مخيم الهول واحتمال إعادة إحياء لتنظيم “داعش”

44

بعد سقوط تنظيم الدولة الإسلامية (“داعش”) في مارس الماضي، وانتهاء سيطرته على الأرض، ظل مخيم الهول في شمالي سوريا القلب النابض للتنظيم. فخلال السنوات الخمس الأخيرة، صارت منطقة الهول السورية من المناطق التي انتشرت فيها الأفكار المتطرفة بشكل واسع سواء أكان على يد تنظيم “داعش” أو بعض الجماعات الأخرى المتطرفة. وعلى الرغم من أن المخيم يعاني من فقر البنية التحتية والاكتظاظ الشديد وهذا ليس بجديد، إلا أن أزمة الصحة العامة العالمية قد خلقت حاجة ماسة لمعالجة المشاكل المتوطنة داخله.

ويذكر أن مخيم الهول الذي يأوي حاليا الآلاف من أسر تنظيم “داعش”، قد تم بناؤه منذ ما يقرب من 30 عاما لإيواء اللاجئين العراقيين الذين فروا إلى الحدود السورية خلال حرب الخليج، وقد تم استغلال المخيم مرة أخرى كمأوى للعراقيين بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في عام 2003 باعتباره أحد المخيمات الرئيسية الثلاثة على الحدود السورية العراقية. استهدف تنظيم “داعش” منطقة الهول كونها من المناطق الحدودية التي كان يسهل اختراقها خلال سنوات توسعه.

منذ التوغل التركي، شرعت قوات سوريا الديمقراطية في تخفيض عدد القوات في منطقة الهول وذلك تحسبا لأي غزو تركي محتمل

وعلى هذا النحو، منح الموقع الاستراتيجي المنعزل للمخيم، والذي يطل من المناطق الحدودية النائية، تنظيم “داعش” مساحة جيدة لنشر الأفكار المتطرفة بين العشائر العربية القاطنة في تلك المنطقة.

بالنظر إلى موقعه، أصبح مخيم الهول نقطة تجمّع للمتشددين من مقاتلي “داعش” الذين تم أسرهم خلال المعارك مع التنظيم. لذلك، تنظر قيادة “داعش” الحالية إلى المخيم على أنه معقلا رئيسا للتنظيم بسبب العدد الهائل لأنصار التنظيم القاطنين داخل المخيم من مختلف الجنسيات حول العالم. وخلال السنوات القليلة الماضية، وصل عدد المحتجزين داخل مخيم الهول إلى أكثر من 12 ألف من المتشددين أغلبهم عوائل تنظيم “داعش” من أطفال ونساء. ومن ثم، حذر الخبراء مرارا وتكرارا من أن الوضع داخل المخيم يمثل تهديدا كبيرا على الأمن الدولي والإقليمي.

عوامل أساسية تجعل من مخيم الهول حافزا لإعادة إحياء تنظيم “داعش”

في السنوات الأخيرة، كانت هناك عدة عوامل هيأت الظروف لسكان المخيم ومكنتهم من المساعدة في قيادة إحياء تنظيم “داعش”.

ففي حين أن أغلب المناطق في شمالي شرق سوريا معزولة، إلا أن هناك أجزاء من مخيم الهول تتمتع بانفتاح أكبر على العالم الخارجي. وفى هذا الصدد، ينقسم المخيم إلى قسمين، القسم الخاص بالسوريين والعراقيين، والذي يمثل القسم الأكبر في المخيم حيث يتمتع المحتجون بدرجة عالية نسبيا من حرية الحركة والتنقل. وهناك أيضا القسم الأصغر المعروف باسم “الملحق”، والذي يتألف في الغالب من الأجانب.

يبقى السوريون بشكل خاص متصلين نسبيا بالحياة خارج المخيم، إما من خلال الاستخدام القانوني للأجهزة المحمولة وآليات الاتصال الأخرى أو ماليا، أو من خلال تحويل الأموال عن طريق نظام الحوالة. ومع ذلك قد يتيح انفتاح مخيم الهول على العالم الخارجي إمكانية التواصل بين مؤيدي التنظيم وخلاياه داخل المخيم وبين المنتمين للتنظيم في شتى أنحاء العالم.

في حين يصعب تقييم عدد النساء الذين لا يزالون موالين لتنظيم “داعش” داخل المخيم، فإن أولئك الذين يدعمون التنظيم لم يتم فصلهم عن بقية المخيم، ونتيجة لذلك، صار السكان داخل المخيم يتشربون الأفكار المتطرفة لعدة سنوات.

على هذا النحو، لا يزال سكان المخيم بأكمله يعيشون نفس نمط الحياة الذي كانوا يعيشونه خلال حكم “داعش”، وذلك على الرغم من المراقبة الخارجية من قبل قوات سوريا الديمقراطية). فما زالت مصطلحات مثل (القتل وقطع الرؤوس، والكافرين، الغزوات، الثائر، الخلافة) دارجة بشدة في الحياة والنقاشات اليومية بين عوائل التنظيم. 

وفى هذا الصدد، شكلت نساء “داعش” لجان سرية داخل المخيم لمتابعة الحياة الشخصية لسكان المخيم لمعرفة مدى إذا ما كانوا متمسكين بأفكار التنظيم أم لا. كما شكلت خلايا تنظيم “داعش” ما يسمى جهاز الحسبة أو (الشرطة الإسلامية) داخل المخيم، والذي يتكون أغلب عناصره من النساء الأجنبيات.

