لا قيمة لهذه «الانتصارات الاستراتيجية»! والدم حتما سيغلب السيف

14

7815827SalafistsSyria

أظهرت احتفالات نظام بشار الأسد بـ«سقوط» بلدة يبرود، على الحدود السورية – اللبنانية، كَمْ أنَّ هذا النظام بات مصابا بالإعياء، وأنه بحاجة إلى أي انتصار حتى وإنْ كان وهميا ليقول إنه لا يزال موجودا، وأنَّ قصة مؤتمر جنيف، الأول والثاني والثالث أيضا، يجب طيها وعدم الإتيان على ذكرها على الإطلاق، وهنا فإنَّ ما يبعث على الضحك الممزوج بالاستهزاء، أنَّ «مسامير صحن هذا النظام» يتحدثون عن الانتخابات الرئاسية «المقبلة» بكل جدية وكأنه قد جرت في هذا البلد انتخابات رئاسية وتشريعية منذ عام 1955 وحتى الآن.

ولعلَّ ما يبعث على الاستهجان أن سقوط هذه البلدة الصغيرة المختبئة، منذ بداية الكون، في أحضان هضاب وجبال لبنان الشرقية قد أغرى كثيرين من الذين يعتبرون أنفسهم محللين استراتيجيين للحديث عن أهمية هذه البلدة، وأنها مثل بلدة «القصير» الحمصية يعتبر سقوطها تحولا في مجرى الأزمة السورية التي دخلت عامها الرابع والتي تشير كل التوقعات إلى أنها قد تدخل عامها الخامس والسادس والعاشر أيضا إذا بقيت إدارة باراك أوباما تتعاطى مع واحدة من أكثر القضايا الدولية سخونة بهذه الطريقة المثيرة لألف سؤال وسؤال!!

إن سوريا كلها تشكل الآن ميدان معركة كرٍّ وفرٍّ لم تتوقف ولو للحظة واحدة على مدى الثلاث سنوات الماضية، ولذلك فإنه أمر طبيعي أن يتحدث هذا النظام ومعه «المحللون الاستراتيجيون» من أعوانه عن انتصار استراتيجي كلما سقطت قرية في أيدي قوات النظام وفي أيدي ميليشيات حزب الله والشراذم الطائفية الأخرى فالأساس بالنسبة لهؤلاء جميعا هو أن يعلن بشار الأسد عن أنه لا يزال موجودا وأنه مستمر بالقتال وأنه يحقق انتصارات «استراتيجية».. وحقيقة أن «يبرود» التي بقيت تتعرض ولنحو خمسة وثلاثين يوما لقصف جوي وبري متواصل قد أثبتت أنه بإمكان الكف مواجهة المخرز، وأنَّ الدم يغلب السيف، وأن هذا «الانتصار» لو جرى التدقيق فيه جيدا لثبت أنه عبارة عن هزيمة منكرة بالفعل، وأنه كشف عن حقيقة أن هذه القوات النظامية لم تعد جيشا منظما يثق بنفسه، وأنها تحولت هي بدورها إلى مفارز مذهبية لا يمكنها أنْ تحسم معركة على الإطلاق.

والواضح أنَّ إسقاط هذه البلدة التي لا نعرف لماذا وُصفت بأنها «استراتيجية» ولماذا وُصف احتلالها من قبل ميليشيات حزب الله وقوات فيلق القدس وحراس الثورة الإيرانية بأنه انتصار استراتيجي، له علاقة بـ«الأوامر» التي كان أصدرها بشار الأسد للبنانيين لانتخاب رئيس «ممانع» بديلا للرئيس الحالي ميشال سليمان، وهذا يعني إن بقي الأوروبيون والأميركيون يتصرفون بكل هذه «الرداءة»، أنَّ الأزمة السورية سيجري تصديرها إلى لبنان، وأن هذا البلد الذي ابتلي بما هو عليه الآن، من هيمنة لحزب الله، كجسر متقدم لإيران على شواطئ المتوسط، سوف يشهد حربا أهلية جديدة مدمرة وإن خَلْط الأوراق في هذه المنطقة سيتخذ مسارا جديا، وأن مئات الصواريخ التي أطلقتها حركة الجهاد الإسلامي على مستوطنات «العدو الصهيوني» في جنوب إسرائيل سيثبت أنها مقدمة للاصطفافات الجديدة التي بدأت تتشكل مؤخرا، وحيث عادت حماس إلى الحضن الإيراني والتحق الإخوان المسلمون بدولة الولي الفقيه.

