مخاض المعارضة السورية الأليم

21

لقد شكلت تصريحات وزيرة خارجية الولايات المتحدة الأميركية السيدة هيلاري كلينتون قبل يومين من انعقاد مؤتمر الدوحة للمعارضة السورية الذي يكون قد انعقد يوم 04 نوفمبر/تشرين الثاني 2012، والذي كان مقررا أن ينعقد قبل عيد الأضحى المبارك،صدمة قوية للمعارضة السورية المتمثلة بالمجلس الوطني السوري، ما كان يتداول سرا وخلسة في الكواليس والغرف، بينته الوزيرة علنا، وقطعت بذلك الشكوك.

اختارت السيدة هيلاري كلينتون مدينة زغرب الكرواتية، لتعلن أنه “لم يعد من الممكن اعتبار النظر إلى المجلس الوطني السوري على أنه الزعامة المرئية للمعارضة… بل إنه جزء من المعارضة التي يجب أن تضم أشخاصا من الداخل السوري وغيرهم” وأضافت أن ائتلاف واسع للمعارضة “بحاجة لبنية قيادية قادرة على تمثيل جميع السوريين وحمايتهم، معارضة قادرة على مخاطبة أي طيف أو مكون جغرافي في سوريا” وختمت قائلة:”هناك معلومات مثيرة للقلق عن متطرفين يتوجهون إلى سوريا ويعملون على تحويل المسار ما كان حتى الآن ثورة مشروعة ضد نظام قمعي، بما يحقق مصالحهم”.

من تصريحاتها يتبين أن مجمل المؤاخذات الأميركية ومعهم الغرب والحلفاء العرب على المجلس الوطني السوري هي ما يلي:

1) عدم القدرة على توسيع التمثيل: لقد كان مقررا أن يعمل المجلس الوطني السوري على توسيع قاعدته التمثيلية ليشمل جميع مكونات المجتمع السوري، من عرب وأكراد، وسنة وعلويين، ومسيحيين ودروز، وإسلاميين وعلمانيين، وعسكريين ومدنيين، إلا أنه لوحظ أنه على العكس من تحقيق ذلك، لقد انشق الكثير من الأطياف الاجتماعية والسياسية عنه، ناهيك عن عزوف مكونات مهمة عن الدخول فيه، عرقية وسياسية، كالأكراد والعلويين، وهيئة التنسيق، وجماعة مشروع بناء الدولة، وانحصر التمثيل أساسا على الإخوان المسلمين، ومجموعة إعلان دمشق، مما يعطي للمجلس صبغة فئوية، لا يمكن أن تمثل الشعب السوري في ثورته.

2) عدم القدرة على توحيد المعارضة المسلحة: لقد كان مطلوبا من المجلس الوطني السوري أن يوحد جميع الجماعات المسلحة تحت إمرة الجيش السوري الحر، إلا أن ما وقع هو أنه انشقت مجموعات كثيرة عن الجيش الحر، زيادة على بروز جماعات متطرفة كجماعة النصرة القريبة من القاعدة وذات التوجه الطائفي، والتي تتهمها الكثير من المنظمات الحقوقية باقتراف جرائم حرب.

3) عدم القدرة على بلورة إستراتيجية واضحة ضد النظام: لا من خلال رسم خارطة طريق للتحرك السياسي، ولا من حيث التلاقي مع الفعاليات السورية الميدانية الأخرى، ولا من حيث التخطيط الفعلي لملء الفراغ الناتج من طرد النظام من مناطق تتزايد،لا في الميدان المعيشي ولا في ميدان الخدمات، والظهور في صورة عدم القدرة على خلافة النظام في حال سقوطه، ولا بلورة مشروع حكومة المنفى.

4) عدم العمل على التصدي للتطرف: التطرف الذي هو باديا للجميع، لعناصر متزايدة في صفوف المعارضة المسلحة، يبدو في كثير من الأحيان منهجا منتشرا ومسكوتا عنه، مما يسقط المجلس الوطني السوري في السكوت السلبي، وشبهة المشاركة والرضا، وبالتالي ستعزف الكثير من الدول العالمية على تقديم يد المساعدة للمعارضة السورية، كما هو الحال الآن.

