن رسميا، حتى الآن، عما إذا كانت جريمة قتل شريف تعود إلى دوافع “عنصرية”، لكنها تأتي ضمن حالة عامة من حوادث “الاعتداء والقتل”، التي باتت تستهدف السوريين المقيمين في مناطق متفرقة في البلاد، بعد حملات تحريض يقودها سياسيون في أحزاب المعارضة.

وكان آخر هذه الحوادث ما تعرضت له المسنة السورية ليلى محمد، التي تعرضت للركل من جانب شاب تركي في إحدى حدائق مدينة غازي عنتاب، مما أسفر عن حالة غضب واسعة بين أوساط السوريين، فيما أعلنت السلطات القبض على الفاعل، واتجهت شخصيات رسمية لإبداء موقف عما حصل.

ورغم أن هذه الحملات باتت على قائمة البرامج الانتخابية لعدد من شخصيات المعارضة، يرى ناشطون حقوقيون وسياسيون أن الحكومة التركية تتحمل جزءا مما يحصل، معتبرين أن هناك “تقصيرا من جانبها، في ردع هذه الحوادث والقائمين عليها، أو حتى بتطبيق القانون”.

وذكر الكاتب التركي المقرب من الحكومة، جلال ديمير، أن “جميع العنصريين هم شركاء في قتل شريف خالد الأحمد”، قائلا: “لم يقتل أحمد بل قتلت وماتت الإنسانية في إسطنبول”.

وكتب ديمير عبر حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي: “كرهت إسطنبول اليوم. أصبحنا نستحي من إنسانيتنا. بدأنا نستحي أن نقول نحن أتراك. من قتل نفسا بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعا. اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفاء منها”.

من جهته يرى الباحث السياسي التركي، هشام جوناين أن “حصر موضوع الاعتداءات والعنصرية بالسوري غير منصف، ولا يصف الحالة بكل أبعادها”.

ويقول لموقع “الحرة”: “هناك عنصرية ناجمة عن بعض الأسباب المعروفة، منها سياسة الحكومة الضبابية في استقبال اللاجئين، وكم أعدادهم في تركيا وأين في يسكنون في المدن، وما آلية التعامل معهم. هذه أيضا ما يشكو منها اللاجئ. هذه السياسة هي سبب المشاكل”، بحسب تعبيره.

وما سبق هو “جزء من الإشكالية”، بينما هناك جزء آخر متعلق بأن “هناك عنصرية ضد اللاجئين بشكل عام”.

وقبل ثلاثة أيام قتل شاب أفغاني وجرح آخر في مدينة ريزا.

واعتبر الباحث السياسي أن “التركيز على الشق السوري ربما يعود لنسبتهم الأعلى في البلاد. أعتقد أن تلخيص الموضوع بأنه تحدٍ بين الأتراك والسوريين هو لا يصف الحالة بشكل دقيق”.

أما الناشط الحقوقي، طه الغازي، فأشار إلى أن الحوادث المتصاعدة تطرح عدة تساؤلات في الوقت الحالي، بينها: “هل أدركت الحكومة التركية دورها في حماية أرواح وتأمين سلامة (المهاجرين) إليها؟”.

ويتابع: “في المقابل هل أدركت شخصيات وتيارات من المعارضة السياسية التركية بأنها باتت في الدرك الأسفل من معايير الإنسانية وقيم العدل المجتمعي؟”.

ومنذ مطلع عام 2021، يتصدر ملف اللاجئين السوريين في تركيا حديث أحزاب المعارضة، التي اتجهت للضغط من خلاله على الحكومة، مطالبة بإرجاعهم إلى بلدهم، وتقييد أعمالهم التجارية التي نمت على نحو ملحوظ، بحسب ما تظهره البيانات الرسمية.

وسرعان ما توسعت دائرة الضغط لتصل إلى مستويات غير مسبوقة، خلال الأشهر الثلاثة الماضية، وخاصة من جانب زعيم “حزب النصر”، أوميت أوزداغ، وشخصيات أخرى كرئيس بلدية بولو، تانجو أوزجان، إضافة إلى إيلاي أكسوي التي كانت سابقا ضمن صفوف “حزب الجيد”.

