كلهم مع الأسد!

19

171001025ipj18asd

كل مفاجأة باتت جائزة ومحتملة في فوضى السياسة الدولية وألاعيبها… كل جريمة باتت واردة في منطقتنا العربية وسقفها التضليل والأكاذيب من نوع تلك التي أطلقها وزير سوري يرى إصراراً لدى «كل الشعب السوري» على بقاء الرئيس بشار الأسد رئيساً، لأن «نعيم» المجازر الكيماوية، وقتل 115 ألف إنسان وتهجير الملايين في الداخل ووراء الحدود، مأثرة يحتكرها هذا الشعب.

على الوتر ذاته، بات زعيم الكرملين حليف النظام السوري الرئيس فلاديمير بوتين «بطلَ سلام» وحكيماً يستحق جائزة نوبل، في عيون بعض الروس الذين يشاركون في لعبة «العلاقات العامة»، الخديعة. فهم يرون له الفضل في تجنيب العالم حرباً كونية ثالثة، ولا يهم إذ ذاك ولو سقطت مئة ألف ضحية أخرى في «نعيم» النظام الصامد في دمشق.

ومع حفلة التضليل والكذب الفاحش الذي لا يتورّع عن تحويل الجرائم فضائل تهاوت إليها سياسات لعبة الأمم، حفلة رَدْح متبادل إيراني- إسرائيلي لا تُخلي مسرح المنطقة وحروبها ومآسيها، إلا لمزيد من الكذب. صحيح أن وزير خارجية العهد الإيراني الجديد، محمد جواد ظريف أصاب فأنصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو حين اتهمه بالكذب، لكن الصحيح أيضاً أن الوزير ربما لم يسمع بأن بين الإيرانيين مَنْ لم يستبعد كذب الرئيس حسن روحاني، إذ تضاربت روايته والرواية الأميركية حول خلفية ديبلوماسية الهاتف الخليوي بينه وبين الرئيس باراك أوباما.

وبين روحاني «الذئب» في عين نتانياهو، وبوتين «الحكيم» في نظر بعض «البسطاء» الروس، والأسد الذي لا غنى عنه لدى «كل الشعب السوري شاء من شاء وأبى من أبى» بشهادة الوزير، لا حقيقة في المنطقة سوى بحور الدم في سورية والعراق، والقتل الذي بات يومياً في مصر واليمن وليبيا، ويهدد بابتلاع تونس… ومن الحقيقة عشرات «الكتائب» التي تدّعي الإسلام وتُمعِن ذبحاً في المسلمين. تزعم مقاومة الطغاة لكنها لا تقتل إلا الأبرياء، فتُحضِّر لتسليم العالم العربي إلى جيل جديد من المستبدّين.

ولكن، مرة أخرى هل يجوز طرح السؤال: ما شأن بوتين وروحاني ونتانياهو، «الحكيم» و «الذئب» والكذّاب، بقضايانا؟ ببساطة هم يتصارعون على جثة العرب. في لعبة الأمم، لا تشاؤم بل مجرد واقعٍ القول إننا بتنا صفراً كبيراً، كما لم نكن يوماً حتى في أحلك حقبات الاستعمار: الديكتاتورية معششة في خلايانا، لا نطيح طاغية إلا لمصادرة كرسيِّه، بعدها الحرية الوحيدة هي حرية الحاكم الخَلَفْ في رعاية توزيع المغانم.

بتنا صفراً كبيراً، وهل نسأل بعد ما شأن الملف النووي بمد إيران يدها ولسانها إلى البحرين؟… بالسعي إلى الصفقة الإقليمية التي ما زالت تستعد لها منذ عشرين سنة؟ ما شأن طهران في اليمن و «حقوق» الحوثيين، وحصة «حزب الله» في تصريف أعمال الدولة اللبنانية- أو ما تبقّى منها- وفي تحصين حُكم نوري المالكي مهما تضخّمت أرقام ضحايا السيارات المفخّخة؟ وما شأن روحاني بعد محمود أحمدي نجاد في إعدام قضية الثورة في سورية، وإعداد أوراق الصفقة لـ «جنيف2»؟

بتنا صفراً كبيراً، مئة قتيل كل يوم في العراق وسورية؟ تسمع الجواب: لا بأس، العراق باقٍ وبلاد الشام. وهكذا، الجثث مجرد أرقام، وجنون العنف لا يفرّق بين «حقوق» الضحايا، مسلمين ومسيحيين، سنّة وشيعة… وما الذي يحول دون تفجير جنازة؟ أليس القتلة من طينة الذين وصفهم بوتين بـ «أكلة الأكباد»؟! الوزير سيرغي لافروف لا يقلِقه سوى تحالفهم مع الساعين إلى «دولة الخلافة».

فلنشكر لبوتين جهوده الخارقة في منع الحرب العالمية الثالثة، أما أن تزداد شلالات الدم غزارة في سورية والعراق، ويُهجَّر المسيحيون من البلدين، ويُهجَّر السنَّة من جنوب العراق، ويُهجَّر السوريون من كل سورية، ويكتوي اللبنانيون بهموم اللاجئين والقلق على خريطة بلدهم، فكل ذلك دون هموم الكرملين وسواه من «الكبار».

لا يمكننا، ونحن صفر، أن ننكر لهؤلاء «الكبار» في الغرب غيرتهم على حقوق الأقليات، وتعاطفهم مع ضحايا «الكيماوي» في سورية، ولا الدموع الغزيرة التي ذرفوها دفاعاً عن حقوق المعارضين هناك. وإن كانت خطيئة الثوار أنهم صدَّقوا بسذاجة وعود الغرب، حامي الحريات في الغرب وحده، فالمصيبة الكبرى ابتلاء المنطقة بعمى «الكتائب» التي لا تنجب إلا جيوش الخراب و «أُمراء» النكبات.

مع هؤلاء، ألا يصبح سباق أوباما وبوتين ونتانياهو وروحاني، مشروعاً ضمن لعبة المصالح؟