ما سر الخطوات السعودية نحو الأسد؟

51

تثير تقارير مرتبطة بشأن اتفاق سعودي مع نظام بشار الأسد، على إعادة فتح السفارات بعد انقطاع للعلاقات الدبلوماسية دام أكثر من عقد، أسئلة كثيرة حول الأسباب التي تدعو الرياض إلى مثل هذا التطبيع الذي من شأنه أن يعيد سوريا إلى الحضن العربي، في غياب أي تقدم حقيقي نحو حل سياسي.

وقالت الخارجية السعودية، الخميس، لقناة الإخبارية إن هناك مباحثات بين الرياض ودمشق لاستئناف تقديم الخدمات القنصلية.

ونقلت وكالة رويترز عن ثلاثة مصادر مطلعة أن سوريا والسعودية اتفقتا على معاودة فتح سفارتيهما، بعيد عيد الفطر المقبل. 

وجاء القرار نتيجة محادثات في السعودية مع مسؤول مخابرات سوري رفيع، بحسب أحد المصادر الإقليمية ودبلوماسي في الخليج.

ويرجح المحلل السياسي المقيم في دمشق، غسان يوسف، في حديثه مع موقع “الحرة”، أن يحدث هذا الأمر قريبا، وأن السعودية هي التي ستعيد سوريا إلى جامعة الدول العربية، مشيرا إلى أن تحسن العلاقات يعود إلى عام 2015 منذ دخول روسيا على خط الأزمة. 

وقال: “كانت هناك اتصالات سعودية روسية بهذا الصدد، ورأت السعودية أنه لم يعد هناك أي جدوى من دعم الجماعات المسلحة وتوقفت بالفعل عن ذلك في 2016، ثم بعدها بدأت اللقاءات الأمنية لكنها لم تعلن إلا في العامين الماضيين، حيث التقى مدير مخابرات النظام السوري، حسام لوقا، مدير المخابرات السعودية في القاهرة العام الماضي”. 

تأتي التقارير، بعد أيام قليلة من زيارة رئيس النظام السوري، بشار الأسد إلى الإمارات، بعد زيارة قام بها إلى روسيا. 

وخلال لقائه الأسد، أكد رئيس الإمارات، الشيخ محمد بن زايد، الأحد، ضرورة عودة دمشق “إلى محيطها العربي”، مضيفا أنّ “غياب سوريا عن أشقائها قد طال، وحان الوقت إلى عودتها إليهم، وإلى محيطها العربي”.

وقال الكاتب والمحلل السياسي السعودي، مبارك آل عاتي لموقع “الحرة”: “نحن على أعتاب القمة العربية التي ستعقد في الرياض، والسعودية مهتمة بإنجاح أي قمة تنعقد فيها ولذلك ستنتهج كل السبل الكفيلة بإنجاح هذه القمة من خلال إعادة ترتيب العلاقات العربية العربية”. 

ومن المتوقع عقد القمة العربية المقبلة في السعودية في أبريل المقبل. 

وكان رئيس النظام السوري زار سلطنة عمان الشهر الماضي. وهذان هما البلدان العربيان الوحيدان اللذان زارهما الأسد منذ اندلاع النزاع السوري في العام 2011.

وقادت الإمارات التي أعادت علاقاتها مع حكومة الأسد في 2018، جهود الإغاثة في أعقاب زلزال 6 فبراير الذي ضرب جنوب شرق تركيا وشمال سوريا. 

علاقة الاتفاق مع طهران

وإن كان للحديث عن إعادة السعودية للعلاقات مع سوريا، علاقة بالاتفاق السعودي مع طهران، قال آل عاتي: “التحركات مع دمشق بدأت قبيل توقيع الاتفاق السعودي الإيراني، لكنها بدأت تنمو وتكبر إلى أن وصلنا إلى هذه المرحلة من الاقتناع بعودة سوريا إلى المحيط العربي والدليل على ذلك الزيارة التي قام بها بشار الأسد إلى موسكو والتي انطلق منها إلى أبوظبي”. 

ويرى مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبد الرحمن، في حديثه مع موقع “الحرة” أن السعودية لديها مصلحتها الخاصة من التقارب مع نظام الأسد، “خاصة بعد النظر إلى موقف المعارضة التي أصبحت عبارة عن مئة فصيل”. 

وقال إن “هذا لا يعني أن السعودية مع بقاء نظام بشار الأسد كما هو، وإنما هي محاولة لتحجيم للدور الإيراني في الأراضي السورية”.

وأضاف أن “التواجد الإيراني امتد كالسرطان في كافة الأراضي السورية، لكن بدخول العنصر العربي للقاء مع النظام، إيران ستضعف”.  

لكن الباحث السوري المقيم في واشنطن، سمير التقي، يقول “إذا عادت سوريا للحضن العربي، في ظل وجود إيران في كافة مناطق سوريا، فلا أتصور أن هذه رغبة المملكة”. 

