لماذا رفضت إسرائيل اتفاق خفض التصعيد في جنوب سوريا

23

وصّل الرئيسان الروسي والأميركي في قمة أولى جمعتهما في هامبورغ على هامش اجتماعات الاقتصادات العشرين الكبرى في العالم في السابع من تموز/ يوليو الماضي، إلى اتفاق لخفض التصعيد في جنوب غرب سوريا، شمل محافظتي درعا والقنيطرة، والبدء بتنفيذه في التاسع من الشهر نفسه. 

وجاء هذا الاتفاق بعد سلسلة طويلة من الاتصالات والاجتماعات بين مسؤولين وخبراء روس وأميركيين شارك في جزء منها مسؤولون إسرائيليون وأردنيون. وفي النصف الثاني من تموز/ يوليو الماضي نشرت روسيا مئات من عناصر شرطتها العسكرية في محافظات درعا والقنيطرة والسويداء على خطوط التماس بين طرفي الصراع، وأقامت عدداً من المراكز العسكرية في هذه المناطق رفعت عليها العلم الروسي، وأبعدت في الوقت نفسه القوات الإيرانية والمليشيات التابعة لها نحو أربعين كيلومتراً عن خط الحدود مع الجولان المحتل ومع الأردن.

وعلى الرغم من إبعاده القوات الإيرانية والمليشيات التابعة لها عن خط الحدود السورية مع إسرائيل والأردن، وهو ما كانت تطالب به إسرائيل في السنوات الأخيرة، فإن إسرائيل عارضت الاتفاق كالعادة، وانتقده بشدة رئيس حكومتها ومسؤولون إسرائيليون آخرون، تحت ذريعة أنه لا يستجيب لمتطلبات الأمن الإسرائيلية. وهي المتطلبات التي لا يستجاب لها أبداً بحكم تعريفها. فما هو كنه الموقف الإسرائيلي من هذا الاتفاق؟ وما خلفياته؟ وما أسباب تحفظ إسرائيل الشديد منه ومعارضتها له؟

الموقف الإسرائيلي من اتفاق خفض التصعيد
تبنت إسرائيل منذ بداية الثورة في سوريا سنة 2011، والتي حولها النظام السوري إلى حرب أهلية، إستراتيجية إطالة أمد الحرب وإضعاف سوريا والدعوة إلى تقسيمها على أسس طائفية وعرقية ومناطقية. وعلى الرغم من إعلان إسرائيل المستمر أنها لن تتدخل في هذه الحرب، فإنها أقامت قنوات اتصال مع بعض الفصائل الناشطة في الشريط الحدودي المحاذي للجولان السوري الذي تحتله إسرائيل من ناحية، ووضعت من ناحية أخرى خطوطاً حمراء للنظام السوري شملت منع استخدام الأراضي السورية لنقل أسلحة متطورة إلى حزب الله في لبنان، ومنع دخول قوات عسكرية إيرانية والمليشيات المرتبطة بها إلى المنطقة المحاذية للجولان السوري المحتل. وشنت إسرائيل منذ كانون الثاني/ يناير 2012 وحتى اليوم عشرات الغارات على مواقع مختلفة في سوريا كلما رأت أنه جرى اختراق خطوطها الحمراء، وكان آخرها في النصف الثاني من تموز/ يوليو الماضي، أي بعد اتفاق هامبورغ.

كما سعت إسرائيل في السنوات الأخيرة إلى استغلال الحرب في سوريا لتحقيق هدفين أساسيين، وهما الحصول على شرعية دولية لضمها هضبة الجولان السورية التي تحتلها منذ سنة 1967، وإقامة منطقة عازلة في الجانب السوري المحاذي لهضبة الجولان بعمق عشرات الكيلومترات لتكون منزوعة السلاح وتحت النفوذ الإسرائيلي.

