مدير قسم الشرق الأوسط في “منظمة دعم الشعوب المهددة” كمال سيدو: الأقليات في سورية تعيش اضطهادا ووضعا صعبا بسبب بطش السلطات والتنظيمات المتطرفة.. والهجرة والتوطين خطر على الأقليات الدينية والقومية

48

تتميّز سورية بتنوّع الطوائف والأعراق والقوميات والتعايش فيما بينها قرونا متتالية، وبرغم أن دستورها الذي بات غير معترف به ينصّ على أن سورية دولة علمانية ويسود فيها النظام الاشتراكي، إلا أن هناك تخوّفا بعد سطوة التنظيمات المتطرفة على تلك الأقليات التي باتت تعيش تهديدا حقيقيا، وتتّهم جهات كثيرة النظام السوري باللعب متعمّدا على وتر خشية الشعب من اندلاع المواجهات الطائفية.
ويرى الدكتور كمال سيدو، مدير قسم الشرق الأوسط في “منظمة دعم الشعوب المهددة”، في حوار مع المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن الأقليات في سورية تعيش اضطهادا من السلطة منذ الاستقلال، داعيا إلى إيلاء أهمية للأقليات التي تعيش ظروفا صعبة وتعاني من بطش السلطات وقهر التنظيمات المتطرفة في المنطقة ككل .
س-هل من الممكن أن ترسم لنا صورة عن أهم الأقلّيات الموجودة داخل سورية؟ وكيف تعيش في تعاملها مع بقية مكونات المجتمع السوري منذ مئات السنين؟
ج- سورية بلد متعدد القوميات والأديان، إذا أخذنا عدد السكان من الأقليات القومية والدينية فهم نصف سكان البلد، وسورية الدولة الأكثر تعقيداً من الناحية الطائفية والعرقية في سائر أنحاء الشرق الأوسط، فهناك المسلمون والمسيحيون والعلويون والدروز والإسماعيليون والأكراد وغيرهم من الطوائف والعرقيات، وقد كانت وضعية هؤلاء في سورية مختلفة جدا وتختلف من فترة إلى أخرى.. كانت هناك فترات تعايشت فيها بسلام وتسامح تخلّلتها فترات من الاضطهاد القومي والديني الذي ازداد في ظل الأنظمة الديكتاتورية، ومنذ انقلاب البعثيين في أذار -مارس1963 بدأت الأوضاع تسوء من ناحية الاضطهاد القومي والديني وخاصة ضدّ الأكراد ، فكانت تحت الانتداب الفرنسي صحافة كردية في سورية ولكن مع بداية الاستقلال منعت الصحافة الكردية من العمل والإصدار وكانت اللغة الكردية ممنوعة ولم تكن هناك أية مدرسة كردية حتى 2011 مع بداية الأزمة السورية، حيث شهدت عفرين أول جامعة كردية في تاريخ سورية وتم تدميرها بعد احتلال منطقة عفرين في شمال غربي سورية من قبل الجيش التركي والفصائل “الإسلامية” السورية .
-صحيح أن أغلبية الشعب السوري من السنّة لكن على الأغلبية أن تتأقلم مع الأقليات وتتعايش معها بسلام وعلى الأقليات التأقلم مع هذا الوضع الجديد خاصة بعد ازدياد الإسلام السني تطرفا بعد الثورة السورية تحت تأثير تركيا وقطر، وماتعيشه إدلب في ظل سيطرة الأتراك والفصائل المسلحة المتطرفة أكبر دليل على ذلك، حيث لايمكن لمسيحي واحد أن يعيش في تلك المناطق.

س-كيف تعامل النظام السوري منذ الاستقلال إلى الآن مع هذه الأقليات على المستوى التشريعي والاقتصادي والديني؟
ج-هناك تفرقة ضدّ الأقليات الدينية والقومية منذ الاستقلال بل منذ بداية تكوّن الدولة السورية على المستوى التشريعي والاقتصادي والديني، حيث كان هناك حق للمسيحيين في ممارسة طقوسهم الدينية وكانت هناك مدارس لهم، في حين لم تكن للايزيديين أي مدارس، لكنها ظهرت في مناطق الإدارة الذاتية بعد 2011.. وللتخلص من الإضطهاد يجب تغيير الدستور السوري ليتضمن حقوقا أوسع للأقليات وتنصيصا على تغيير وضعهم أمام القانون بنفس مستوى الأغلبية، ويجب التعامل معهم بنفس المعاملة بعيدا عن العنصرية المقيتة والتفرقة والتمييز.