المعارضة السورية التي هي العقدة وهي أيضا الحل للأزمة السورية التي بدأت تطول وتؤرق دولا كثيرة لم تحسب الأمر حسابا دقيقا، تتكون من المجموعات الآتية:

1) المجلس الوطني السوري: يتكون أساسا من الإخوان المسلمين وكتلة إعلان دمشق ولجان التنسيق المحلية والهيئة العليا للثورة السورية والعديد من الشخصيات القبلية والعلمانية والمستقلة، والمجلس يعمل أساسا لإزالة الأسد ونظامه دون القبول بأي حوار حتى سقوطهما.

2) هيئة التنسيق الوطنية: التي تتكون من العديد من الأحزاب اليسارية والكردية، وتتبنى منهجا مغايرا للمجلس الوطني، فهي ضد أي تدخل خارجي، وضد عسكرة الثورة، وتدعو إلى حوار سياسي لبناء الدولة السورية الديمقراطية.

3) الجبهة الوطنية الديمقراطية: أو كما سماها مؤسسها في الأول ميشيل كيلو الحل الثالث، والذي يبدو أنها انخرطت في المبادرة الأميركية الجديدة التي أطلق عليها اسم “المبادرة الوطنية السورية” والذي يكون هو قد دخل في هيئتها من بين المعارضين الجدد الذين تراهن أميركا على نفخ روح جديدة في المعارضة، والتأكد من “ديمقراطية” الثورة.

4) تيار بناء الدولة السورية: والتي تتكون من معارضين للنظام السوري، أشهرهم لؤي حسين، إلهام عدوان، وينتهج التيار العمل السلمي لبناء دولة سورية ديمقراطية.

5) الجيش السوري الحر: وهو يمثل المعارضة المسلحة، من عسكريين منشقين ومدنيين مسلحين ويتكون من ألوية عديدة، ومجموعات كثيرة، يغلب عليها عدم التنسيق، وقد تفاقم الأمر لما أبدت الكثير من المجموعات عدم انضوائها تحت لواء الجيش السوري الحر الذي يتزعمه رياض الأسعد.

6) شخصيات وطنية عديدة مستقلة: قبلية وثقافية ودينية ليس لها تنظيمات معينة، لكن لها ثقل في الشارع السوري أو في المجتمع الدولي كرياض سيف والشيخ الصياصنة وغيرهم.

ينعقد في هذه الأحيان بالدوحة مؤتمر المعارضة السورية وفي جدول أعمالها نقطة واحدة تتمثل في “المبادرة الوطنية السورية” التي هي في الأساس إيحاءات أميركية بحتة، أو شروطا مسبقة لأي تحرك دولي فعال، أو دعم عسكري فاعل، ولسحب البساط من تحت مجموعات متطرفة بدأت تسيطر على الأرض السورية، و لإبراز عنوان عريض لمعارضة تستطيع أن تجيب أو تطمئن الحلفاء الحاليين للنظام السوري وتزيل تخوفاتهم، وبغض النضر عن الترتيبات التنظيمية والإجراءات العملية لبلورة المبادرة، فإن المبادرة تهدف إلى تحقيق الأهداف التالية:

1) تكوين هيئة المبادرة الوطنية السورية من أطياف المعارضة السورية، على أوسع حد، وبصورة يجد جميع مكونات الشعب السوري تمثيلهم.

2) تكوين حكومة تكنوقراط تكون لها مهمة سياسة المناطق المحررة، ومهمة تلقي المساعدات الدولية.

3) دعم الجيش السوري الحر ليكون التنظيم العسكري الوحيد، وفرض الانضباط فيه.

4) التأكيد على الديمقراطية ومحاربة أي فكر متطرف وإقصائي أو طائفي

5) ترسيخ فكرة القبول بحوار مفترض مع أطراف في النظام، والتسويق لفكرة تولي فاروق الشرع لقيادة فترة انتقالية بعد الأسد.

لسنا ندري ما نسبة نجاح المبادرة من عدمها، ولسنا نعلم بالضبط ما ستلد المعارضة السورية بعد هذا المخاض الأليم المضني، هل ستلد بنتا بهية الطلعة، حنينة القلب، حكيمة الخصال تكون بركة على الشعب السوري، أم ولدا حازما يعيد الأمور إلى نصابها، أم أنها ستلد التوأمين والثلاث، يكبرون ويتخاصمون ويثقلون كاهل سوريا. كل الخير نتمناه للشعب السوري الكريم، كل الهناء والحرية والتقدم.

 

المصدر: ميدل ايست اونلاين