وقد طالب بنيامين نتنياهو في اتصالاته التي أجراها مع الإدارة الأميركية وروسيا ودول أخرى منذ آذار/ مارس 2017 بإقامة منطقة عازلة جنوب سوريا على طول الحدود مع الجولان السوري المحتل، وأيضاً على طول الحدود السورية – الأردنية، تكون خالية من القوات العسكرية، ولا سيما الإيرانية والمليشيات التابعة لها. وفي هذا السياق، أجرت إسرائيل منذ آذار/ مارس الماضي سلسلة من الاتصالات والاجتماعات مع أركان إدارة دونالد ترامب والقيادة الروسية لتحقيق هذا الغرض. وطالب المسؤولون الإسرائيليون في الاجتماعات التي عقدوها في آذار/ مارس 2017 مع مبعوثي الإدارة الأميركية مايكل راتني وبريت ماكغورك ومسؤولين أميركيين آخرين بفصل المداولات بشأن خفض التصعيد في منطقة جنوب سوريا عن المفاوضات التي تجري في أستانا في كازاخستان، واستبعاد إيران وتركيا من المفاوضات بشأن خفض التصعيد في جنوب سوريا، وإبعاد القوات الإيرانية والمليشيات التابعة لها من المنطقة. وشدد المسؤولون الإسرائيليون خلال هذه الاجتماعات على معارضة إسرائيل قيام روسيا بالإشراف على خفض التصعيد والمحافظة على وقف إطلاق النار في جنوب سوريا، وطالبوا أن تقوم الولايات المتحدة بهذا الدور بدلاً من روسيا.

ومع اقتراب التوصل إلى اتفاق بين روسيا والولايات المتحدة، تكثفت الاتصالات والاجتماعات بين المسؤولين الإسرائيليين ونظرائهم الأميركيين والروس. وعقد مسؤولون أمنيون وسياسيون إسرائيليون وأميركيون عدة اجتماعات سرية في بداية تموز/ يوليو الماضي في العاصمة الأردنية عمان، وفي عاصمة أوروبية أخرى، حضرها كبارُ القادة في الجيش الإسرائيلي والموساد، ومسؤولون بارزون في وزارتي الدفاع والخارجية، بينما رأس الوفد الأميركي كل من مايكل راتني وبريت ماكغورك. كما عُقد اجتماع آخر في العاصمة الأردنية شارك فيه ممثلون عن إسرائيل والولايات المتحدة والأردن. وتمسكت إسرائيل في هذه الاجتماعات بمعارضتها الوجود العسكري الروسي في جنوب سوريا، وإشراف روسيا على تطبيق خفض التصعيد في هذه المنطقة، وأضافت مطلباً جديداً، لم تكن تطرحه سابقاً، وهو أن يشمل الاتفاق إنهاء الوجود العسكري الإيراني برمته من مجمل الأراضي السورية، وليس فقط إبعاد القوات الإيرانية والمليشيات التابعة لها من جنوب غرب سوريا.

أسباب المعارضة الإسرائيلية لاتفاق خفض التصعيد
عند الإعلان عن التوصل إلى الاتفاق بين روسيا والولايات المتحدة، قام القادة الإسرائيليون بانتقاده، وازداد هذا الانتقاد حدةً بعد حصولهم على مسودة الاتفاق في منتصف تموز/ يوليو الماضي، مدّعين أنه اتفاق سيء جداً لأنه لم يأخذ في الحسبان مصالح إسرائيل الأمنية، ويخلق وضعاً مقلقاً في جنوب سوريا. وتصاعدت الانتقادات الإسرائيلية لهذا الاتفاق مع بدء روسيا نشر عناصر شرطتها العسكرية في مناطق مختلفة من محافظات درعا والقنيطرة والسويداء، علماً بأن وزارة الدفاع الروسية كانت قد أخبرت إسرائيل مسبقاً بنشر قواتها في جنوب سوريا، وأنها ستبقى بعيدة مسافة 13 كيلومتراً عن خط الحدود بين سوريا والجولان السوري المحتل. وفي هذه الأجواء، وقبل اجتماع مجلس الوزراء الأمني السياسي الإسرائيلي المصغر “الكابينت” لبحث هذا الاتفاق، قام بنيامين نتنياهو ووزير الأمن أفيغدور ليبرمان بتفقد القوات الإسرائيلية المتمركزة في الجولان السوري المحتل، وأعلن نتنياهو من هناك أن الواقع في جنوب سوريا يتغير بسرعة وأن قوات تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” تتضاءل، وادعى أن إيران وحزب الله يحاولان ملء الفراغ، متجاهلاً أن هذه القوات قد جرى إبعادها وفق الاتفاق الروسي – الأميركي نحو أربعين كيلومتراً عن خط الحدود مع الجولان المحتل.

