كيف يعرض بيع طائرات بدون طيار لإثيوبيا الحوار التركي – المصري للخطر؟

43

يبدو أن الطائرات بدون طيار من طراز بايراكتار TB2 التركية، التي تم الترويج لها على أنها ستغير قواعد اللعبة بالنسبة لحلفاء أنقرة في نزاع ليبيا وناغورنو كاراباخ، ستظهر في أجواء إفريقية أخرى، في إثيوبيا. إلا أنه من شأن هذه الخطوة تعقيد العلاقات التركية الخارجية، ولا سيما فيما يخص محاولتها الأخيرة لإصلاح العلاقات مع مصر.

انضمت إثيوبيا، التي كانت على خلاف مع مصر منذ فترة طويلة حول سد النهضة، إلى قائمة المشترين الإفريقيين للطائرات بدون طيار التركية المصنعة من قبل شركة مملوكة لنجل الرئيس طيب رجب أردوغان، إلى جانب الجزائر والمغرب ونيجيريا ورواندا.

وذكرت رويترز الأسبوع الماضي أن تركيا تفاوضت مع إثيوبيا على اتفاق قد يشمل أيضا ضمانات قطع الغيار والتدريب. لكن التفاصيل لا تزال غير معروفة حيث التزم الجانبان الصمت حيال هذه القضية.

في غضون ذلك، استقبل المغرب الدفعة الأولى في منتصف سبتمبر بعد أن طلب 12 طائرة في شهر مايو 2021 وأرسل موظفين إلى تركيا للتدريب خلال الصيف، وفقا لوسائل الإعلام المحلية.

الموقف المصري

أفاد مصدران أمنيان مصريان لرويترز أن القاهرة طلبت من الولايات المتحدة وبعض الحكومات الأوروبية مساعدتها في تجميد أي صفقة طائرات مسيرة بين تركيا وإثيوبيا، بينما قال مسؤول مصري ثالث إن الأمر سيتعين توضيحه في محادثات ثنائية.

طائرة بدون طيار تركية
طائرة بدون طيار تركية ( أ ف ب)

وقال مصدر مقرب من الحكومة التركية لـ”المونيتور” إن الصفقة تتقدم بوتيرة أسرع مما كان متوقعا، مؤكدا أن أنقرة لا تتوقع أن يعرقل رد فعل القاهرة الحوار بين الطرفين.

تثير نية تركيا تزويد إثيوبيا بطائرات مسيرة مسلحة وسط سعيها لتطبيع العلاقات مع مصر تساؤلات حول الحكمة الاستراتيجية وراء البيع. فهل تقوم أنقرة بخطوة غير حكيمة تقوض حوارها مع القاهرة؟ أم أنها ترى التعاون العسكري مع إثيوبيا تكتيكا للضغط على مصر لتقديم تنازلات؟ أم أنها تعتقد أن البيع لن يسبب احتكاكا مع مصر، بالنظر إلى أن القاهرة ترى الصراع في تيغراي – منطقة الاستخدام المحتملة للطائرات بدون طيار – على أنها مسألة داخلية لإثيوبيا؟

من وجهة نظر القاهرة، سيكون البعد العسكري في العلاقات التركية الإثيوبية تطورا غير مرحب به قد يضعف الردع العسكري المصري في المنطقة.

تقارب أديس أبابا وأنقرة

قد يؤدي تواصل التقارب بين أديس أبابا وأنقرة إلى مأزقين رئيسيين. يتمثل الأول في عزم إثيوبيا على استكمال سد النهضة الإثيوبي الكبير، الذي غذى خلافا بشأن تقاسم المياه مع مصر والسودان لمدة عقد من الزمان. وقد ثبت أن الجهود الدبلوماسية لم تكن كافية لحل الأزمة.

استمرار أعمال البناء في سد النهضة الإثيوبي.
استمرار أعمال البناء في سد النهضة الإثيوبي. © رويترز

ويتمثل المأزق الثاني في سعي أديس أبابا إلى تعزيز قدراتها العسكرية لقمع المتمردين الانفصاليين في منطقة تيغراي التابعة لها، في خطوة يُنظر إليها على أنها محاولة لتمهيد الطريق للتعاون العسكري مع تركيا، حيث استجابت أديس أبابا لدعوات تركية لنقل المدارس التي تديرها حركة غولن، التي تحمل أنقرة باللوم عليها في محاولة الانقلاب عام 2016، إلى مؤسسة تابعة للحكومة التركية.

إلا أن الرئيس التركي طيب رجب أردوغان يرى أن التقارب مع إثيوبيا يشكل فرصة مهمة لتعزيز سياسته في الانفتاح على إفريقيا.

تورط تركيا في صراعات الشرق الأوسط

كان العامل الأول الذي أجبر القاهرة على قبول عرض أنقرة للتطبيع في وقت سابق من هذا العام هو الموقف الحاسم الذي اكتسبته تركيا في ليبيا من خلال دعم حكومة طرابلس. بالنسبة لمصر، أصبح الوجود التركي في ليبيا قضية أمن قومي.

ولا يزال من غير المعروف ما إذا كانت خطة تركيا لبيع طائرات مسيرة مسلحة لإثيوبيا قد جاءت خلال الجولة الثانية من محادثات التطبيع بين المسؤولين الأتراك والمصريين في سبتمبر.

بالنسبة لمصر، أصبح تورط تركيا في صراعات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا قضية أساسية تثير القلق. ومن جانبها، لم تظهر أنقرة أي مخاوف بشأن بيع الأسلحة إلى مناطق الصراع.

