«لسنا عرباً كي نُقتَل في صمت» حقيقة أم «فوتوشوب»… بثينة شعبان تتذكر السجون.. وكبير مذيعي «الشرق» مطروداً

30

من المرجح أن تكون مزوّرة صورة لافتة مرفوعة من قبل محتجّين أمريكيين في التظاهرات الأخيرة، حملت عبارة «لسنا عرباً كي نُقتَل بصمت»، وقد تناقل بعض سكان مواقع التواصل الاجتماعي لاحقاً صورة اللافتة إلى جانب صورة قالوا إنها الأصل، وقد كتب عليها «توقفوا عن قتلنا».
العبارة جارحة بالطبع، جارحة لأنها حقيقية، حتى لو كانت «فوتشوب»، وهي مكررة على مرّ السنين في هذه الصيغة أو تلك، كما حدث مرة عندما ورد ما يشبهها على لسان والدة الناشط الإيطالي ريجيني، الذي قضى في سجون السيسي: «لقد عذّبوه كما لو أنه مصري»! وهي حتماً لم تكن تعني أن المصري يستحق أن يعذّب.

أغرب ما في الأمر عندما تجد من ينتقد بلاده طوال الوقت، الانتهاكات والسجون وممالك الصمت، ثم يجد في انتقاد الآخرين لثقافة الصمت تعالياً وعنصرية!

وفي وقت نتخيل أن عبارة «لسنا عرباً… « مكتوبة (مزورة) من قبل عربي يجرحه الصمت والذبح وانتهاك أبسط حقوق الإنسان في بلاده، يأتي من يرى في العبارة عنصرية أمريكية تجاه العرب. بل ويزيد عليها أنها مرفوعة من قبل سود أمريكيين يحملون حقداً تاريخياً تجاه عرب استرقّوهم ذات يوم، وكأن الأفريقي -الأمريكي المنتفض لكرامته في مينابولس وسواها من مدن أمريكا ليس في باله في أيامه الصعبة هذه إلا الانتقام من التاريخ.
يدعم المعترضون كلامهم بأن هناك من يشاركهم الموت، كما الصمت، مثل الصينيين والكوريين الشماليين، وسواهم، فلماذا اختارت اللافتة العرب دون سواهم! ربما هذا تأكيد على أن كاتب اللافتة عربي، وقد يحدث أن يزوّرها صيني وروسي وباكستاني لتصبح «لسنا باكستانيين كي نقتل بصمت».
أغرب ما في الأمر عندما تجد من ينتقد بلاده طوال الوقت، الانتهاكات والسجون وممالك الصمت، ثم يجد في انتقاد الآخرين لثقافة الصمت تعالياً وعنصرية.

بثينة شعبان و«حارس القدس»

غالباً ما نستبعد مقارنة الظلم، الذي يحلّ بنا كعرب من قبل أنظمتنا بما فعلته إسرائيل، فرغم أن مبرر المقارنة قناعتنا بأن إسرائيل هي الأفظع، توحشاً وظلماً ودموية، وأن المرء غالباً ما يستحضر النسخة الأصلية من كل شيء ليقيس بها، إلا أننا كنا نخجل من النتيجة، فقد يحسب البعض أن في ذلك تحسيناً لصورة إسرائيل أمام الرعب الذي تتركه الأنظمة، خصوصاً في حالة النظام السوري.

تذكرتْ بثينة شعبان سجني «الخيام»، و«أبو غريب»، ولم يخطر لها السجون تحت شوارع وساحات دمشق، حيث يقبع في هذه الأثناء آلاف المظلومين، وحيث قضى الآلاف شهداء تحت التعذيب، كما سلخ الآلاف من قبل أعمارهم هناك

ورغم أن الكثيرين نجحوا في تجاوز إعلان تلك المقارنة على الملأ، وهي الحاضرة على لسان كل عربي صباح مساء (فمن منا لم يقل مرة عند مواجهة ظلم فادح: «إسرائيل ما عملتها»..) إلا أن بثينة شعبان، مستشارة رأس النظام السوري، أصرت هي أن تحضر دبّ المقارنة إلى كرم النظام الممانع، حين كتبت في مقال مدائحي لمسلسل «حارس القدس»، الذي أنتجه نظامها أخيراً «وأنا أشاهد «حارس القدس» يتعرّض لأنواع التعذيب والإذلال في غياهب سجون الاحتلال أستذكر أسرى سجن الخيام وعذاباتهم على يد جلاديهم، وأستذكر عذابات الأسرى العراقيين في سجون الاحتلال الأمريكي في «أبو غريب» وغيره، وأستذكر الأسرى العرب الذين ما زالوا يقبعون اليوم في سجون الاحتلال، دون أن يكون هناك عمل إقليمي ودولي يفضح أساليب الاحتلال ويرغمه على إطلاق سراح هؤلاء الشرفاء».
تذكرتْ شعبان سجني «الخيام»، و»أبو غريب»، ولم يخطر لها السجون تحت شوارع وساحات دمشق، حيث يقبع في هذه الأثناء آلاف المظلومين، وحيث قضى الآلاف شهداء تحت التعذيب، كما سلخ الآلاف من قبل أعمارهم هناك. شعبان، مثل نظامها، لا تخجل، هي تعرف ماذا يجري تحت قدميها، والسوريون جميعاً يعرفون ما يجري، لكن من يتوقع أن يخجل من ارتكب كل تلك الفظائع!

