مأساة المعارضة السورية «الأليفة» في موسكو

20

يطرح لقاء موسكو لـ«بعض المعارضة» السورية مع «بعض النظام» مآزق عديدة تسائل مغزاه والمطلوب منه في ظلّ علوّ كفّة النظام المستدفئ تحت المظلة الروسية الراعية للمفاوضات، مقارنة بضعف تلك المعارضة من حيث وزنها السياسي أو مصداقيتها أو تأثيرها على مجريات الواقع السوري، كما تسائل قدرة المشاركين فيه على تمثيل من يدّعون تمثيلهم وبالتالي إمكانية اتخاذهم قرارات من أي نوع كان.
عدم التوازن أدّى بالضرورة إلى سير هذا اللقاء باتجاه واحد: مناشدات ومطالبات وبيانات من طرف «المعارضة»، يقابله استهزاء واستعراض وعجرفة من طرف النظام.
كان اللقاء مناسبة أيضاً لمساءلة الفكرة الخرافية التي لا تكفّ أنظمة ومؤسسات دولية وقوى كبيرة وصغيرة و«بين بين» عن ترديدها حول ضرورة «الحلّ السياسي» عبر المفاوضات بين متحاربين، فتحضر في الذهن مباشرة إسرائيل المدججة بالأسلحة النووية والتقنيات العالية والمال والنفوذ الخارجيّ الرهيب وهي تلحّ في مطالبة الفلسطينيين المستوطنة أراضيهم والمحتلة سيادتهم والمحجور على أموالهم ومطاراتهم وموانئهم بـ«الحوار» والمفاوضات للوصول إلى حل سياسي.
ويمكن دون كبير عناء اعتبار النظام السوري من أكثر الجهات في العالم استنكاراً لأي حلّ «سياسي» لا يقوم على الإبادة النهائية للخصم وخضوعه غير المشروط للعسف والقمع والاضطهاد، ولذلك فإن ممارسته «المفاوضات»، كما رأيناها في جنيف 1 و2، وكذلك في موسكو 1 و2 لا تخرج عن إطار تكرار بنود الاستسلام غير المشروط على مفاوضيها من الطرف الآخر.
المشاركون في موسكو مثّلوا طيفاً يضمً أفراداً من «المعارضة الأليفة» مثل «الجبهة الوطنية للتغيير» التي يرأسها رجل الأعمال الكرديّ قدري جميل (الذي شغل في حكومة النظام السابقة منصب نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية) والذي لا يمكن معرفة إلى أي طرف هو أقرب: النظام أم موسكو؛ مروراً بأصحاب «المنزلة بين المنزلتين» مثل حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (ممثل حزب العمال الكردستاني التركي في سوريا)، والذي قام ممثل النظام بشار الجعفري نفسه، بتقديم وثائق تثبت استلامه أسلحة وأموالاً من النظام؛ وصولاً إلى جهات أكثر ابتعاداً عن النظام ولكنّها تشكو من الشيخوخة و«ترقق العظام» السياسية وقلّة الحيلة والوزن على الأرض، كهيئة التنسيق الوطنية، إضافة إلى مستقلة تملك مصداقيات إعلامية أو مدنية، وهي من «البراءة» لدرجة التعبير عن رغبتها في نقل الحالة الفيزيائية لجبل النظام من حالة الصلابة إلى الليونة، من خلال «إقناعه» مثلاً بإطلاق معتقلين أو تسهيل ظروف سوريين محتاجين لتجديد جوازاتهم، أو ما يشبه ذلك من مطالب اعتقدوا أنها سهلة وممكنة التطبيق، وليس مطالب «تعجيزية» مثل إعادة ملايين النازحين أو وقف قصف المدن والقرى بالبراميل المتفجرة.
وكانت النتيجة أن رئيس وفد النظام، الذي تباهى بصورة يظهر فيها بزيّ عسكري، لم يقبل حتى استلام قائمة بأسماء 8884 معتقلا أو مفقوداً، رغم أن الطلب كان ليس إطلاقهم بل «كشف مصيرهم»!
أحد أعضاء وفد المعارضة قال إن «الجعفري أهانه في الوقت الذي كان فيه يتحدث معه بأدب، مخاطبا إياه بسيادة السفير، مبينا أنه حريص في كلامه دوما على ضرورة الحفاظ على الدولة والجيش السوري، والبحث عن آليات حتى الوصول إلى يوم يكافحون فيه تنظيم داعش سوية»، مشددا أنه «توقع أن يكون الجعفري أكثر تهذيبا».
وخلص عضو الوفد في حديثه إلى أنه «في حال لم يخرجوا بهذا الاجتماع – ولو بآلية زمنية – باتفاق على موضوع أو اثنين، فما جدوى اللقاء؟»، على حد وصفه.
والخلاصة أن المعارض المحترم توقّع بعض التهذيب مقابل تضامنه مع سرديّة النظام حول «الحفاظ على الدولة والجيش» و«محاربة داعش»، ولكنّ ردّ النظام كان الإهانة والغطرسة والسخرية منه.
إضافة إلى أن اللقاء كان فرصة جديدة للنظام لممارسة السخرية من فكرة معارضته عموماً وللإيقاع بين معارضيه، فقد كان مناسبة للراعي الروسي للتصريح أن المعارضة السورية والغرب صارا أكثر استعدادا لإجراء محادثات مع الأسد.
لقد كسبنا معارضة سورية مهذبة وخسرنا كل شيء آخر!

رأي القدس