الآن ازداد رهان بشار الأسد على الروس بعدما فعلوا في أوكرانيا ما فعلوه وازداد رهانه على إيران التي لم تقدم ولا تنازلا فعليا واحدا فيما يتعلق بإمكانياتها النووية «الواعدة»، كما ازداد رهانه على نوري المالكي والشراذم الطائفية التي دأب على إرسالها بقرار من قائد فيلق القدس قاسم سليماني للقتال في سوريا، ولعل ما يؤكد هذا كله أنَّ النظام السوري لم يعد مكترثا باتفاقية التخلص من الأسلحة الكيماوية ولا بالقرار رقم 2118 الذي وافقت عليه أيضا روسيا والصين، وأنه في الوقت نفسه يسعى لإشغال العالم كله والمنطقة بأسرها بإعادة الحرب الأهلية إلى لبنان.. والدليل هو دعوة اللبنانيين لاختيار رئيس «ممانع»!! يحل محل الرئيس الحالي ميشال سليمان.

هناك حقيقة يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، وهي أن الرهان على انتصارات بوتين يجب التدقيق فيه جيدا، فالواضح أن الرئيس الروسي، الذي دأب على اغتنام ميوعة الموقف الأميركي وتردد الأوروبيين تجاه كل الأزمات الدولية المحتدمة ومن بينها أزمة «القرم»، بات يواجه صعوبات كثيرة، إنْ لجهة قدرته على ابتلاع «اللقمة» الأوكرانية الكبيرة، وإنْ لجهة الاستمرار بالوقوف إلى جانب بشار الأسد، فهناك أوضاع في بعض دول ومناطق الحكم الذاتي في روسيا الاتحادية غدت متفجرة بالفعل، وهناك معارضة داخلية يبدو أنها باتت تستغل الظروف المستجدة وتتخطى حواجز الخوف، وهناك أيضا وهذا هو الأهم، أن أموال الروس وبما فيها أموال الرئيس الروسي نفسه قد غدت بحكم «المتحفظ» عليها في البنوك الغربية.

إنه من غير الممكن أن يترك الأوروبيون فلاديمير بوتين يتلاعب بخرائط الدول الأوروبية بكل هذه الطرق الاستفزازية التي لا تُحتمل، ولهذا فإنَّ أقل ما يمكن أن يفعله هؤلاء، إن بقي الرئيس الروسي يركب رأسه على هذا النحو، هو استخدام سلاح العقوبات الاقتصادية ضده، وهو أيضا استغلال انشغاله بالمعارك الجديدة التي افتعلها والمسارعة لدعم المعارضة السورية بكل ما تحتاجه من أسلحة نوعية ومواقف سياسية، وهنا فإنه على بشار الأسد ومعه إيران وكل من يدعمونه ويحاربون حربه، أن يدرك أن روسيا لا تستطيع أن تحمل أكثر من بطيخة في يد واحدة، وأن موسكو التي غدت منشغلة بأكثر من مشكلة في دوائرها القريبة لن تستطيع الاستمرار بالموقف المنحاز الذي اتخذته تجاه الأزمة السورية منذ لحظة انفجارها في مثل هذه الأيام قبل ثلاث سنوات.