ففي وقت سابق من هذا العام، رد وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو على التحذيرات الروسية بشأن مبيعات تركيا للطائرات بدون طيار لأوكرانيا بالقول إن تركيا مستعدة لبيع طائرات بدون طيار إلى روسيا أيضا. وبالتالي، قد نشهد موقفا مماثلا في حال تمت مناقشة هذه القضية في المفاوضات مع مصر. وعلى الرغم من التفاؤل السائد في أنقرة، فإن عملية التطبيع مع مصر قد تكون في خطر إذا استمرت في بيع طائرات بدون طيار لإثيوبيا.

إثيوبيا.. ورقة ضغط

قال أيدن سيزر، الملحق التجاري السابق بالسفارة التركية في القاهرة، لموقع “المونيتور” إنه من الصعب على أنقرة كسب أي نفوذ ضد القاهرة إذا رأت أن محادثات الطائرات بدون طيار مع أديس أبابا هي ورقة ضغط. وأضاف أن أنقرة تفتقر إلى القدرة على الخروج باستراتيجية تضغط على القاهرة.

بالإضافة إلى ذلك، قال سيزر إن نهج أنقرة تجاه القاهرة “معيب”، مشيرا إلى الحجة التركية بأن مصر كانت ستكسب منطقة اقتصادية أكبر في شرق البحر المتوسط ​​لو أنها أبرمت صفقة ترسيم الحدود البحرية مع تركيا بدلا من القبارصة اليونانيين. “لقد أزعج هذا المصريين بشدة”.

وتتعلق مخاوف مصر أيضا بتوقيت التقارب التركي مع إثيوبيا، والذي بدأ بعد الخلاف الحاد بين أنقرة والقاهرة بشأن الإطاحة بالإخوان المسلمين في عام 2013. وشهدت العملية عروضا تركية لمشاركة خبرات بناء السدود والري مع إثيوبيا ومزاعم مصرية بأن تركيا وإسرائيل كانتا وراء سد النهضة.

أما فيما يتعلق باحتمالية استخدام إثيوبيا للطائرات بدون طيار لمحاربة الانفصاليين، فإن أي توقع بأن هذه الحجة ستزيل مخاوف مصر تبدو متفائلة للغاية. ففي يوليو 2021، انتشرت تقارير تفيد بأن أديس أبابا تلقت 10 طائرات استطلاع بدون طيار من أنقرة وسط اشتباكات متصاعدة في تيغراي، وهو ادعاء نفته السفارة التركية.

على حدود إقليم تيغراي في إثيوبيا
على حدود إقليم تيغراي في إثيوبيا © رويترز

كانت القوات المتمردة في تيغراي قد استولت على العاصمة الإقليمية ميكيلي في يونيو الماضي، الأمر الذي دفع الحكومة الإثيوبية على ما يبدو إلى السعي لتوثيق العلاقات مع تركيا وتقديم طلب للحصول على طائرات TB2 كسلاح فعال ومنخفض التكلفة لقلب ميزان القوى العسكرية. ثم وقع رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، ثلاث اتفاقيات بشأن التعاون العسكري خلال زيارة لأنقرة في أغسطس 2021.

وبحسب رويترز، ارتفعت صادرات الدفاع والطيران التركية إلى إثيوبيا إلى 51 مليون دولار في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2021 من 203 آلاف دولار في الفترة نفسها من العام الماضي. وأبلغت الوكالة عن قفزة في أغسطس وسبتمبر دون تقديم أرقام محددة.

سياسة تركيا الخارجية “غير موفقة

قد يؤدي استخدام إثيوبيا للطائرات المسلحة بدون طيار التركية في تيغراي إلى إثارة مشاكل جديدة في الشؤون الخارجية لتركيا، بما يتجاوز التوترات المحتملة مع القاهرة. ففي أعقاب اجتماع للأمم المتحدة بشأن إثيوبيا في سبتمبر، دعت بريطانيا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة إلى إنهاء الأعمال العدائية في تيغراي واستئناف المحادثات ووصول المساعدات الإنسانية إلى المنطقة دون عوائق.

رجال مسلحون يؤمنون حماية أكياس الأغذية  لتوزيعها على اللاجئين من منطقة تيغراي على الحدود الإثيوبية السودانية، في 24 نوفمبر 2020.
رجال مسلحون يؤمنون حماية أكياس الأغذية لتوزيعها على اللاجئين من منطقة تيغراي على الحدود الإثيوبية السودانية، في 24 نوفمبر 2020. © رويترز

وأدى إثارة واشنطن لشبح العقوبات إلى زيادة حدة التوترات حيث طردت أديس أبابا سبعة من مسؤولي الأمم المتحدة انتقاما لانتقادات أفادت بأنها تمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى تيغراي.

وفوق كل ذلك، شجب بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية تصرفات الحكومة في تيغراي ووصفها بأنها “إبادة جماعية”.

تُظهر كل هذه التطورات أن أنقرة سيكون لديها أسئلة صعبة للإجابة عليها للمجتمع الدولي إذا ما شرعت في بيع طائرات مسلحة بدون طيار إلى أديس أبابا.

وبالمثل، فإن التعاون العسكري التركي مع المغرب يمكن أن يفسد علاقاتها مع الجزائر حيث لا يزال البلدان الشمال إفريقيان على خلاف حول قضية الصحراء الغربية المتنازع عليها.

المصدر: مونت كارلو الدولية

الآراء المنشورة في هذه المادة تعبر عن راي صاحبها ، و لاتعبر بالضرورة عن رأي المرصد.