محنة الجنوب السوري

المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعبر بالضرورة عن رأي المرصد السوري لحقوق الإنسان

30

قامت إسرائيل خلال السنوات الأخيرة بهجمات عسكرية متكرّرة فوق المناطق الجنوبية من سورية، جديدها قبل حوالي الشهر، حين برّرت الهجوم بوجود ألغام قد زُرعت برعاية إيرانية ضمن حدود الجولان .. لا تخفي إسرائيل رغبتها برؤية الجنوب السوري الملاصق لـ”حدودها” خاليا إلى مسافة كافية من أي عنصر إيراني، وهي تعلم أن المحاولات الإيرانية للوجود الكثيف لم تنقطع منذ الأيام الأولى لانتشار الفوضى في سورية، وصار دأبها السياسي والعسكري منصبَّا على التخلص من هذا الوجود، وتضمّنت معظم اللقاءات الروسية والإسرائيلية الخاصة بسورية بندا حول إيران، وقد حصلت إسرائيل بالفعل على اتفاقٍ ما مع روسيا على إعطائها حريةً في التحرّك ضد المصالح الإيرانية، شملت كل الأراضي السورية، فغضّت روسيا الطرف والتزمت الصمت، أو الاعتراض الشكلي، على هذا النوع من الهجمات الإسرائيلية. وكانت منطقة الجنوب هدفاً رئيسيا لهذه الهجمات، ولكن العقيدة الأمنية الإسرائيلية ذات طبيعة متصاعدة، ولا تكتفي بالضربات الوقائية، وخصوصا مع استمرار الحضور الإيراني بشكل خاص في الجنوب، الأمر الذي قد يرفع درجة رد الفعل الإسرائيلي إلى أكثر من مجرّد الهجوم من بعيد، هذا على الرغم من الوجود الروسي المهيمن الذي رعى معارك عودة قوات النظام إلى مناطق القنيطرة والسويداء..

أنشأت روسيا مع نهاية العام 2017، وبالاتفاق مع الأردن والولايات المتحدة، وبشكل ضمني مع إسرائيل، منطقةَ خفض تصعيد في جنوب سورية، شملت جبهات درعا والسويداء والقنيطرة. وأصرت إسرائيل على إبعاد الوجود الإيراني مسافة كافية عن الحدود، وقاد الاتفاق إلى عودة قوات النظام إلى كامل المنطقة، وفتح الحدود الدولية مع الأردن، والوصول إلى ما يشبه تطبيع حالات المرور البينية على خط الأردن سورية، وهو ما كان الأردن يرغب بالوصول إليه، تم ذلك بعد أن عاش سوريو تلك المنطقة تشرّدا وموتا دام طوال فترة المعارك التي بدأت في منتصف يونيو/حزيران 2018، واستمرت إلى نهاية شهر يوليو/ تموز من العام نفسه، وانتهت بعودة النظام إلى المنطقة بحسب خطةٍ، جمعت فيها روسيا كل من قَبِل بالمصالحة من فصائل المعارضة المسلحة وحشدته في وحدة مقاتلة تحت اسم اللواء الثامن، بعد أن ألحقته بفيلق عسكري جديد، أنشأته قبل ذلك بعامين، ضمّت إليه شبانا سوريين غير مكلفين بالخدمة، أو متعاقدين مدنيين للقتال مدة محدودة.. بالطريقة الروسية نفسها، شكلت إيران لواءً عسكريا باسم اللواء 313، ضم مرتزقةً رغبوا بإغراءات الرواتب العالية والبطاقات التعريفية المتميزة، وطبّقت عليه برنامجا تدريبيا، يشبه برامج حزب الله اللبناني العسكرية، فأصبحت هذه العقيدة منهاجا إيرانيا، تستخدمه في كل تنظيماتها العسكرية الخارجية، وأصبحت المواجهة في جنوب سورية تحمل طابعا إيرانياً روسياً، يمكن قراءته على شكل مجابهة عسكرية على الأرض. أما جيش النظام فيحتفظ بوجود رمزي للفرقة الرابعة التي تميل إلى الجانب الإيراني، ولكنها ترفع شعارات النظام وأعلامه. وتطل إسرائيل على هذا الوضع المفخخ القادر حتى الآن على استيعاب ضرباتها المؤثرة التي طاولت عناصر منتمين للنظام السوري أو إيران. قد ترغب الأخيرة بشن هجمات انتقامية ضد إسرائيل من هذه المنطقة الرخوة، ويمكن أن يقود هذا الأمر إلى تصعيدٍ من نوع آخر، ولكن هناك فرصة قد تستغلها إسرائيل، وهي التدخل في الجنوب السوري بالطريقة ذاتها التي تنشط بها إيران وروسيا، خصوصا بعد أن أصبح لها مجال حيوي في مجموعة الدول العربية المطبعة والمتعاونة معها بشكل تام. وقد يغري الظرف الإقليمي إسرائيل بأن تدخل إلى العمق السوري، مستغلةً التناقض الروسي الإيراني، ومستفيدةً من الضعف الإيراني اللافت الذي تزايد في عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب وبتواطؤ من روسيا، بتطبيق نموذجٍ اعتمدت عليه سابقا في الجنوب اللبناني تحت مسمّى جيش لبنان الجنوبي، والتسمية متاحة وقد تكون مطابقة وهي: جيش سورية الجنوبي.

 

 

 

الكاتبة: فاطمة ياسين- المصدر: العربي الجديد