مدير منظمة القانون من أجل سورية الحقوقي حسان الأسود: تريد تركيا تصدير أزمتها الداخلية من خلال افتعال حرب خارجية.. والائتلاف أصبح منصة تركية بالكامل

47

تطّلعُ وتتحدثُ مختلف الأطراف المتحاربة في سورية على مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ولا أحد يطبّقها ويحترمها، حيث باتت سورية مسرحا للجريمة ولارتكاب الانتهاكات والتجاوزات الخطيرة بعد أن ضرب منتهكو حقوق الإنسان بالقوانين الدولية عرض الحائط، في بلد يخضع لحكم “الرجل الواحد والحزب الواحد” منذ عقود من الزمن.

ويجدّد المرصد السوري لحقوق الإنسان مطالباته بدعمه في حملات المناصرة لحقوق الإنسان التي أطلقها سيما بعد الأرقام المهولة والخطيرة التي تؤكّد مأساوية الوضع الإنساني في سورية.

وقال المحامي حسان الأسود، مدير منظمة القانون من أجل سورية، في حوار مع المرصد السوري لحقوق الإنسان، أنّ إيقاف إنتهاكات حقوق الإنسان في سورية يتطلّب إزالة الأسباب التي أدّت لوقوعها أي إزالة نظام بشار الأسد والانتقال إلى نظام سياسي ديمقراطي جديد.

س-ما تقييمكم لوضع النساء في الجنوب السوري، هل هن غائبات عن تأدية دورهن الاجتماعي والسياسي والحقوقي أم مغيبات؟

ج- في الإجابة على هذا السؤال يصح القول إنهنّ مغيّبات، فمن جهة أولى سبّب تراكم الإهمال بحق النساء منذ عقود طويلة إثر حكم حزب البعث، ومن ثم مع تكريس الديكتاتورية الفردية في عهد حافظ الأسد ومن بعده وريثه ابنه بشار، إقصاءً واضحاً لهنّ من المشاركة في الشأن العام وفي المجالات الاجتماعية حتى. لقد كانت النساء، كما كان الرجال، في الحياة السياسية والاجتماعية مجرّد ديكورات لا قيمة لها خلال هذه العقود الطوال، باعتبار أنّ الحاكم الفعلي هو أجهزة مخابرات الأسد وابنه.

ومن جهة ثانية، سبّب افتقار المنطقة لفرص توطين الكفاءات الحقيقية، فقرب المحافظات الجنوبية الثلاث (درعا، السويداء والقنيطرة) من العاصمة، وسبّب نظام المركزية شديد التركيز، وتعمّد نظام الحكم تهميش الأطراف، كلّ هذه العوامل وغيرها،سببت دوراً في استقطاب النساء المتميزات، كما الرجال، إلى المركز.

س-هل يشكو الجنوب السوري من صراع على الهوية ؟

ج- الهُويّة منتج غير نهائي، وهو شيء متطوّر باستمرار، ويمكن أن يشهد في لحظات الحروب والأزمات والثورات شيئاً من إعادة التشكّل والتكوين. والجنوب يشهد صراعاً دولياً لبسط النفوذ بين عدّة محاور، ودول، إسرائيل، الأردن، أميركا، روسيا، إيران والنظام، وهذا يخلق بدوره تشتتاً في البنى السياسية والولاءات، ويؤثر بشكل أو بآخر على البنى الاجتماعية، وبالتالي على الهويات المحلية.

س-بات مصير الآلاف من المعتقلين مجهولاً خاصة مع ضعف اللجان الدولية في حلحلة هذا الملف الشائك، هل بتنا اليوم نتحدث عن اختفاء تام لا إعتقال لمدة زمنية محددة، وأين المجتمع الدولي؟

ج- لا يمكن الحديث هنا عن أي دور للمجتمع الدولي في قضية المعتقلين والمختفين قسرياً والمغيّبين، فالملف معقد وكبير وخطير للغاية، فنظام الأسد يستخدمه ورقة ابتزاز للشعب السوري من جهة، وللمجتمع الدولي من جهة ثانية، ومع انعدام الإرادة الحقيقية للدول الكبرى في إنهاء الأزمة السورية من جذورها، والتي هي أزمة سياسية بالدرجة الأولى، لن يكون هناك أي حلحلة في هذا الملف.