وحشيتان

«الشرطة الأمريكية تدهس المتظاهرين وتعتدي عليهم». «العفو الدولية تدعو السلطات الأمريكية لإيقاف العنف ضد المتظاهرين». «المتظاهرون يضرمون النار في سيارات الشرطة الأمريكية في فيلادلفيا احتجاجاً على عنصريتها». «الشرطة تعتقل مراسل الـ سي أن أن».. هذه بعض عناوين إعلام النظام السوري في تغطيته المثابرة للاحتجاجات، التي عمّت مدناً أمريكية بعد مقتل مواطن أمريكي أسود على يد رجل شرطة.

مخطئ من يظن أن إعلام النظام يرمي إلى فضح الوحشية الأمريكية تجاه الأمريكيين، إنه فقط يحاول تبرير وحشيته ودمويته هو، تلك التي مارسها تجاه السوريين لعقود طويلة، والتي يجهد لإدامتها إلى الأبد

مخطئ من يظن أن إعلام النظام يرمي إلى فضح الوحشية الأمريكية تجاه الأمريكيين، إنه فقط يحاول تبرير وحشيته ودمويته هو، تلك التي مارسها تجاه السوريين لعقود طويلة، والتي يجهد لإدامتها إلى الأبد.

لغة إذا وقعت

لا يمكن للمرء، إذا كان إعلامياً خصوصاً، إلا أن يتضامن مع موظفي «تلفزيون المستقبل» و»إذاعة الشرق» في احتجاجاتهم المشروعة المطالبة بحقوقهم المالية، في أزمة مستمرة منذ شهور طويلة.
آخر أخبار الأزمة طرد المذيع محمد السباعي من «إذاعة الشرق» في بيروت، وقد قدّمته بعضها بوصفه «كبير المذيعين»، وبأنه «هوية الإذاعة» و«قارئ بيانات الحريري الأب»، وذلك إثر مقدمة نارية لنشرة إخبارية، عشية عيد الفطر ، قال فيها: «أوجع ما في العيد أن يعايدك من أفقرَك، والأشدّ إيلاماً أن يعايدك مطن أذلّك، والأكثر وقاحة أن يعايدك من يقتلك على عدد ثواني اليوم الواحد. إلى مُفقرنا ومُذلّنا وقاتلنا، دمنا لسكينك خرافاً ونعاجاً حتى يقضي الله أمره.»

لا يمكن للمرء، إذا كان إعلامياً خصوصاً، إلا أن يتضامن مع موظفي «تلفزيون المستقبل» و«إذاعة الشرق» في احتجاجاتهم المشروعة المطالبة بحقوقهم المالية، في أزمة مستمرة منذ شهور طويلة.

المقدمة فُهمت وجرى تداولها من قبل كثيرين، من بينهم من ثابرَ على التظاهر والاحتجاج من مصروفي «المستقبل»، على أنها تستهدف سعد الحريري، ولذلك جاء الرد سريعاً بالطرد، ومنع السباعي من دخول مبنى الإذاعة.
السباعي، مثله مثل مصروفي «المستقبل» والعاملين في «الشرق»، يستحق التضامن، كما أن من حقه الاحتجاج والمطالبة، لكن طريقة الاحتجاج هنا فيها نوع من الانتحار المهني، فمن سيقبل بعد ذلك، ورغم التضامن، توظيف مذيع استخدم هواء الإذاعة نفسها للتشهير بها (إن كان التشهير حقاً هو المقصود)! لا شك أن مدراء المؤسسات سيتساءلون عن مصير صحفهم وإذاعاتهم وتلفزيوناتهم إن كان كل من يرغب بالاحتجاج سيلجأ إلى هذه الطريقة.
لكن هنالك، في مقدمة السباعي، ما يستحق «لفت نظر» أيضاً، إذ كيف لـ «كبير المذيعين» أن يرتكب في بيان إذاعي ذلك الخطأ الجسيم في قراءة الجار والمجرور: «لسكّينك»، حيث ضبط النون بالفتح فيما هي مجرورة!
تذكّر حكاية السباعي بتلك «الحزورة» الطفولية، إذ قال حارس ليلي لمعلمه، صاحب الفيلا، إنه رأى، فيما يرى النائم، معلمه مسافراً على متن طائرة، وأن الطائرة ستسقط. منام الحارس يدفع بصاحب الفيلا لأن يلغي سفره توجساً، وعندما تسقط الطائرة بالفعل سيكافئ حارسه بيد، ويسلّمه قرار طرده باليد الأخرى. لماذا؟ كيف ينام الحارس أثناء الحراسة!
تستحق أخطاء اللغة، عند كبار المذيعين وعند صغارهم، أكثر من «لفت نظر»، هذه «عدّة الشغل» التي يُقبَلُ مذيع أو يرفض بسببها من الأساس.

الكاتب:راشد عيسى – المصدر:القدس العربي