لمى قنوت: المشهد في سوريا سيبقى قاتما ولأجل طويل

39

يجمع السياسيون السوريون ومختلف أجسام المعارضة على أن الحل في سورية  يجب أن يمرّ عبر القرارات الأممية المعلنة، وأن غير ذلك هراء لن يوصل البلاد إلى برّ الأمان.. تلك التدابير المتّخذة  لم يقتنع النظام بأهمية تنفيذها حيث يواصل عمله في مناطق سيطرته وكأن سورية موحّدة آمنة بلا تدخلات أجنبية مرهقة ولا صراعات داخلية!

وترى لمى قنوت، الناشطة النسوية والسياسية المعارضة، في حوار مع المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن كل المؤشرات بسورية تدلّ على أن الوضع لا يزال قاتماً ولن تنفرج الأوضاع في سورية قريباً، لافتة إلى أن الحل السياسي كما ورد في القرارات الأممية قد يضع سورية في بداية طريق الحل.

 

س-بعد المصادقة على  تواصل ضخّ المساعدات الإنسانية عبر معبر “باب الهوى” الوحيد المتبقي ،هل  أصبح مجلس الأمن يتحكم في قضية إدخال المساعدات، ويخضع لتسييسها عبر الفيتو الروسي الذي استخدم بالفعل ثلاث مرات؟

ج-بدايةً، لقد أكد قرار مجلس الأمن رقم 2139 الصادر في 22 شباط 2014 على أهمية قيام جميع الأطراف بالتيسير الفوري لوصول المساعدات الإنسانية، ثم نص قرار مجلس الأمن 2165 المؤرخ في 14 تموز/يوليو 2014، في البند الثاني منه، على منح الوكالات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة وشركائها المنفذين الإذن باستخدام الطرق عبر خطوط النزاع والمعابر الحدودية باب السلام وباب الهوى واليعربية والرمثا، إضافة إلى المعابر التي تستخدمها بالفعل من أجل ضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى الأشخاص المحتاجين في سائر أنحاء سورية من خلال أقصر الطرق، وأكد النص ذاته، على أهمية استخدام جميع المعابر الحدودية، وبذلك أصبح مجلس الأمن يتحكم في قضية إدخال المساعدات، ويخضع لتسييسها عبر الفيتو الروسي الذي استخدم بالفعل ثلاث مرات.

ويصر الروس على إدخال المساعدات عبر النظام السوري الذي يحجب وبشكل تعسفي وغير مبرر الموافقة على عمليات الإغاثة، ويعرقل المساعدات الإنسانية، فمثلاً، تشير الاحصائيات إلى أنه عرقل 80% من طلبات الأمم المتحدة للوصول الإنساني عبر خطوط التماس.في العام الماضي، ولم يتبقّ حالياً سوى معبر واحد، وهو معبر باب الهوى، الذي وافق مجلس الأمن على تمديد العمل به مؤخراً ولمدة ستة أشهر (حتى 10 كانون الثاني 2022) دون تصويت.. وحتى لا يبقى التهديد بالفيتو الروسي قائما، يجب إيجاد آلية أخرى مناسبة لوصول المساعدات المنقذة للحياة.

س- تسييس ملف المساعدات الإنسانية من يتحمّل مسؤوليته؟

ج-النظام والروس أولاً وبعض الأطراف الدولية الأخرى وبعض قوى الأمر الواقع،في حين يجب أن تكون المساعدات الإنسانية حيادية لجميع المحتاجين والمحتاجات.

 

س- في ظل الرفض العام السوري لاستمرار النظام ولبعض أطياف المعارضة المسلحة التي تملك أذرعاً عسكرية والتي فقدت ثقة الشعب  بها، يقول  سياسيون إن تشكيل  مجلس عسكري على أسس القرارات الأممية بات اليوم ضرورة لإنهاء الصراع المستمر وحالة الانقسام العام فيما يرى آخرون أن هذا المجلس هو تأسيس لحكم عسكري استبدادي جاءت الثورة للقضاء عليه.. مع من تتفقين وأين الحلّ برأيك؟

ج-لاشك في أن تسلسل الحل السياسي كما ورد في القرارات الأممية قد يضع سورية في بداية طريق الحل، أي تشكيل هيئة حكم انتقالية، وقد يُناط بها تشكيل لجنة عسكرية لضبط الأمن وإعادة التسريح والتأهيل والإدماج،أي أن تبعيتها، بالضرورة، لهيئة الحكم الانتقالية.

في واقع الحال، إن طرح تأسيس مجلس عسكري لم تقم بتبنّيه أي دولة من الدول المؤثرة في القضية السورية.

س-دعا المبعوث الأممي الخاصة إلى سورية، غير بيدرسون إلى إجراء محادثات دولية جديدة بشأن سورية تشمل خطوات ملموسة مثل:تبادل الاسرى ووقف إطلاق النار بين نظام الاسد والمعارضة على مستوى البلاد باعتبارها خطوات أولية تعطي دفعا لحلّ سياسي وفق قوله، هل ترين إن هذه الخطوات قادرة على تحقيق أرضية مشتركة بين الأطراف المتحاربة ومن شأنها ان تعزز الاستقرار الداخلي والإقليمي في ظل هذا الوضع الصعب؟

ج-الكلمة الأدق هي: معتقلون/ات ومختفون/ات قسرياً، لا أسرى.

