مدير المرصد السوري::سورية لن تكون موحدة إلا من خلال مجلس حكم انتقالي وديمقراطي قادر على تمثيل كافة المكونات السياسية والمجتمعية

47

أكّد رامي عبد الرحمن، مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، مقرّه لندن، أنّ عناصر المرتزقة التابعين لتركيا الذين تم تجنيدهم وتعبئتهم من فصائل وميلشيات ما يعرف بـ”الجيش الوطني السوري”، في شمال شرق سوريا، وانتقلوا إلى الحرب في ليبيا، بدأت في العودة للمناطق الخاضعة لسيطرة القوات التركية في سوريا، كما أن ثمة قطاع منهم سوف يلتحق بمعسكرات في تركيا، وجميعهم يتحرّك بناء على تعليمات الاستخبارات التركية.

وفي حواره لـ”ليفانت”، ثمّن مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان الدور المصري في ليبيا، ولفت إلى أنّ القاهرة بأهميتها الإقليمية والجيوسياسية، بمقدورها دون غيرها وضع خطوط حمراء أمام تركيا ومخططاتها التخريبية لجهة منع تغوّلها في سوريا مثلما فعلت في ليبيا.

-إذا صحت التقارير التي تتحدّث عن خروج المرتزقة من ليبيا.. في تقديرك أين ستسقرّ؟

*في 21 من الشهر الجاري/ آذار (مارس)، غادر ليبيا عدد من الفصائل السورية المدعومة من أنقرة، وتحديداً من فصيل السلطان مراد، وعددهم قرابة 120 شخصاً، ومن ثم عادوا مرة أخرى إلى المناطق الخاضعة لسيطرة القوات التركية والفصائل المحلية التابعة لها، في شمال شرقي سوريا، حيث إنّ القيادي في ما يعرف بـ”الجيش الوطني السوري” (أبو عمشة) والذي يقود أحد الميلشيات المعروفة بـ”السلطان شاه”، يقوم بتجهيز دفعة من المرتزقة العائدين من ليبيا لمعسكرات في تركيا براتب 500 دولار في الشهر، مع العلم أنّ عدد العناصر المسلحة التابعة لأنقرة في ليبيا، يقدر بنحو 6630  عنصراً، الآن.

كما جرى رصد طائرة وصلت إلى قاعدة عفرين، وعلى متنها مسلحون قادمون من الأراضي الليبية، وهذه المجموعة كما أكد عددهم 120 مسلحاً، وسبقت هذه المجموعة عناصر من ميلشسات السلطان مراد.

-تورّط الجيش الوطني السوري في شمال شرق سوريا في ممارسات وصفتها منظمة العفو الدولية بجرائم حرب.. ما السيناريو المتوقّع بعد انتهاء الدور الوظيفي الذي تؤدّيه تلك العناصر الميلشياوية التابعة لتركيا بالمنطقة؟

*قامت القوات التركية والفصائل المحلية المدعومة منها بجرائم حرب وتجاوزات حقوقيّة جمة بحق المدنيين في شمال سوريا والمناطق التي خضعت لسيطرتهم المسلحة، سواء في الحملة العسكرية التي نفذتها تركيا في ما عرف بـ”درع الفرات” أو “نبع السلام”، ومؤخراً شنّ الطيران التركي غارات على قرية صيدا قرب مدينة عين عيسى الخاضعة لسيطرة القوات الكردية شمال سوريا، بينما تشتدّ المعارك بين الجانبين على الأرض في محيط المدينة الإستراتيجية، وتعدّ هذه الغارات هي الأولى من نوعها منذ عملية “نبع السلام”. وكانت طائرة حربية تركية  استهدفت مواقع عسكرية لقوات سوريا الديمقراطية في قرية صيدا بريف عين عيسى شمالي الرقة.

واللافت أنّ هذه العملية التي توقفت بعد اتفاقين تفاوضت عليهما أنقرة مع واشنطن ثم مع موسكو، كانت قد سمحت لتركيا بالسيطرة على مناطق حدودية بطول نحو 120 كلم وعمق 30 كلم، غير أنّ عين عيسى ومحيطها بقيت في أيدي القوات الكردية، وهو الأمر الذي يفاقم من توتر العلاقات بين تركيا وبعض الدول الغربية، ومن بينها الولايات المتحدة وفرنسا.

