لعبة الكبار وحكومات الأمر الواقع في سوريا

34

أصدر معهد واشنطن للدراسات في الأول من أبريل الحالي تقريراً بعنوان “حكومات سوريا الثلاثة تواجه الفيروس التاجي” أعده آرون زيلين وعلا الرفاعي، ويخلص هذا التقرير إلى أن “إدارة المعارضة في إدلب والحكومة التي يقودها الكرد في الشمال الشرقي أكثر استباقية وشفافية من نظام الأسد، لكن سكانها لا يزالون بحاجة إلى مساعدة دولية عاجلة ومباشرة دون الحاجة إلى الأمم المتحدة إذا لزم الأمر”، هكذا إذاً حكومة الإنقاذ التابعة لجبهة النصرة التي صنفها مجلس الأمن إرهابية تصبح “إدارة المعارضة في إدلب”.

ويكتسب التقرير أهمية مزدوجة إذ أنه صادر عن المجمع الفكري الذي يزود اليمين الأمريكي المحافظ، وبالتالي الإدارة الجمهورية، بالأفكار والخيارات والكوادر أيضاً، وتكفي هنا الإشارة إلى أن جيمس جيفري المبعوث الخاص الأمريكي إلى سوريا أحد أبرز كوادره. إن التقارير التي يصدرها المعهد لا بد أن تترك أثرها الكبير على سياسات وخيارات إدارة ترامب الجمهورية، هذا إذا لم يجر تبنيها من قبل الإدارة. كما إن محتوى التقرير يلقي الضوء على طريقة تفكير الإدارة وأولوياتها وأدائها في سوريا.

يشير التقرير إلى طرق تعامل حكومات الأمر الواقع في سوريا (حكومة النظام – حكومة الإنقاذ – وحكومة قسد) مع أزمة كورونا، ويستخدم لهجة إيجابية في حديثه عن حكومة الإنقاذ، متجاهلاً ذكر الحكومة المؤقتة التابعة للائتلاف تماماً. ورغم ما يحمل هذا التجاهل من رسالة سياسية غير سارة للحكومة المؤقتة، فإنه قد يكون تغاضياً عن أدائها الذي لا يرقى إلى المستوى المطلوب.

ووفقاً للتقرير فإن حكومة النظام تتعامل مع الوباء كما جرت العادة، بالإنكار والتعتيم والتلاعب واستغلال المأساة لتحقيق منافع في علاقته مع المجتمع الدولي، في حين اتخذت حكومة قسد إجراءات يمكن تصنيفها تحت عناوين احتواء الانتشار وضبط الأسواق ودعم المحتاجين والتوعية. أما حكومة الإنقاذ فقد اقتصر دورها على التوعية وتعقيم أماكن التجمع المحتملة.

ويرى المعهد ان أمام الولايات المتحدة فرصة لإظهار أنها القائد الحقيقي في سوريا، عبر تقديم المساعدات والضغط على روسيا في مجلس الأمن لإدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود التركية لتصل مناطق حكومة الإنقاذ وحكومة قسد، وعليها إذا فشلت في ذلك أن تشكل تحالفاً خاصاً لتحدي التعنت الروسي وتأمين المساعدة الدولية المباشرة لمواجهة الوباء.

قد تنجح الولايات المتحدة وقد لا تنجح في امتحان القيادة، ولكنها في جميع الأحوال تظل أحد اللاعبين الثلاثة الكبار (الأمريكي – التركي – الروسي)، الذين كرستهم العمليات العسكرية الأخيرة في الشمال السوري كمحاورين على مستقبل الشمال السوري كبداية وعلى سوريا فيما بعد. ذلك الثلاثي الذي بات متحكما بالأطراف السورية نظاما ومعارضة، وبدأ (كما أوضحت في مقالي السابق “شويغو في دمشق..”) بالفعل في ترتيب الأوضاع ليس فقط في الشمال الشرقي بل في الشمال السوري ككل.

تبدو دعوة الرئيس التركي للرئيس الروسي بشأن التشارك الروسي التركي في إدارة حقول النفط في محافظة دير الزور شرق سوريا، ضرباً من الخيال إذا نظرنا إليها بشكل منفصل، ولكنها تصبح قطعة من اللغز حين نجد تفسيرها في تصريح الرئيس الأمريكي بشأن مصالحة قسد وتركيا وموافقة الطرفين على ذلك. خصوصاً وأن أردوغان يتحدث وكأنه يضمن موافقة ترامب.

رغم كل ما تقدم لا يمكن الحديث عن اكتمال لوحة اللغز، سيّما أن مسألة التنظيمات الإرهابية المتواجدة في المنطقة لم تحسم بعد من قبل الفرقاء الثلاثة. إذ يتواجد في شمال غرب سوريا تنظيمات صنفت إرهابية (هيئة تحرير الشام – حراس الدين – الحزب الإسلامي التركستاني – أنصار التوحيد). ولكن التمهيد لذلك بدأ مع تصريح جيمس جيفري في كانون الثاني الماضي بشأن جبهة النصرة ومحاولة تجميلها وعزلها عن الفرق الإرهابية الثانية على أنها “معارضة وطنية تضمم مقاتلين وليس إرهابيين”. تبع ذلك ظهور الجولاني في آذار الماضي في مقابلة مع “مجموعة الأزمات الدولية”، واعترافه بأن جبهة النصرة قد ارتكبت أخطاء بحق الفصائل المسلحة وأنها ستقاتل الأسد فقط وأيديولوجيتها تعتمد على الفقه الإسلامي حالها حال المجموعات السنية الأخرى.

إن خيارات معالجة مسألة هذه التنظيمات ليست كثيرة وربما يتجه الثنائي الأمريكي- التركي فيما يخص جبهة النصرة إلى تفكيكها أولاً وبعدها إما استيعابها ضمن (فيلق الشام) على الأرجح، أو تذويبها بين جمهور اللاجئين ونقل المعندين إلى ليبيا، رغم ضعف هذا الاحتمال. ولذلك تجري شيطنة التنظيمات الثلاث المتبقية وتحميلها خطايا الإرهاب بهدف تصفية الحساب معها في المستقبل القريب.

هل آن أوان الصفقات الصعبة، والتوجه إلى جنيف نحو عملية سياسية برعاية أمريكا وروسيا وتركيا بأدوات سورية؟ تظل الإجابة منوطة أولاً وأخيراً بصمود وقف إطلاق النار وتحييد واستيعاب الأطراف الاستفزازية المتضررة، وهي في هذه الحالة إيران والنظام والميليشيات التابعة لهما ونظراؤهم على الضفة الأخرى أي التنظيمات الإرهابية.

 

 

الكاتبة:هدى ابو حلاوة – المصدر: بروكاربرس