لقاح مناعة للممانعة!

المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعبر بالضرورة عن رأي المرصد السوري لحقوق الإنسان

19

ما زال كبار كتاب الأعمدة في إسرائيل يتحدثون عن أحدث صفقة تبادل جرت بوساطة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، التي بمقتضاها تم تحرير راعيين سوريين من السجون الإسرائيلية مقابل تحرير الفتاة الإسرائيلية التي غامرت باختراق سياحي للحدود وفق مبدأ… «كلها بلاد الله الواسعة».
سعدت شخصياً بنجاح الصفقة؛ وتحديداً بحصول الراعيين الشقيقين على الحرية، مما يفتح باباً للتفاؤل بنجاح صفقة أكبر بين «حماس» وإسرائيل سيكون المحررون فيها أكثر من اثنين بالتأكيد.
كذلك سرّني أن يُستخدم في الصفقة؛ على تواضعها، لقاح «سبوتنيك» ثمناً إنسانياً؛ أو هكذا يقال، للتبادل، ذلك أن المال ذهب إلى خزينة الدولة الروسية الصديقة، واللقاح ذهب إلى بعض أبناء جلدتنا من العرب السوريين، ولا يهم كثيراً إن كان المبلغ متواضعاً كما عرف (مليون ونصف المليون دولار).

سروري بما جرى لم يقابله سرور من جانب كثيرين من الإسرائيليين، ولأن الصفقة تمت بين يدي «عيد المساخر»، الذي هو من أهم الأعياد اليهودية، فقد ألف منتقدو الصفقة عنواناً لها ينطوي على طرافة لا تخلو من لؤم، والغرض منه بالتأكيد حرمان نتنياهو من الاستمتاع بإنجازه وهو على أبواب انتخابات غير مضمونة بالنسبة له، ذلك أن الرجل سوّق لما فعل على أنه ثمرة صداقته الشخصية القوية مع الرئيس بوتين فأعاد فتاة إسرائيلية إلى أحضان أهلها، ثم ماذا يعني في مجال الصراع مع سوريا إطلاق سراح راعيين دخلا سعياً وراء الكلأ في أرض الجولان، مع أنهما قُدّما أول الأمر على أنهما رجلا استخبارات يتخفيان بمظهر الرعاة؟
كان يمكن لنتنياهو أن يحصد عشرات الأصوات أو المئات لو «ظل الطابق مستوراً»؛ أي لو لم يسرب أحد المطلعين على خبايا الصفقة ذلك البند السري الذي قلب الأمر رأساً على عقب، وأدى إلى أن يحصل نتنياهو على ملف رابع يضاف إلى الملفات الثلاثة التي تجري محاكمته بها. والرابع؛ وإن لم يجد سبيله إلى القضاء، قد وجد انتشاراً واسعاً في أوساط الرأي العام، وعنوانه، ويا له من عنوان مشوّق ومثير يمكن أن يوصف بـ«عنوان الموسم»، هو: «نتنياهو يزود الممانعة بلقاح المناعة».
تعرض الرجل الحاذق؛ الذي يوصف بـ«الساحر»، لإحراج مزدوج، وجهه الأول أنه زود الخصم بلقاح سيتعاطاه من يعملون على أطقم المضادات الأرضية التي تطلق الصواريخ على الطائرات الإسرائيلية المغيرة، فإن لم تسقطها تشوش عليها، وهذا اتهام وجهه الجنرالات المتعاطفون مع غانتس على قلتهم.
أما الوجه الثاني للإحراج، فهو أن نتنياهو الحاذق اضطر للكذب وليس ببراعة؛ بل بسذاجة هذه المرة، فأنكر أنه زود سوريا باللقاح، إلا إنه لم ينكر أنه دفع ثمنه، بينما قام بوتين بإرساله للسوريين، وكأن الأمر مجرد صفقة تجارية كان بوتين الوسيط فيها، ونتنياهو دافع الثمن، والزبون السوري قبض اللقاح.
في زمن «كورونا» كل شيء جائز، وكل ما كان محرماً صار مباحاً؛ بما في ذلك «أن يزود نتنياهو دولة الممانعة بلقاح المناعة»، ولا يضر نتنياهو أن يقدم نفسه هذه المرة على أنه «الأم تيريزا» بعد أن وصف الحكاية من أولها إلى آخرها على أنها «محض إنسانية».

 

 

 

 

الكاتب: نبيل عمرو – المصدر: الشرق الاوسط