«لعبة بوتين» لا تعطي أولويّة للشعب السوري

26

انقسمت أوساط المحلّلين والخبراء الروس بشدة في شأن النتائج المرتقبة للقاء يُعقد غداً بعدما طال انتظاره، بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأميركي باراك أوباما. واعتبر طرف أن أقصى ما سيخرج عن اللقاء مصافحة وابتسامات عريضة وصور للذكرى، تترك انطباعاً بأن الرئيسين يحافظان على جسور التواصل على رغم الخلافات العميقة، وهو ما أوحى به «التلاسن» الذي سبق القمة حول أجندتها وآلية تنظيمها. بينما رأى طرف آخر أن الأرضية باتت مهيّأة لتحقيق تقدّم مُهم قد يبدأ من سورية ولا ينتهي في أوكرانيا. ويبدو أن «لعبة بوتين» لا تعطي الأولوية للشعب السوري.

وحتى قبل أن يتّضح الموقف، سارع كثر الى اعتبار أن بوتين سيسجّل جولة لمصلحته، لمجرد أن القمة انعقدت، فأوباما امتنع عن لقاء نظيره الروسي لأكثر من عامين بسبب الأزمة الأوكرانية، والقمة الحالية تدفن نهائياً مساعي «عزل روسيا»، وتعكس إقراراًً بأنها لاعب عالمي أساسي لا يمكن تجاوزه.

يذهب سيد الكرملين الى نيويورك وفي حقيبته أوراق قوية غيّرت الى حدّ بعيد، قواعد اللعبة حول سورية التي ستكون العنوان الأبرز للمناقشات، من التدخل العسكري المباشر في سورية الذي قلب المعادلات وفرض واقعاً لا يمكن تجاهله، الى التبدّل الواضح في مواقف عدد من البلدان الغربية حيال احتمال التفاوض مع الرئيس السوري بشار الأسد.

وإقليمياً، مهدت روسيا بترتيب «أجواء إقليمية» مرحبة بسيطرتها على ما تبقى من سورية عبر تنسيق المواقف مع تركيا وإسرائيل وإيران والعراق.

لكن بوتين لن يكتفي بالورقة السورية في حديثه مع أوباما المتعب من منطقة الشرق الأوسط، فهو مهّد للدور الروسي الجديد الذي يحاول انتزاعه في المنطقة بتدخّل «سياسي» في السودان، عبر عقد لقاءات أخيراً، في موسكو على مستوى وزراء خارجية السودان وجنوب السودان وروسيا، وتشكيل مجموعة اتصال لدفع الاتفاقات بين الطرفين، وفي اليمن بإعلان استعداد موسكو لـ «الوساطة» بين الأطراف، وفي لبنان بـ «توضيح» موقف لإخراج بيروت من حال الفراغ الرئاسي.

ويبدو التمهيد الروسي للحديث عن «الجهود المشتركة» المحتملة لمواجهة تمدّد الإرهاب لافتاً أيضاً، فبينما يتم تعزيز الوجود العسكري المباشر في سورية، تبرز معطيات عن «تحالف» روسي – إيراني – عراقي، قوامه تأسيس مركز في بغداد لحشد وحدات «شيعية» لمحاربة «داعش»، وعلى رغم أن الكرملين نفى رسمياً صحة التسريبات، لكن اللافت أن الخبر كان تصدّر الصفحة الأولى على موقع وكالة «نوفوستي» الرسمية.

ويذكر ذلك بـ «تدرج» المواقف الروسية، من إطلاق «بالونات اختبار» قبل الوصول الى الاعتراف جزئياً ثم كلياً بالأمر الواقع الجديد، الذي ترسم ملامحه الديبلوماسية الروسية بدقة وهدوء شديدين.

ومثلاً، تدرجت موسكو في الاعتراف بالتحضير لوجود عسكري دائم في سورية، من حديث عن «تنفيذ عقود عسكرية سابقة»، الى «دعم كامل للحكومة السورية في محاربة الإرهاب» باعتبارها الحكومة الشرعية، وصولاً الى تبدّل نوعي في اللهجة يغدو بموجبه «شرط تسوية الأزمة» هو «دعم الحكومة الشرعية» كما أعلن بوتين أخيراً.

أيضاً، تدرجت موسكو في تحديد موقفها من مصير النظام بالإشارة الى أنه «ليس حليفاً»، و «موسكو لا تدافع عن أشخاص»، وبعد ذلك الإصرار على أن «جنيف1» ينصّ على ضرورة «اتفاق الأطراف على شكل الهيئة الانتقالية» قبل أن يصل الموقف الروسي الى إعلان استعداد الأسد لـ «إشراك المعارضة البناءة» مع ما تحمله عبارة «استعداد لإشراك» من مضامين تقوّض تفاهم «جنيف».

يذهب بوتين للقاء أوباما مسلحاً باستنتاجات «المطبخ السياسي» في الكرملين بعد التطورات الدراماتيكية على الأرض، وأهم عناوينها أن روسيا لن تسمح بتكرار تجربة ليبيا، وأنها تدخلت في سورية حتى «لا تفاجأ بذلك السيناريو في آسيا الوسطى»، كما أن الحديث من وجهة نظر موسكو لا يقوم على مواجهة مشتركة للإرهاب، بل على «تفاهم لتفادي الصدام»، ما يعني وفق بعضهم إطالة أمد الأزمة والنظام سياسياً الى حين، ودفع احتمال التطور وفق السيناريو البديل، إذا فشلت المسارات الحالية، والمقصود «دولة ساحلية تسيطر عليها روسيا». في كل الأحوال، يحمل بوتين، كما قال ديبلوماسي عربي في موسكو، «سيناريوات لمستقبل سورية في حقيبته لا يحظى مصير الشعب السوري بأولوية فيها».

 

المصدر : الحياة