مبان مدمرة وأحياء بلا سكان بسبب الموافقات الأمنية.. حمص في المركز الثالث بالدمار خلال الحرب في سوريا

65

مبان مدمرة وآيلة للسقوط، هو المشهد في مدينة حمص الذي يتفوق على ما سواه في المدن السورية بعد حلب والغوطة بريف دمشق، وباتت المدينة أشبه ما تكون بمدينة أشباح حالكة الظلام، خالية الشوارع مع بدء ساعات المساء الأولى من كل ليلة.
مصادر المرصد السوري لحقوق الإنسان، أكدت أن نسبة الدمار تتفاوت بشكل واضح للعيان بين أحياء مدينة حمص التي خضعت لسيطرة فصائل المعارضة ما بين عامي 2011-2014 الأمر الذي جعل منها مصباً لحمم وقذائف قوات النظام السوري وروسيا والميليشيات الداعمة له، ما ترك أبنيتها المدمرة شاهداً على ما تعرضت له عاصمة الثورة نتيجة انحياز أبناء المدينة لرفض منظومة الاستبداد الحاكمة.
(ف.أ) معلمة صف داخل حي القصور وإحدى النساء اللواتي نجحن بالحصول على موافقة أمنية من قبل فرع المخابرات الجوية بالعودة إلى منزلها الكائن بالقرب من منطقة “سوق الهال” بالجهة الغربية من الحي قالت إن كتل الأبنية المدمرة والآيلة للسقوط داخل الحي شكّلت مصدر قلق مستمر للأهالي خشية سقوطهم في أي لحظة على المارة، لا سيما ضمن القسم الجنوبي من شارع عالي-واطي ، وشارع حمزة الصاج اللذان شكلا في وقت سابق خطوط تماس خلال المعارك التي شهدها الحي ما بين قوات النظام السوري وفصائل المعارضة إبان سيطرة الأخير على الحي قبيل العام 2014 الماضي.
بدوره تحدث أبو محمد “أسم مستعار” لأحد سكان حي القرابيص الذي وصف الوضع لجيرانه في حي القصور بأنهم يعيشون بالنعيم مقارنة مع الأوضاع الراهنة بحي القرابيص الذي تغيب عنه أدنى مقومات الخدمات الفنية من مياه وكهرباء ونظافة على الرغم من تقدم أبنائه بعشرات الطلبات لمجلس مدينة حمص الذي يرفض بدوره توجيه كوادره للعمل على إزالة ما تسببت به الحرب خلال الأعوام الماضية.
ورصدت عدسة المرصد السوري لحقوق الانسان انتشار الركام وعشرات كتل الأبنية المدمرة والآيلة للسقوط داخل حيي جورة الشياح ووادي السايح داخل المدينة، ما يتسبب بمنع عودة الأهالي للحيين، نتيجة غياب أبسط مقومات الحياة البشرية، ناهيك عن تجمع الركام ضمن أزقتها وشوارعها الضيقة.
وتشكل الموافقات الأمنية التي تشمل “إذن العودة” إلى جانب عجز مؤسسات الدولة التابعة لحكومة النظام السوري عن بدء عملية ترحيل الأنقاض وإزالة الدمار الحاصل ضمن الكتل السكنية لأحياء حمص، العقبة الأكبر أمام عودة الراغبين من سكانها المهجرين داخل وخارج سوريا.
(ع.ش) أحد سكان حي جورة الشياح “لاجئ في إيطاليا” قال: إن أجهزة المخابرات التابعة للنظام السوري منعت عائلته من الحصول على إذن طلب عودة لمنزله المسجل ضمن دائرة القيد العقاري باسمه الصريح، وذلك نظراً لوجود عدّة طلبيات أمنية بحقة على خلفية مشاركته بتنظيم المظاهرات السلمية بداية الثورة السورية داخل أحياء حمص.
وحذّر المسؤول عن مفرزة الأمن العسكري أفراد عائلته نقلاً عن شقيه من الدخول إلى المنزل أو محاولة ترميم ما تهدم منه تحت طائلة الملاحقة الأمنية، والذي أبلغهم بأن جميع العقارات المسجلة باسم شقيقه تم التحرز عليها لحين عودته، فضلاً عن عدم قدرته على بيعها أو توكيل أحد من أقربائه بالصرف بها بموجب وكالة عامة.
ومن خلال سعي حكومة النظام السوري لإظهار عودة الحياة لطبيعتها في مدينة حمص أصدر رئيس مجلس مدينة حمص عبد الله البواب قبل فترة وجيزة تعليماته للبدء بإنارة شارع فارس خوري الواصل ما بين مركز حمص “الساعة القديمة ” وصولاً إلى مدخلها الرئيسي من الجهة الشمالية، بالتزامن مع بدء عملية إزالة الأبنية المتاخمة للطريق من الجهة الغربية تحسباً للانهيارات المتتالية التي تشهدها المنطقة بين الحين والأخر.
وكان اللافت للأمر مشاركة عناصر تابعة للفرقة الرابعة بعملية إزالة الركام قبل أن يتضح قيامهم بترحيل ممتلكات المدنيين العالقة تحت الأسقف منذ عدة أعوم والتوجه بها إلى “البورة” وهي عبارة عن قطعة أرض بمنطقة حسياء الصناعية جنوب حمص يجري ضمنها فرز المعادن عن بعضها البعض تمهيداً لنقلها إلى معامل الصهر لصالح ضباط الفرقة الرابعة.
وتحدث مصادر متطابقة من داخل مدينة حمص عن قيام أهالي القسم الجنوبي الشمالي من المدينة الذي تقطنه الغالبية السنية بتحضير احتياجاتهم اليومية في ساعات النهار تجنباً للخروج ليلاً بعد ما عاثت ميليشيات الدفاع الوطني في المدينة فساداً دون حسيب أو رقيب، ناهيك عن تعرض أبناء أحياء الخالدية والقصور للابتزاز المالي في حال مصادفتهم للدوريات المشتركة التي تغصّ بها مداخل وخارج أحياء حمص التي ساندت الثورة السورية، الأمر الذي جعل من الأحياء المتواجدة على مدخل حمص الشمالي (القصور الخالدية القرابيص وصولاً إلى شارع الدبلان) أشبه ما تكون بمدينة أشباح خالية من السكان.
يشار إلى أن معهد الأمم المتحدة للتدريب والبحث (UNITAR) أصدر دراسة خلال العام 2019 الماضي كشف عن حجم الدمار الذي حلّ بمدينة حمص التي جاءت بالمركز الثالث عقب محافظة حلب ومنطقة الغوطة بريف دمشق حيث تم تقدير الأبنية والكتل السكنية المدمرة خلال الحرب السورية بما يقارب 13778 كتلة.