س-هل أثرت الحرب والأوضاع الحالية في سورية منذ 2011 على وضع الأقليات وحقوقها وممارساتها؟
ج-تعيش الأقليات في سورية اضطهادا يسلط عليها من قبل عدة أطراف خاصة بعد حرب 2011 التي كان لها تأثير سلبي على الوجود على الأراضي السورية على غرار تنظيم “الإخوان المسلمين” و كذلك المجموعات الاسلامية وخاصة السنّة التي ازدادت تطرفا حيال العلويّين والمسيحيين والأقليات القومية كالكرد مثلا.
-بعد الحرب السورية أصبح هناك تطرف كبير تجاه الكرد خاصة في مناطق إدلب وأيضا تجاه سكان الغوطة إلى درجة تهجيرهم إلى الشمال السوري من قبل النظام إضافة إلى أنهم يزدادون تطرفا تحت تأثير النظام التركي حيث يعانون من التمييز العنصري والإقصاء .
– ويطالب الحقوقيون بحماية هذه الأقليات حيث يجب أن تكون لهم نفس الحقوق و الواجبات واعتبارهم مواطنين من الدرجة الأولى أمام القانون، كما يجب محاسبة التمييز العنصري والتطرف الديني، وعي مهمة إنسانية تنهض بها-من بين منظمات عديدة- جمعية الدفاع عن الشعوب المهددة، وهي جمعية حقوقية سياسية ألمانية تدافع عن الأقليات الدينية والقومية في العالم .
س-ألا يعتبر النظر إلى الأقليات على أنها ليست جزءً فاعلا في أي مجتمع هو بمثابة العنصرية المقيتة والتعصّب الديني أو القومي؟
ج-نعم هي نظرة موجودة وفيها دونية وظلم، يجب أن تكون للأقليات حقوق وواجبات متساوية مع غيرهم، ويجب اعتبار الأقليات مواطنين من الدرجة الأولى أمام القانون والحفاظ على حرية الأديان فضلا عن أهمية احترام حرية اللغة لدى الأقليات القومية، ومكافحة التمييز العنصري لضمان التعايش في وئام وتضامن بين جميع مكونات المجتمع وأطيافه.
س-باعتبارك مهتما بشؤون الهجرة أيضا،هل هناك علاقة بين الهجرة و عمليات الاضطهاد التي قد تطال الأقليات أم إن الظاهرة تعم الجميع، وهل تساهم في ضياع الهوية؟
ج- تمثل الهجرة والتوطين خطرا على الأقليات الدينية والقومية فتهجير العلويين والكرد من عفرين إلى مناطق أخرى وتوطين مسلمين سنة سيؤثر على الهوية القومية الكردية في المنطقة، فعفرين على سبيل المثال كانت منطقة كردية بنسبة 96 بالمائة أما الآن فالوجود الكردي في المنطقة انخفض إلى نسبة أقل من 30 بالمائة وهو ما يبين بصفة واضحة الاضطهاد الذي تتعرض له الأقليات في سورية.
س-ما مدى أهمية الحوار بين الحضارات، بوصفه الطريق الأمثل لتحقيق التفاهم والتعايش السلمي بين الشعوب ولتجنب الحروب والصراعات ومواجهة التعصب، وكيف يمكن للإعلام نقل الحقائق وإزالة المفاهيم الخاطئة لتعزيز فرص التعاون بين الثقافات المختلفة، ومد الجسور، واحترام الهويات الثقافية الحضارية المتنوعة؟
ج- تاريخيا كان هناك حوار مباشر وغير مباشر بين الحضارات حيث تتأثر الحضارات فيما بينها وبصفة خاصة نتحدث عن الشعوب التي تمركزت في الشرق الأوسط كالأتراك وتأثرهم بالحضارات السابقة كالحضارة الأرامية والسريانية والآشورية والكردية وغيرها، فالأتراك الموجودون في تركيا الآن هم غير الأتراك الموجودين في آسيا الوسطى،إلا أن التواصل بين الحضارات يستمر حتى في ظروف الحرب وهو ما يمكننا من خلاله التأكيد على مدى عدم شرعية الممارسات التي تتعرض لها الأقليات برغم أن هناك دولا حاكمة على غرار تركيا تستعمل ورقة الدين الإسلامي لاضطهاد غير المسلمين وتقوية الدولة القومية التركية، لذلك لايمكن الحديث عن التعايش أو عن سلم بين الشعوب، وتأسيسا على ذلك وجب الإلتزام بكل المواثيق الدولية للقضاء على العنصرية والاضطهاد، تجسيدا لكرامة الإنسان وحريته.