-منذ بداية المباحثات الدبلوماسية في عام 2012 والمعارضة تطالب، كأحد إجراءات بناء الثقة،بإطلاق سراح المعتقلين/ات والكشف عن مصير المختفين قسرياً، نساءً ورجالاً وأطفالاً وطفلات،باعتبارها قضية غير تفاوضية، ويجب أن لا تخضع للمساومة والابتزاز. وبمراجعة تقارير لجنة التحقيق الدولية وتقارير المنظمات الحقوقية الدولية والسورية، يستطيع أي فرد أن يدرك الأهمية القصوى لهذه القضية وآثارها الكارثية، وحجم التعذيب الوحشي والقتل تحت التعذيب والمعاملة القاسية واللاإنسانية في المعتقلات السورية ومراكز الاحتجاز الرسمية وغير الرسمية،وأضحت منذ زمن تجارةً رابحة، يبتز فيها أفراد من السلطة أو ومقربون منها أُسَر الضحايا.. نعم وقف إطلاق النار و إطلاق سراح المعتقلين والمعتقلات والكشف عن مصير المختفين قسرياً مدخلان مهمان لمفاوضات جدية بين المعارضة والنظام برعاية أممية.

 

س-لما تأخر إطلاق الحوار الأمريكي –الروسي باعتبار أن الحلّ في سورية لن يمرّ إلا عبر هذا التوافق بين القوتين العظميين، ومن وراء تأخيره برأيك؟

ج-إن أولوية القضايا بالنسبة للإدارة الأميركية في المنطقة هي الملف النووي الإيراني، وقد حصرت الإدارة أهدافها في سورية بثلاثة أهداف: الأول، إيصال المساعدات عبر الحدود، والثاني، القضاء على داعش، أما الثالث فهو استمرار تنفيذ وقف إطلاق النار، بينما تعمل روسيا على ترجمة نصرها العسكري إلى نصر سياسي، بتعويم الأسد، والسعي إلى إنهاء ملف العقوبات، وحث المجتمع الدولي على دعم إعادة الإعمار وعوة بعض اللاجئين/ات.. لا توجد مؤشرات تُنبئ بانتقال سياسي حقيقي، وتشكيل هيئة حكم انتقالية وفق مرجعية القرارات الأممية، بل ربما سيكون مؤشر التوافق بين الجانبين الأمريكي والروسي المتعلق بتمديد القرار الدولي لإيصال المساعدات الإنسانية توجهاً لمقاربة أميركية تقترب من التسوية التي يسعى إلبها الروس، ومن المؤكد أن تسوية كهذه- أي تسوية لا تعالج جذور الصراع- تعني تطبيعاً مع جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.

س-لا وجود لإرادة سياسية حقيقية وضغط أكبر من قبل المجتمع الدولي على “الجانب الروسي، والإيراني، والنظام”، من أجل تحقيق تقدم في الملف السياسي، خاصة وأن الروس يتحركون حين يتحسسون أي فراغ سياسي في الملف السوري..هل تتفقين مع هذا الرأي، وكيف يمكن تكاتف الجهود الدولية للدفع نحو تفعيل قرارات مجلس الأمن؟

ج-كما أسلفت في ردي على سؤالك السابق، لقد تراجع الاهتمام الدولي بالقضية السورية، وحُرف مسار تسلسل الحل السياسي وفق القرارات الأممية،بتجاوز الانتقال السياسي وإنشاء هيئة حكم انتقالية، وتم المضي بتنفيذ أبرز مخرجات “مؤتمر الحوار الوطني السوري” والمعروف بمؤتمر سوتشي الذي عقد في كانون الثاني 2018، وهو تشكيل “اللجنة الدستورية” كعملية سياسية، وقد شهدنا فشل هذا المسار. ولا بد من دعم العودة إلى التسلسل الزمني للحل السياسي، كمقدمة لتفكيك الاستبداد المزمن في سورية، ومحاسبة مجرمي الحرب عبر عدالة انتقالية تحولية، تنهي ثقافة الإفلات من العقاب، وتمهد الأرضية لإرساء دولة المواطنة وسيادة القانون والالتزام بحقوق الإنسان.

س- بعد الهجوم الصاروخي في 12 حزيران الذي استهدف مستشفى الشفاء في عفرين شمالي سورية بالإضافة إلى غارات جوية وقصف لجنوبي إدلب فضلا عن الضربات الاسرائيلية والهجمات من قبل الجماعات الارهابية، هل هناك تخوف من مزيد التصعيد خاصة أن مؤشرات كثيرة تشير إلى ذلك، في وقت لا يزال فيه الهدوء النسبي في سورية هشاً؟

ج-نعم، التصعيد وارد قبل أي اجتماع أو اتفاق أو صفقة بين الأطراف المتعددة، وعملياً لا يوجد وقف حقيقي لإطلاق النار، ومؤخراً شهدنا قصفاً مدفعياً من قبل النظام السوري على قرية في جبل الزاوية في ريف إدلب الجنوبي.

س-يقول محللون إنّ هناك مؤشرات مقلقة تدل على أن تنظيم الدولة يزداد قوة، نظراً إلى زيادة وتيرة هجماته الأخيرة ومدى انتشارها.. كيف  يمكن للاعبين الدوليين الرئيسيين التنسيق لركل تقدم هذا التنظيم  في مناطق  تمركزه بسورية ؟

ج-لا يمكن للحلول العسكرية وحدها أن تقضي على التنظيم، فالمناطق التي سيطر عليها التنظيم سابقاً مازال الجزء الأكبر منها مدمراً، والأطفال والطفلات خارج المدارس، والحلول السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية والتنموية التي تؤمّن السلام والاستقرار والأمن غير متوفرة،الأمر الذي يرسخ المظالم ويُسهل التجنيد.

-أخيرا- هل من حلّ في الأفق برغم هذا القتامة ؟

ج-من المؤسف أن أقول بأن المشهد سيبقى قاتماً ولأجل طويل.