وفي الثلاثين من تموز/ يوليو الماضي عقد الكابينت اجتماعاً خُصص للبحث في الاتفاق الروسي – الأميركي استمر أربع ساعات. وشارك في هذا الاجتماع رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي ورئيس الموساد وكبار جنرالات الجيش الإسرائيلي وموظفو وزارتي الدفاع والخارجية. وجرى التأكيد فيه على أن هذا الاتفاق هو اتفاق أولي، وأن روسيا والولايات المتحدة لم تتفقا بعد على جميع التفاصيل. وتبين في هذا الاجتماع أن الدافع الأساسي وراء معارضة إسرائيل للاتفاق كان الوجود العسكري الروسي المنفرد في جنوب سوريا وإشراف روسيا على تنفيذ هذا الاتفاق.

وقد ازداد القلق الإسرائيلي مع ورود أنباء عن تفاهم محتمل جرى التوصل إليه بين الولايات المتحدة وروسيا لتقاسم النفوذ في سوريا، بحيث يكون غرب سوريا وجنوبها الغربي تحت سيطرة روسيا مقابل سيطرة الولايات المتحدة على المناطق السورية الواقعة شرقي الفرات وحتى الحدود السورية – العراقية. ومع أن هذا التفاهم، في حال تأكد حصوله، يقطع التواصل البري بين إيران وسوريا عبر العراق، فإنه يكرس النفوذ الروسي في جنوب غرب سوريا. وبالفعل، فقد شرعت روسيا في زيادة وجودها العسكري في هذه المنطقة، واتخذت جملةً من الخطوات من بينها إقامة قاعدتين عسكريتين في الصنمين وموثبين شمال درعا، رفعت عليهما العلم الروسي، كما أقام الجيش الروسي غرفة عمليات رئيسة له في الصنمين للإشراف على تنفيذ اتفاق هامبورغ.

وتخشى إسرائيل من أن تطوّر روسيا وجودها العسكري في جنوب سوريا من مجرد الإشراف على تنفيذ الاتفاق إلى وجود دائم يشمل إقامة قاعدة عسكرية جوية لسلاح الجو الروسي في مطار الثعلة الواقع شرقي مدينة درعا والمتاخم لمحافظة السويداء؛ ما يعني أن روسيا قد تستقدم إلى هذا المطار منظومات صواريخ إس 300 وإس 400 كتلك التي نشرتها في مطار حميميم في شمال غرب سوريا والتي حولتها روسيا إلى قاعدة عسكرية جوية كبيرة. وفي حال فعلت روسيا ذلك، فسوف تستقدم على الأرجح قوات عسكرية برية للدفاع عن المطار الذي لا يبعد سوى 55 كيلومتراً عن الحدود السورية مع الجولان المحتل؛ ما سيحدّ، في حال حصوله، من قدرة إسرائيل على الاستمرار في استباحة الأجواء والأراضي السورية، وشن اعتداءات على سوريا كلما رأت أن خطوطها الحمراء قد اخترقت.

الخاتمة
تعارض إسرائيل اتفاق خفض التصعيد الذي توصلت إليه روسيا والولايات المتحدة بشأن جنوب سوريا لأنها ترى أنه يتناقض مع إستراتيجيتها الأمنية والعسكرية تجاه الصراع الدائر في سوريا. فقد يمهد هذا الاتفاق إلى انهاء الحرب في سوريا وهو ما لا ترغب فيه إسرائيل. والأهم من ذلك، أنها تعتبر الاتفاق تهميشاً لمطلبها أن تكون المنطقة السورية المحاذية للجولان السوري المحتل منطقة عازلة تحت النفوذ الإسرائيلي. ومع أن هذا الاتفاق يبعد القوات الإيرانية والمليشيات التابعة لها عن الحدود السورية – الإسرائيلية، فإنه في الوقت نفسه يعزز من الوجود العسكري الروسي في جنوب سوريا، ويحدّ من حرية الحركة لدى إسرائيل، وإن كنا نشك أنه يحدّ من حركتها الجوية، والتي كانت حتى الآن منسقة مع غرفة العمليات الروسية التي تبدي “تفهماً” لاعتبارات “أمن إسرائيل”.   

المصدر: المدن