«مؤتمر باريس»… إنها الحرب إذن… ولكن!

26

1814506cc3a5aee3dd645e49f951e962e580699

تزامنا مع انعقاد «مؤتمر باريس» للتحالف الدولي امس، أعلن وزير الدفاع الفرنسي، جان إيف لودريان من دولة الامارات، أن بلاده بدأت أولى الطلعات الاستكشافية فوق العراق انطلاقا من قاعدة الظفرة العسكرية (30 كلم جنوب غرب أبوظبي)، في إطار التحرك الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» او «داعش»، فيما توقعت مصادر في كواليس «مؤتمر باريس» ان الغارات الفعلية ستبدأ في العراق بداية الاسبوع المقبل. اندلعت الحرب بالفعل اذن، لكنها بداية مضطربة تثير من الاسئلة أكثر مما تقدم من اجابات، وتكاد تنذر بتعقيد الواقع المحلي في العراق، والاقليمي اكثر مما تعد بالقضاء على داعش. وهذه محاولة لقراءة المشهد الملتبس او السير في «حقل الألغام» الذي انعقد في وسطه مؤتمر باريس:
اولا: حسب تصريحات وزير الخارجية العراقي ابراهيم الجعفري فان المباحثات في مؤتمر باريس ركزت على مواجهة «داعش» في العراق فقط، ولم تتطرق الى شن غارات في سوريا، وهكذا تبقى الشكوك تكتنف امكانية تحقيق «استراتيجية اوباما» بخصوص هذا الجزء، خاصة بعد الاعتراضات القوية التي ابدتها روسيا وايران الى جانب دمشق، بل وبعض الدول العربية مثلمصر التي شددت على انها لا يمكن ان تشارك في اي جهد دولي (لم تقل تحالفا) لا يحظى بمظلة واضحة من الشرعية الدولية. فهل سيتراجع اوباما عن تعهداته ام انه سيحول «التحالف» الى «حلف امريكي» جديد يخاطر بتفجير المنطقة، ويدفعها الى المجهول.
ثانيا: امتنعت ايران عن المشاركة في مؤتمر باريس ووصف نائب وزير خارجيتها مؤتمر باريس بانه «مؤتمر استعراضي»، بينما اكد المرشد الاعلى ان طهران رفضت طلبين رسميين من واشنطن للانضمام الى «التحالف» الذي وصفه بـ «الاجوف» مشككا في اهدافه، ومعتبرا «ان أفضل وسيلة لمحاربة الارهاب هي دعم حكومتي بغداد ودمشق». وهكذا لا تخفي ايران أجندتها الرامية الى اعادة تأهيل نظام الاسد مقابل مساعدتها المهمة بل والحرجة في مواجهة داعش. ويبدو انها لن تتردد في عمل كل ما تستطيع ليتحول التدخل الامريكي الجديد الى «هزيمة جديدة»، خاصة ان اقدمت واشنطن على ضرب «داعش» في سوريا. وليس من المستغرب ان ترد طهران على قرار واشنطن وبعض الدول الخليجية بشأن دعم المعارضة السورية، بتعزيز مساعداتها العسكرية لنظام الاسد ما يعني المزيد من المجازر ما سيشكل ضغطا اضافيا على اوباما للمفاضلة بين خيارين كلاهما مر، اما التراجع او ارسال قوات برية وبالتالي الغرق في مستنقع الدم مجددا. وعلى اي حال فاننا مقبلون على تعميق للاستقطاب الاقليمي بما يعنيه ذلك من تصاعد في التوتر على جبهات اما مشتعلة بالفعل او تكاد.
ثالثا: فشل «مؤتمر باريس» في اعلان اجراءات محددة لتجفيف الينابيع المالية والفكرية والتنظيمية لـ «داعش»، على الرغم من حديث وزير الخارجية الامريكي جون كيري لدى زيارته القاهرة مؤخرا عن اهمية المواجهة الثقافية لـ «داعش»، وهو ما أكد عليه الامين العام للجامعة العربية ايضا. فهل من استعداد حقيقي لدى المراجع السنية الاساسية، وخاصة الازهر الشريف، وهيئة كبار العلماء في السعودية، وغيرهما، وقد ادانوا «داعش» بالفعل، ليقوموا بتجفيف منابع الفكر التكفيري لداعش وغيرها ام ان هذا الامر يصطدم بخطوط حمراء لايمكن تجاوزها لاسباب معقدة؟
رابعا: ما الضمانات الا تتحول الغارات الامريكية في المناطق السنية بالعراق الى مجازر جديدة، ما قد يؤدي الى تعزيز الحواضن الشعبية لـ «داعش» محليا واقليميا بدلا من اضعافها؟ وما الضمانات الا تستولي الميليشيات الشيعية العراقية، وهي الأقوى والأفضل تجهيزا على الاراضي التي ستتركها «داعش» ما سيؤدي الى اذكاء التوتر الطائفي وربما الدفع بالبلاد الى حرب اهلية؟ وما الضمانات ان يتخلى الاكراد عن المكاسب الكبيرة التي حققوها، وخصوصا في كركوك بعد ان حصلوا على اسلحة حديثة من المانيا وبريطانيا يفتقر اليها الجيش العراقي نفسه؟
خامسا- كيف ستتعامل الولايات المتحدة مع مطالب بعض اعضاء التحالف ومنهم فرنسا ومصر تحديدا ان تتوسع الحرب على الارهاب لتشمل جماعات تكفيرية وارهابية في ليبيا بشكل خاص، الى جانب جماعات محلية مشابهة في عدة دول عربية، بالاضافة الى جماعة «الاخوان» التي يصنفها البعض على انها «ارهابية»؟ فهل ترضخ واشنطن باعتبار انها تحتاج الى الدعم الحرج الذي يوفره اولئك الحلفاء؟ وما معنى ذلك بالنسبة للأوضاع الامنية في المنطقة؟ أم أن «التحالف» الذي ولد بقرار اتخذ بليل في واشنطن، وخرج الى النور في جدة، ثم اعلن الحرب عمليا من باريس، قد ينتهي بسرعة مفاجئة في العراق؟

رأي القدس