ليطبق المالكي نصيحته للأسد!

13

43366747s420112516425

بدأت المواقع الإعلامية وشبكات التواصل الاجتماعي المرتبطة بالثورة السورية تتحدث عن صراع حول رئاسة الائتلاف، وتقدم نظريات حول حظوظ الأقطاب داخل «الائتلاف» في تسلم الرئاسة. ولأن النظام الأساسي في حصر عدد الولايات لرئيس «الائتلاف» باثنتين فإن ثمة حاجة للبحث عن قيادة جديدة. الفترة السابقة تميزت بصراع داخلي شديد بين أعضاء «الائتلاف» تحول إلى استقطاب كبير وممزق حول قطبين انقسم معظم الأعضاء حولهما نظراً لعلاقاتهما المتميزة بدولتين متنافستين في دعم «الائتلاف». هذا الصراع أثر في القدرة على العمل المنسجم الفعال وأخّر تشكيل حكومة موقتة لإدارة المناطق المحررة مدة ثمانية أشهر، وفتح الباب على مصراعيه لتنظيم «داعش» لينتشر في الشمال السوري ويملأ فراغ السلطة هناك.

 

 

البحث عن قيادة جديدة يثير أسئلة عديدة حول فهم أعضاء «الائتلاف» معنى القيادة، ومعنى آخر لا يقل عنه أهمية على رغم غياب الوعي بأولويته، ألا وهو مفهوم الإتباع. فلا قيادة من دون إتباع ولا قادة من دون أتباع. هذا هو المنطق الصحيح للأشياء، ولكن محاولات الدخول في حوار حول مفهوم الإتباع والأتباع داخل دوائر الناشطين السياسيين والثوريين أظهرت أن ثمة تعاطياً مبسطاً، وربما ساذجاً، مع هذا المفهوم المهم. بل يمكن القول إن كثيراً من الناشطين السوريين داخل «الائتلاف» وخارجه يقفون موقفاً سلبياً منه، ويعتبرون الإتباع نقيصة لا تليق بهم وبقاماتهم العليّة.

 

 

هذا العداء لمفهوم الإتباع ومسالكه قد يكون مبرراً في سياق حكم استبدادي وزعامات وصولية تبحث عن أتباع يبيعون ضمائرهم لقاء دراهم معدودة يتقاضونها من قادتهم لتفيذ مهمات تتعارض مع مبادئ الحق والعدل واحترام كرامة الإنسان. ولكنه يتحول بالتأكيد إلى مثلب كبير في سياق ثورة يتوقف نجاح أي قيادة سياسية أو ثورية على وجود إرادة الإتباع والانضباط بالقرارات المتخذة وفق قواعد الشرعية وآليات الإجراءات المعتمدة لاتخاذ القرار. فمن دون شعور أخلاقي عميق بأهمية إتباع القرارات المتخذة وتنفيذها ضمن تراتب إداري أو عسكري تتحول منظمات المعارضة من مؤسسات ذات هيكلية أخلاقية وقانونية متناغمة إلى تكتلات وتحركات شللية ضعيفة الأداء مشلولة الحركة.

 

 

التنظيمات السياسية تحتاج إلى قيادة قديرة للنجاح. ولكن ما هي القيادة القديرة ومن يحددها؟ يمكن الحديث عن العديد من المعايير للبحث عن تلك القيادة، بيد أن المعيار النهائي والحقيقي هو اختيار الأفراد قادتهم وفق آليات انتخاب حرة ونزيهة. في مجتمع الأحرار الذي يتساوى فيه الناس بالكرامة فإن قواعد الاختيار المناسبة هي انتخاب القيادي الأفضل الذي يمتلك القدرة ويلتزم الأهداف المشتركة. الهروب من اختيار الأفضل بين المتنافسين رغبة من بعض أصحاب الحظوة في قيادة المنظمة السياسية من الخلف، أو طمعاً في علاقات خاصة مع أحد المرشحين للقيادة، يؤدي بالضرورة إلى إفشال العملية الانتخابية ويفتح العمل السياسي على أبواب قاتلة من سوء استخدام السلطة والتنازع الداخلي الذي لا يقود عادة إلا إلى الفشل.

 

 

قدرة القيادة بعد اختيارها على تحقيق أهداف المنظمة السياسية التي تقودها تتوقف على وجود اتباع مستعدين لتنفيذ السياسات التي تقررها القيادة وفق آليات التشاور والقرار المعتمدة. فالقيادة المقتدرة بحاجة إلى أتباع يقفون خلفها ويقدمون لها النصح بالقول والعمل من دون أن ينافسوها ويكيدوا لها المكائد. وهذا يتطلب الالتزام بالقرار طالما صدر عن قيادة تلتزم قواعد الاختيار والقرار المعتمدة في مؤسسات الثورة. الثورة تحتاج إلى أتباع يقفون خلف القيادة بصدق والتزام، ولو اعتقدوا أنهم أكثر كفاءة منها، الى أن يتم استبدالها وفق القواعد التنظيمية المعتمدة.

 

 

القيادة بلا أتباع صادقين ومخلصين قيادة فاشلة مهما كانت قدرات القائد ومهاراته. الإتّباع هو الأساس في نجاح القيادة وعندما يتلكأ الأتباع عن العمل بإخلاص لتنفيذ القرارات والاستراتيجيات الصادرة عن القيادة، ويعتقدون أن عليهم إفشالها لزيادة فرصهم في الوصول إلى موقع القيادة، فإن الفشل يكون نصيب الجميع دون استثناء. فالأتباع الملتزمون قيادتهم قادرون على تمكين قائد محدود من الانتصار على قائد متميز يفتقد الأتباع المخلصين.

 

 

الاتباع ليس نقيض الحرية بل هو جوهرها، لأن الإتباع خيار أخلاقي وقرار عقلي ينبع من الإحساس بأن الحفاظ على تماسك المنظمة والمجتمع السياسي لا يتم إلا من خلال القبول بالقيادة التي اختيرت ضمن قواعد عادلة وإجراءات نزيهة. فالحرية الحقيقية لا يمكن أن تتحصل بالتخلص من كل الالتزامات الأخلاقية بل بخضوع جميع الأحرار المشتركين بهدف واحد لها. وعندما يختار احدنا العمل في مؤسسة عامة فلا مناص من الإتباع لمن يحرص على تجاوز الخضوع للاستبداد او السقوط في الفوضى. لا بد من قبول القرار بعد إشباع الاقتراح الذي تحول إلى قرار نقاشاً وتفنيده ثم اتخاذه وفق الإجراءات المعتمدة في المؤسسة صاحبة القرار. فأسوأ الممارسات السياسية تتجلى في الصمت عند تداول الرأي والتنازع بعد الوصول إلى قرار.

 

 

الإتباع فعل الأحرار للحفاظ على العمل التنظيمي واحترام أسسه، لا فعل الأزلام المستلبين الذي يمثل تبعية إنسان مستلب الإرادة لآخر يتحكم فيه من دون احترام كرامته. الإّتباع حاجة سياسية وضرورة تنظيمية وإلا تحول الجميع الى شركاء متشاكسين في القيادة كما هي حالة الغالبية السورية منذ عقود. خالد بن الوليد لم يرَ في قتاله تحت إمرة شاب صغير قليل الخبرة العسكرية تحقيراً لشأنه بل رأى إتباعه لمن هو أقل منه خبرة ومهارة واجباً وضرورة أخلاقية بعد صدور الأمر واتخاذ القرار. الذي لا يجيد الإتباع لا يجيد القيادة.

 

 

 

 

 

لؤي صافي