-إذاً.. كيف، برأيك، يمكن تصنيف الانتهاكات التي ارتكتبها القوّات التركيّة والفصائل المحلية التابعة لها وتأثيرها على الوضع في المناطق الخاضعة لسيطرتها، خاصة في ظلّ محاولات التغيير الديمغرافي المحموم وترسيخ قيم متشددة وراديكالية يغلب عليها الطابع الإسلاموي؟ 

*منذ العملية العسكرية الأولى لتركيا في شمال شرق سوريا، وكان من بين أهدافها المباشرة إحداث تغيير ديمغرافي، عبر تدمير البنية الثقافية وتغيير القاعدة الاجتماعية وتصفية الخصوصية الثقافية والهوياتية، ولذلك حدث أن قامت بتوطين عوائل المسلحين وتهجير السكان الأصليين، خاصة وأنّه يتم نقل النازحين من حمص والغوطة، وغيرهما، إلى عفرين، كما جرى ضمن مشروع التغيير الديمغراطي إصدار هويات عامة للمستوطنين، وسكان عفرين الأصليين، من الكرد والعرب، دون تمييز بين مقيم ونازح ولاجئ. ٣٠٠ ألف  نزحوا،  بينهم  عشرات  الآلاف  من الأطفال.

تسبب الهجوم العسكري الأخير لتركيا قبل نحو 17 شهراً في نزوح 300 ألف شخص، من بينهم 70 ألف طفل، ومن بين المدنيين قتل نحو 235 مدنياً، إلى جانب إصابة أكثر من 700 آخرين، وهذا إلى جانب عمليات الإبادة الثقافية وتدمير الممتلكات ونهب المحاصيل ومصادرة المنازل وتهجير سكانها منها، حيث تم هدم كنائس تاريخية ومزارات دينية للإيزيديين.

تم تدشين اسم رجب طيب أردوغان، باللغتين العربية والتركية، على ساحة “السراي”، كما تمّت إزالة اسم ساحة “كاوا” ووضع اسم “غصن الزيتون”، وساحة “نيروز” (عيد رأس السنة الكردية) إلى “صلاح الدين”.

-كيف ترى الوضع الأمني والسياسي داخل مخيم الهول والذي يمثل عبئاً على الإدارة الذاتية كما يمثل بنفس الدرجة تهديدات إقليمية عديدة؟

*في العاشر من آذار (مارس) الحالي، زار وفد من “الشؤون المدنية” تابع للتحالف الدولي، “المجلس المدني” لبلدة هجين في ريف دير الزور الشرقي، حيث جرى وعد بإزالة الألغام ومخلفات الحرب في منطقة الباغوز وما حولها، وإيصال الطلبات للخارجية الأمريكية والوقوف عليها، كما وعد المبعوث الأمريكي بتقديم كافة الخدمات لاستقرار المنطقة، من الناحية اللوجستية والأمنية، وهناك مناشدات عديدة نقوم بها للجهات الدولية والدول في الغرب، بخصوص معتقلي تنظيم “الدولة الإسلامية” والكشف عن مصير آلاف المختطفين.

وقد بات مخيم الهول يشكّل أزمة أمنيّة وسياسية، حيث تحدّث جرائم قتل وأكثر من مرة يتم العثور على قتلى، ويقتل في المخيم شخص يومياً، منذ بداية الشهر الحالي، حيث وصلت حصيلة الجرائم برصاص مجهولين، خلال مارس (آذار) فقط، إلى 14 شخصاً، بحسب الإحصائيات الواردة في «منظمة الهلال الأحمر» الطبية الكردية، وقد بلغت بذلك حصيلة القتلى إلى نحو 29، منذ بداية العام، من بينهم ما لا يقل عن 5 من النساء، وناهيك عن حالات أخرى نحرت بآلة حادة.