ربما أن بشار الأسد يظن، وأغلب الظن إثم، أنه سيبقى قادرا على التلاعب بالأوراق الإيرانية والروسية وأوراق نوري المالكي على هذا النحو، وأن بإمكانه «التملص» من قرار مجلس الأمن الدولي المتعلق بتدمير أسلحته الكيماوية رقم 2118 وقرار جنيف الأولى المتعلق بتشكيل هيئة انتقالية كاملة الصلاحيات تأخذ سوريا نحو الاستقرار والديمقراطية، لكن عليه أن يدرك أنَّ هناك متغيرات حتمية إنْ في الموقف الأميركي وإنْ في مواقف الدول الأوروبية وإنْ في الموقف الروسي أيضا، كما أن عليه أنْ يدرك أيضا أنَّ اللحظة التي ينتظرها الشعب السوري قادمة لا محالة، وأن هذه الانتصارات «الاستراتيجية» لا قيمة لها ما دام معظم سوريا أصبح خارج سيطرته وسيطرة قواته، وما دام «الجيش الحر» يزداد قوة يوما بعد يوم، وما دام أكبر خطأ ارتكبه هو أنه قد ربط مستقبل نظامه بالمشروع الإيراني في هذه المنطقة، وما دام هناك مقاومة عربية حقيقية رسمية وشعبية لهذا المشروع القديم الجديد.

ثم وربما أنَّ ما لا يعلمه الرئيس السوري، الذي يبدو أنه لا يزال ينشغل بـ«الانتصارات الاستراتيجية» التي حققها حزب الله ومعه حراس الثورة الإيرانية وفيلق القدس في يبرود، أنَّ هناك ثورة بكل معنى الكلمة في أميركا ضد مواقف باراك أوباما وإدارته من الأزمة السورية، ولهذا فإن زيارة الرئيس الأميركي إلى المملكة العربية السعودية القريبة ستكون بداية فتح صفحة جديدة في تعاطي الأميركيين مما بقي يجري في سوريا على مدى الأعوام الثلاثة الماضية، وهذا من المؤكد أنه سيشمل الأوروبيين الذين أدركوا، وإنْ متأخرين، أنَّ تخاذلهم في الشرق الأوسط هو الذي شجع فلاديمير بوتين على التدخل في شؤون أوكرانيا وعلى التلاعب بخرائط الدول الأوروبية.

إنه غير ممكن أن يترك الأميركيون والأوروبيون إيران بعد تجربة أوكرانيا وشبه جزيرة القرم لتواصل التلاعب مستندة إلى الدعم الروسي بأمن الشرق الأوسط وأمن دوله، كما أنه غير ممكن أنْ تترك الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي بشار الأسد يمزق هذه المنطقة الاستراتيجية والحساسة كل هذا التمزيق وأن يجعل المنظمات الإرهابية وفي مقدمتها «القاعدة» تستوطن منطقة محاذية لأوروبا ومطلَّة على البحر الأبيض المتوسط الذي تتاخمهُ عليه معظم الدول الأوروبية. وكذلك، وهذا هو المهم، فإنَّ ما يجب أن يعرفه بشار الأسد وحلفاؤه، الإيرانيون والروس والشراذم الطائفية والمذهبية البائسة، أنَّ انتصاراته «الاستراتيجية» هذه لن تخيف الشعب السوري الذي لا يمكن بعد ثلاثة أعوام من شلالات الدماء، أن يعود لـ«بيت الطاعة» الذي فُرض عليه وبالحديد والنار قبل نحو نصف قرن، والذي وقد قدَّم كل هذه التضحيات الجليلة فإنه سيواصل المسيرة، وأنه لا بد من أن ينتصر وبخاصة ما دام هذا الجيش النظامي قد تحول إلى مجرد شراذم طائفية أيضا، وما دام السوريون باتوا يرفعون شعار: «الدَّم يغلب السيف».

صالج الفلاب