مديرة منتدى السوريات الإسلامي أسماء كفتارو: الدول العظمى آخر همها الشعب السوري..وسورية كانت محور قوة للشعوب العربية بتماسكها وإضعافها أثّر على المنطقة

66

منذ انطلاق أول شرارة الثورة سعت عديد الدول إلى إضعاف سورية وإنهاكها عبر تدمير مؤسساتها وتقسيمها وتسليح الثورة وأسلمتها، ما أدّى إلى هذا الخراب الشامل الذي تعيشه منذ 10سنوات، ذلك التشتت الذي دفعت إليه عديد الأطراف شعّب الأزمة وأطالها لتكون سورية كعكة سهلة التقسيم والاستغلال.
وتعتبر أسماء كفتارو، مديرة منتدى السوريات الإسلامي بدمشق وهي حفيدة المفتي السوري السابق، في حوار مع المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” هو “صنيعة استبداد ديني مجتمعي سياسي”.

س-لقد عرف التاريخ مآسي كثيرة حين تمّ استغلال الدين وتطويع السياسة للدين سواء في التاريخ الإسلامي أو حتى لدى المسيحيين، وقد جرّت الدولة الدينية عبر التاريخ إكراهات وتجميدا للعقل ما أدى إلى حالات رهيبة من التخلف.. أليست القاعدة التي تقول إن الدين لله والوطن للجميع هي أفضل طريق لكي تتبلور الإرادة الحرة للمواطن أينما كان على طريق الإبداع والتألق لبناء حضارة سليمة ومستدامة؟

ج-من المؤسف أننا لازلنا نناقش فكرة فصل الدين عن السياسة بخوف ورعب وكأننا بذلك وبحسب ما يتم ترويجه بين المجتمعات أننا نستبعد الدين لتصبح المجتمعات منحلة منفلتة وتبيح الفواحش من خلال تبني فكرة الفصل بين الأديان والسياسة والحفاظ على المحراب صافيا ومكانا للوصل إلى الله بعيدا عن سجالات وخلافات الساسة والمشرعين.. من وجهة نظري أنا أستشهد بقول النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه في قصة تأبير النخل عندما قال لأصحابه ” أنا أعلم بأمور دينكم وأنتم أدرى بأمور دنياكم” هي قاعدة لمن يتمسك بالدين كشريعة حياة لتكون حياته ومن حوله أكثر فاعلية وإبداعا ووصلا نقيا طاهرا مع الله بروح الأُنس، كما أن المنابر في أماكن العبادة هي لنشر المحبة والسلام والتعاضد بين أبناء المجتمع الواحد الذين يجمعهم قانون واحد تحت مبدأ المواطنة والوطن الواحد.

س-دخول جماعة”الإخوان المسلمين” المعروفة بعدائها الشديد لأي توجه حداثي مدني تقدمي، على خطّ أي مطلب شعبي، ألا ترين أنه مجلبة للدمار مثل ماحدث في أكثر من منطقة بالوطن العربي، وسورية خير شاهد على ذلك؟

ج : أي جماعة تخرج تحت عباءة الأديان وتؤكد أنها تحكم الناس بحكم الله من الضروري أن نطلب من هذه الجماعة الصك الموقع بينها وبين الله عز وجل لنكون لها سدة السمع والطاعة.
-لم يوكل الله في شؤون عباده إلا من وصل برتبة المعرفة والعلم الدنيوي من الفيزياء والقانون والرياضيات والطب .. إلخ… إلى رتب تؤهله لرسم سياسات وقوانين تحفظ الحقوق للجميع.
-الجماعات الدينية اليوم تنصب نفسها على أنها هي المستخلفة في حكم الأرض ومن عليها وهذا بعيد كل البعد عن جوهر الدين ومن المفترض أن تأخذ الحكومات دورها في كبح جماح العنف الذي تمارسه هذه الجماعات في التسلط المجتمعي والتحكم بالعقول الشابة التي يتخذونها سلماً للوصول إلى مآربهم، ولا يكون ذلك إلا بالفكر المتنور الذي يناهض الفكر الرجعي الظلامي الذي يقحم نفسه بكل مفاصل الحياة بمجتمعاتنا.
نحن أمام فرصة ذهبية وعلينا الخروج بالعقول النيرة من أجل إيضاح الصورة والمساهمة في بناء مجتمعاتنا على أسس العلم والمعرفة والحداثة.