وقعت عمليات اغتيال واعتداءات من قبل عناصر داعش داخل مخيم الهول بحق المدنيين.. هل هناك فرصة لإعاد تأهيل الأفراد المعتقلين واستعادتهم لدولهم خاصة في الغرب؟

في ظلّ استمرار عمليات القتل والاغتيالات التي غالباً ما تطال لاجئين عراقيين، ترفض السلطات العراقية استعادة رعاياها من المخيم، وعلى الرغم من إخراج دفعات من النازحين السوريين من المخيم، ونقل آخرين ممن تتهددهم مخاطر إلى مخيمات أخرى، تتخوّف الإدارة الذاتية من تفاقم الوضع نحو الأسوأ، وسط زيادة حالات الفرار. كما تعددت حوادث الهروب من المخيم الواقع وبلغت نحو 700 محاولة تسلل في الفترة بين العام الماضي وحتى الشهر الحالي. وهذه المحاولات التي تم النجاح في إحباطها كانت تحاول العبور إلى تركيا.

ونقوم في المرصد بمتابعة الوضع في المخيم الذي يضم أكثر من 60 ألفاً، معظمهم من النساء والأطفال، ويشكل السوريون والعراقيون النسبة الكبرى من تعداد قاطنيه، حيث يؤوي نحو 12 ألف طفل وامرأة من عائلات عناصر “داعش”، ينحدرون من 50 جنسية غربية وعربية، يشكل ميراثاً ثقيلاً على سلطات الإدارة، حيث تتم مفاضات بهدف استعادة السجناء من قبل حكوماتهم، أو تدشين محكمة دولية لمقاضاتهم بموافقة بلدانهم، لكن غالبية الحكومات، خصوصاً الدول الأوروبية، ترفض استعادة مواطنيها. وكانت مفوضية الاتحاد الأوروبي، قامت بعمل مشاريع لبناء مراكز نفسية وتأهيلية داخل المخيم، كمحاولة أولية لوضع مواطني الدول الأجنبية والعربية أمام اختبارات قبل استعادتهم.

وقام ديفيد براونشتاين، نائب المبعوث الأميركي الخاص بالملف السوري، بعقد خمسة اجتماعات منذ تسلم الرئيس الأميركي، جو بايدن، مع دائرة العلاقات الخارجية. لمناقشة القضايا الأمنية، وعلى وجه الخصوص الوضع في مخيم الهول ومراكز الاحتجاز والسجون.

-كيف ترى الوضع السياسي المأزوم في سوريا وانسدادته أمام التنافس الروسي الأمريكي؟

*سوريا مرشحة للانقسام ولن تعود كما كانت قبل عشر سنوات إلا من خلال مجلس حكم انتقالي وديمقراطي قادر على تمثيل كافة المكونات السياسية والمجتمعية في سوريا، وبالتالي، استعادة طرف منشق من نظام الأسد، مثل رياض حجاب ومحاولة فرضه، باعتباره كادراً سياسياً يمكن أن تصطف حوله المعارضة، وهو لا يبدو من وجهة نظري أمراً معقولاً أو مرضياً للشعب السوري، الذي خرج يطالب بالحرية والعدالة الاجتماعية، والآن يدفع أثمان تنافس اللاعبين الإقليميين داخل سوريا وصراعاتهم، وفي كل الأحوال لابد من توافق روسي أمريكي لحل النزاع السوري.

والأخطر من وجهة نظري هو التواجد التركي، ومصر هي الدولة المرشحة لمنع أنقرة من تخطّي الخطوط الحمراء في سوريا، كما فعلت في ليبيا، فهي الدولة التي تمثّل قلب العروبة، وتستطيع من خلال نفوذها وأهميتها الجيوسياسية أن تتصدّى لخروقات أنقرة وطهران وغيرهما. وبطبيعة الحال، يمكن لمصر أن تتصدّى لمشاريع القوى المختلفة التي تسعى نحو تقسيم سوريا وفرض هيمنتها لتحقيق مصالحها الإقليمية،  وتستعيد كذلك دمشق وكل سوريا إلى المحيط العربي عوضاً عن واقع الاحتلالات القائم والذي يمزّق النسيج السوري. ومرة أخرى، نحن بحاجة إلى توافق سوري سوري لحل الشتات داخل المعارضة بجانب توافق روسي أمريكي.

المصدر: ليفانت