بالإضافة إلى ذلك، صارت حوادث العنف داخل المخيم شائعة، حيث سجل المخيم العديد من أحداث العنف المرتبطة بالتطرف، ففي أغسطس عام 2019 قامت بعض النساء الأجنبيات بقتل امرأة من الجنسية الأندونيسية داخل خيمتها بسبب عدم التزامها بالقواعد التي فرضتها نساء تنظيم “داعش” في المخيم. كما أن حوادث الطعن مستمرة بشكل يومي من قبل الأطفال المراهقين أو ما يعرفون بـ “أشبال الخلافة” لكل من يخالف قواعد تنظيم “داعش” داخل المخيم.

شكلت نساء “داعش” لجان سرية داخل المخيم لمتابعة الحياة الشخصية لسكان المخيم لمعرفة مدى إذا ما كانوا متمسكين بأفكار التنظيم أم لا

وعلى الرغم من خطورة الوضع داخل المخيم والحاجة الماسة لاحتوائه وإعادة تأهيل العناصر المتطرفة فيه، إلا أن هناك عدة عوامل حالت دون السيطرة على حوادث العنف والتطرف داخله، منها ضعف وفقر البنية التحتية من خدمات معيشية وتعليمية، ونقص الدعم المحلى والدولي، وغياب أي برامج شاملة لإعادة تأهيل المقيمين في المخيم وخاصة للأطفال.

خلال الأشهر القلية الماضية، ساهم التوغل العسكري التركي الأخير في سوريا في خلق ظروف مواتية لإعادة إحياء التنظيم، حيث بدأت تركيا توغلها في سوريا في أواخر العام الماضي بهدف إنشاء “منطقة آمنة” على الحدود داخل أراضي قوات سوريا الديمقراطية، وذلك بعد تلقيها الضوء الأخضر من قبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

ومنذ شن الهجوم التركي على سوريا في أكتوبر 2019، ساءت الأوضاع داخل المخيم. وعلى الرغم من أن قوات سوريا الديمقراطية ما زالت محتفظة بسيطرتها على المخيم، إلا أن التوغل التركي قد دفع الكثيرين إلى التساؤل عما إذا كانت قوات سوريا الديمقراطية ما زالت تسيطر على الأوضاع داخل المخيم، وذلك في ظل المشكلات التي تعاني منها تلك القوات والتي تمر بضغوطات متعددة.

فمنذ التوغل التركي، شرعت قوات سوريا الديمقراطية في تخفيض عدد القوات في منطقة الهول وذلك تحسبا لأي غزو تركي محتمل. ومع ذلك، قد يؤدي هذا التخفيض إلى إضعاف قدرة هذه القوات على تأمين المخيم ويوفر فرصة أكبر للجماعات المتطرفة للمناورة داخل المخيم، والخروج منه، وتهريب البضائع، وربما إعادة تجنيد المتطوعين.

علاوة على ذلك، أصبح الوضع صعب بشكل خاص حيث يواجه المخيم احتمال تفشى جائحة فيروس كورونا، وهو ما قد يؤدى إلى نتائج كارثية. وفى حين فرضت السلطات المحلية حظر التجوال التام والجزئي وأجرت الفحوصات الطبية اللازمة للحالات المشتبه فيها، ونجحت في السيطرة على تفشي الوباء داخل المخيم، فإن عدم تهيئة المراكز الطبية قد يؤدى إلى تفشي الوباء بشكل سريع داخل المخيم.

إذا لم يتم معالجة هذا الوضع المتردي للمخيم وإحكام السيطرة عليه من خلال بذل جهود مشتركة بين الإدارة الذاتية والمجتمع الدولي، فمن المؤكد أن “داعش” سوف سينهض مرة أخرى من داخل المخيم

تتشابك مسائل الصحة العامة ومكافحة التطرف في مخيم الهول، حيث سيستحيل معالجة ظروف الاكتظاظ في المخيم بشكل فعال حتى يتم وضع برامج لمكافحة التطرف ويتم تفعيلها.

إن احتواء الفكر الداعشى المتنامي داخل مخيم الهول يتطلب أن يقوم المجتمع الدولي والحكومات المشاركة في التحالف الدولي ضد الإرهاب بالبدء في حوار جاد لإيجاد حل جذري للوضع الراهن في المخيم.

وللأسف، لن تتمكن السلطات المحلية من معالجة هذه القضية الشائكة دون الحصول على دعم أوسع. ومن ثم، يتعين على الدول التي تسعى إلى منع عودة “داعش” أن تساعد في تطوير برنامج إعادة التأهيل مع التركيز على البرامج التعليمية والنفسية التي تستهدف النساء والأطفال القاطنون في المخيم. 

كما يجب استمرار تقديم الدعم العسكري لجهود قوات سوريا الديمقراطية في مكافحة إرهاب “داعش” وتقديم الدعم المالي اللازم لها لإحكام سيطرتها على المخيم وتوفير الخدمات الأساسية للقاطنين فيه.

وفي حين أدى تفشي وباء كورونا إلى تعطيل العديد من المشروعات الدولية التي تستهدف المخيم، إلا أن الوضع في المخيم لا يمكن تجاهله. وإذا لم يتم معالجة هذا الوضع المتردي للمخيم وإحكام السيطرة عليه من خلال بذل جهود مشتركة بين الإدارة الذاتية والمجتمع الدولي، فمن المؤكد أن “داعش” سوف سينهض مرة أخرى من داخل المخيم، وسيصبح أقوى وأكثر انتشارا من ذي قبل.

 

 

 

 

الكاتب:شورش خاني – المصدر:قناة الحرة