وينشر هؤلاء بصورة متكررة، وبشكل يومي، معلومات مضللة بخصوص السوريين المقيمين في تركيا، مستهدفين ملايين المواطنين الذين يتابعونهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة “تويتر”.

“القلق سيّد المشهد”

ومع تصاعد حوادث الاعتداءت، التي تطورت بالتدريج من اللفظ والتحريض الافتراضي، إلى القتل العمد وفي وضح النهار، يرى سوريون أن ما حصل للشاب شريف ليس الأول و”لن يكون الأخير”، في تخوف من جانبهم لحوادث مشابهة قد تقع  في المرحلة المقبلة.

وتمضي تركيا في الوقت الحالي ضمن توقيت “العد التنازلي” للانتخابات الرئاسية المقررة في يونيو عام 2023.

ومع اقتراب هذا الاستحقاق، الذي ينتظروه الكثيرون في الداخل والخارج، تزداد الحملات المرتبطة بالسوريين يوما بعد يوم، حتى أنها باتت الشغل الشاغل لسياسيي المعارضة، الذين يطالبون بترحيلهم وحد أنشطتهم على الدوام.

وكانت الحكومة اتجهت، منذ مطلع مايو الحالي، لنشر معلومات رسمية بخصوص عدد السوريين وأماكن توزعهم، كرد فعل على المعلومات التي تنشرها الشخصيات المحرضة، ومن بينها أوزداغ.

وبالتوازي مع ذلك، كشفت عن مشروع يستهدف إعادة مليون لاجئ سوري “طوعا” إلى “المنطقة الآمنة” التي تعمل على إنشائها على طول الحدود الشمالية لسوريا.

وكتب الباحث السوري، محمد السكري عبر “تويتر”: “شعورٌ بشع مهين أن يقتل إنسان في بلد لجوء لأنه لاجئ وسوري. شريف خالد الأحمد ضحية جديدة لخطابٍ عنصري موجه ومدروس حزبيا، وممارسات معيبة بحق السوريين، قبل أن يكون ضحية قضية جنائية”.

وأضاف السكري: “الأمور وصلت لحدٍ غير مقبول، حياة الناس أهم من الحسابات السياسية أصبح لا بدّ من اتخاذ اجراءات رادعة”.

من جهته قال محمد خير كنجو: “مقتل الشاب السوري شريف في إسطنبول، والذي حمل خلفية عنصرية يجب أن يكون بمثابة ناقوس خطر ينبه الجميع”.

وتابع: “أن هذا الملف يجب التعامل معه بصرامة وحزم أكبر، وإلا ستكون نتائج اللامبالاة لا تحمد عقباها على الجميع”.

بدوره يرى الباحث السياسي التركي، هشام جوناي، أن من “يحكم ويدير البلاد ويطبق القانون هو من يتحمل المسؤولية”، معتبرا أن “للموضوع أبعادا كثيرة، ومن الواضح جدا أن هناك تحريضا منهجيا، وتصعيدا واضحا قبل الانتخابات”.

وفي استطلاع للرأي، كانت شركة “أوبتيمار للاستشارات والإعلان والأبحاث” المحلية أجرته، في الفترة بين 23 و28 أبريل الماضي، جاءت الإجابة عن سؤال “ما هو شعورك عندما تقابل سوريا؟”، قال 21.3 بالمئة “كراهية”، 17.3 بالمئة “إيذاء”، 11.2 بالمئة “سخط”، 6.6 بالمئة “قمع”، 6.2 بالمئة “قسوة”، بينما أجاب 4.4 بالمائة” أنا أشعر بالتعاطف “. ومنهم من أجاب بـ”لا شيء” بنسبة 33 بالمئة.

وسألت “أوبتيمار” عن سبب الكراهية. وقال 38.2 بالمئة من المستطلع رأيهم: “إنهم يغتصبون حقوقي”. أما الذين قالوا “إنهم يحدون من فرص العمل الخاصة بي” فبلغوا 29.2 في المائة.

في حين بلغت نسبة من قال “التفكير بالبقاء هنا يخيفني” 18.8 في المائة، و 13.6 في المائة بقولهم: “أنا خائف”.

المصدر: الحرة