واعتبر أن “النظام السوري ليس في يديه أي شيء يعطيه للدول العربية، هو لا يستطيع أن يغير في الوضع الداخلي فيما يتعلق بالوجود الإيراني في الأراضي السوري، هذا أمر بعيد المنال جدا، والإيرانيون لن يخرجوا بمجرد قرار من النظام السوري الذي لا يستطيع أن يسيطر على المناطق التي يقول إنه يسيطر عليها”. 

“لتهدئة الأوضاع في المنطقة”

ويقول إن خطوة الرياض في التقارب مع نظام الأسد “محاولة عربية من أجل اكتساب نفوذ في بلاد الشام بشكل عام حتى ينعكس على العلاقات مع العراق أو لبنان، ومحاولة سعودية لتهدئة الأوضاع في المنطقة بكل الجهود الممكنة، وهذا نراه في تحركها فيما يتعلق بإيران أو قطر أو تركيا أو النظام السوري”. 

ويضيف: “هناك توقع أن المنطقة قد تدخل في مرحلة صعبة في الأشهر المقبلة وقد تتحول لبؤرة صراع إقليمي ودولي بين روسيا والصين والولايات المتحدة، حيث هناك انكسار للتوافقات السابقة في الإقليم”. 

ويوضح: “بالنسبة لسوريا، كانت هناك توافقات روسية إيرانية تركية، هذه التوافقات انكسرت تماما بعد التورط الروسي في أوكرانيا، فلم تعد موسكو قادرة على أن تمارس دور وسيط القوة من خلال طيرانها وتموقعه وتواجدها وإدارة الوضع العسكري، وبالتالي هناك حالة فراغ، قد تؤدي إلى محاولة إعادة رسم الخارطة سواء في سوريا أو بعض بلاد الشام، وفي هذه الحالة في ظل المجابهة الغربية مع روسيا ودخول الصين على الخط مؤخرا يجعل من الوضع في الإقليم مهددا وخطيرا واحتمالات نشوء صدامات ونزاعات مسلحة”. 

يشير التقي إلى المناورات العسكرية الروسية الإيرانية الصينية التي جرت في بحر العرب، ويقول “هذا يوضح أن المنطقة مرشحة لأن تكون ساحة لمجابهات وصراعات، والسعودية تحاول أن تهدئ الأوضاع في الإقليم وأن تكتسب مواقع نفوذ لها فيما يتعلق بالوضع في الإقليم”. 

يؤكد آل عاتي: “أرى أن السعودية أصبحت تتجه إلى إنهاء كل خلافاتها مع كل دول المنطقة، والدليل على ذلك أنها أعادت علاقاتها مع قطر وتركيا، والآن النظام الإيراني وهو العدو التاريخي، فما بالك بالأشقاء في سوريا، خاصة مع إعداد الرياض للقمة العربية”.

ورغم أن الوضع لم يتغير في سوريا، فإن آل عاتي قال إنه “من الواضح أن التوقف عند الخلافات سيعمق هذه الخلافات، ولكن لابد من طرق كل الأبواب لحل هذه الأزمات، وأعتقد أن السعودية معنية بأزمة الشعب السوري الشقيق مع ما يشهده الإقليم من تدميج الخلافات”. 

لكن آل عاتي أكد في الوقت ذاته على أن “السعودية تتمسك بمسألة محاكمة من تلطخت أيديهم بدماء الشعب السوري وأن أي صلح لا يجب ما قبله ولابد من إعادة الحقوق للشعب، كما أن الرياض حريصة على تطبيق قرارات الشرعية الدولية وقانون قيصر والعلاقات الدولية والأهم تصحيح ما يمكن تصحيحه من العلاقات العربية”. 

وأضاف أن بلاده تريد أن يكون لها إسهامها في حل الأزمة السورية وأن يقول الشعب السوري كلمته وحقه في رسم مستقبله، خاصة مع إشارات من روسيا بأنها ستكون ضالعة في وضع حل مقبول من الجميع في الملف السوري”. 

وأردف أن “عودة العلاقات مع سوريا إن تمت فالهدف هو حماية مصالح الشعب السوري ومساعدة الأشقاء إلى ترميم بيتهم الداخلي وعودة اللاجئين وحفظ حقوقهم”. 

لكن التقي يقول إن “هناك شروطا لما يسمى بالعودة الآمنة للاجئين، كيف سيحدث ذلك والمواطن السوري الذي يعيش في مناطق سيطرة النظام نفسه غير آمن”، معتبرا أن “الدول العربية لن تستطيع أن تستفيد من دور سعودي أو إماراتي، واحتواء سوريا مالم تنخرط بكشل متكامل مباشرة على الأرض فيما يتعلق بإدارة مصالحة جدية وتسوية الأزمة السورية”، مضيفا أن “الوساطة العربية ستكون سطحية تماما في قدرتها على التأثير في ظل تواجد عسكري إيراني وروسي وتركي وأميركي داخل سوريا”.