 

س- لم تعد خافية الأهداف الأمريكية والإسرائيلية لمزيد تفتيت المنطقة وإقامة مايسمى بالشرق الأوسط الكبير ليكون كيان الاحتلال الإسرائيلي جسما طبيعيا في المنطقة.. ألا ترين أن إنشاء تنظيم”داعش” وتركيزه أساسا على الحدود السورية العراقية جاء نتيجة خور داخلي استغلته القوى الخارجية؟

ج- علينا ألا نلقي بمشاكلنا على الآخرين فقط للهروب من المسؤولية ومن تحمل الضرر الناجم عن تراجعنا في فهم التطور المستمر .
-مما لاشك فيه أن اليوم وبعد عشر سنوات هناك مستفيدون كثر من الحرب في سورية وأصبحت بلادنا قالب كيك يتقاسمه من يعشق الحلا … يؤلمني أننا لا ندرك حجم المأساة وأن السوريين هم القادرون على إنهاء الصراع فيما بينهم ولكن الاستعانة بقوى غير سورية أوصلتنا إلى مكان لن نرى فيه إلا من يستفيد من أرض مزقتها الأحقاد والكراهية.
داعش ليست إلا فئة متشددة خارج الزمن تريد أن تثبت كيانها ووجودها ( النسبة الأكبر من سوريا والعراق ) منهم شخصيات دينية سورية كبيرة، ولا أوافق الرأي القائل بأنها صنيعة الدول العظمى، ولكنها بالأساس صنيعة استبداد ديني مجتمعي سياسي كما أن الظلم المجتمعي وفر له أرضاً خصبة للظهور.. وعلينا أن ندرك أننا إذا لم نغير سياسة التعاطي مع العلوم الشرعية فسنشهد بين فترة وأخرى ولادة أشباه داعش.

س-برغم الاختلافات في الرؤى بين الأطراف السورية المتعددة،هل تلمسين حرصا على وحدة سورية أرضا وشعبا ومكونات؟

ج-من المؤكد أن واحدة من أهم النقاط المتوافق عليها في الملف السوري هي وحدة الأراضي السورية وسيادتها .. ولكن، كثيرة هي الممارسات التي تعكس خلاف ذلك .. فإلى الآن لم نشهد أي تقدم في نقاشات اللجنة الدستورية حيث إن من الضروري أن تبدأ التوافقات على أساس القضايا الجامعة من أجل التقدم والوصول إلى حلول مجدية ندرك من خلالها أن سورية لن تصبح دويلات تحكمها قوى الأمر الواقع.
-خوف كبير أن يصبح هذا المحور واحدة من الأحلام الضائعة للسوريين حيث إننا شهدنا في سنين الحرب حالات مرعبة من التغيير الديمغرافي للمناطق السورية والتهجير القسري للسوريين من الأطراف المتحكمة بالمناطق الخاضعة للسيطرة المختلفة حيث إن هذه التغييرات لها تبعاتها التي ترسخ مبدأ التفرقة بين أبناء سورية الواحدة.
-كما أن الزمن من أهم العوامل التي تؤثر في قضية الأرض الواحدة والشعب الواحد، لذلك لم يعد هناك وقت كاف يجعلنا بحالة من التفاؤل على أننا باقون على مستوى الدولة المركزية.

س-تدمير سورية وإضعافها ألا يصب في مصلحة كيان الاحتلال الإسرائيلي الذي يريد شللا متواصلا للدوائر الثلاث الفلسطينية والعربية والإسلامية حتى يرسّخ مزيد وجوده واحتلاله؟

ج-من المؤكد أن إضعاف سورية وتشتيت شملها له التأثير على الإقليم بشكل كامل، واليوم أي ملف بالإقليم لا يمكن التقدم به إلا مربوطاً بحل الأزمة بسورية .. ومن المؤكد أن النزاع القائم على الأراضي السورية له تأثير لتمكين الدولة الإسرائيلية في فلسطين وهذا ما شهدناه في المرحلة الماضية من قبل الحكومة الأميركية في دعمها لكيان الإحتلال بتمكينه من مزيد الأراضي المقدسة .. ولقد كانت سورية محور قوة للشعوب العربية بتماسكها وجمع الكلمة في بناء شعوب متحالفة متعاضدة من أجل القضية الفلسطينية .

س-لا شكّ في أن التدخلات الخارجية في أي منطقة ليس حبا أو حرصا على الشعوب بل هي أساسا لخدمة مصالح المتدخلين الذين يروجون لكل التبريرات والأضواء لتزيين تدخلهم.. ماهي تداعيات هذه التدخلات، وهل هناك وعي لدى شعوب المنطقة بخطورة لعبة الأمم في منطقتنا؟؟

ج-يقول المثل ببلادي : ” أنا وأخي على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريب”، لكن للأسف ما شهدناه في العقد المنصرم : “أنا والغريب على أخي وابن عمي !”.
– الدول العظمى آخر همها سورية وشعبها، وهذا ما نشهده اليوم على الساحات السياسية وبعد الانتخابات الأميركية .. لذلك لا أمل لنا إلا في عودة النخوة لدى السوريين المسؤولين عن إدارة الحوار في سورية وإعادة الوحدة بالكلمة والِفعل.