يُضاف إلى ذلك أنّ ملف المعتقلين والمغيبين والمفقودين يخدم الدول المتورطة في الصراع السوري، فكثير منها إن لم نقل جميعها تخشى من يوم انكشاف الحقائق وظهور حجم جرائم الحرب التي شاركت قواتها بها بشكل أو بآخر. بمعنى أنّ بقاء الملف مفتوحاً يجعل من السهل اتهام الجميع بالجرائم دون اتهام أحد معيّن، ودون الولوج في ملاحقة للجناة والمسؤولين.

س-المرأة السورية بدورها كانت ضحية الحرب والاعتقال القسري التعسفي، كيف يمكن رد الاعتبار للنساء اللواتي وجدن أنفسهن وحيدات ثكالى يتيمات مغيبات مقصيات؟

ج- يبدأ ردّ الاعتبار أولاً بإزالة الأسباب التي أدّت لوقوع هذه الانتهاكات وارتكابها، أي بإزالة نظام الأسد الديكتاتوري والانتقال إلى نظام سياسي ديمقراطي جديد. ثم يجب البدء بتطبيق برنامج متكامل للعدالة الانتقالية، يضع في الجوهر منه وفي الأساس مصلحة الضحايا واعتباراتهم، ويرفع صوتهم عالياً، ومن بين أوائل الضحايا النساء والفئات المهمشة الأخرى. ثم يأتي الإقرار السياسي بضرورة إشراك النساء في الشأن العام بشكل حقيقي فاعل وعلى أساس الكفاءات، مع تأمين الأسس المستدامة لرفع مستويات التأهيل والإعداد لهنّ. وبغير ذلك نبقى ننفخ في قربة مقطوعة.

س-صنفت سورية كأسوأ بلد من الممكن العيش فيه، هل ظلم التصنيف دمشق؟؟

ج- أبداً، لا يمكن تصوّر بلدٍ في العالم بسوء العيش وتدنّي مستويات الأمان والطمأنينة والاحترام والكرامة البشرية من سوريا ومن دمشق بالأخص، فالرعب القابع هناك غول يفترس البشر ويطحن عظامهم، والفقر المدقع والخوف من أي شيء وكل شيء يجعل منها جحيماً لا يطاق.

س-تهديدات تركية جدية لشن عملية عسكرية في الشمال السوري، ماذا تريد أنقرة التي تعيش أزمة اقتصادية خانقة من وراء فتح جبهة جديدة في سورية؟

ج- تريد تركيا تصدير أزمتها الداخلية من خلال افتعال حرب خارجية، والسبب الرئيس هو طموح حزب العدالة والتنمية والرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالفوز في الانتخابات الرئاسية القادمة عام 2023.

يقدّم بعض السوريين الأكراد، مع الأسف، مبرراً للأتراك، فقوات سوريا الديمقراطية، والإدارة الذاتية ترفض حتى اللحظة فك الارتباط مع حرب العمال الكردستاني التركي، المصنف منظمة إرهابية في تركيا، وهذا يخلق مبرراً للأتراك لمهاجمة سورية.

ومن ناحية ثاني، هناك العديد من القوى السورية المنبطحة تحت أقدام الأتراك بحجّة حماية المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وهذا يعني أنّ السوريين يقدمون للأتراك مبررات ما أنزل الله بها من سلطان لاحتلال بلدهم. مع ملاحظة أنّ التفريق بين ما قدمته تركيا للسوريين لا يمكن مقارنته بالإجرام الإيراني والروسي وما ارتكباه بحق السوريين.

س- في نفس الإطار، هل تتوقعون انتفاضة من الائتلاف المعارض الذي يتخذ من تركيا مقراً له، ولماذا لم يتحرك لإيقاف استفزازات تركيا؟

ج- لا يمكن توقّع أي ردّ فعل وطني من الائتلاف، فهو أصبح الآن منصة تركية بالكامل، ولا يمكن لأعضائه الخروج عن أوامر ومصالح مشغليهم.

س- أخيرا ، كيف السبيل لسورية حرة ديمقراطية تعددية دون تدخلات أجنبية وعنف وفوضى وانتهاكات لحقوق الانسان؟

ج-هذا سؤال القرن، لكن إجابته بسيطة وتكمن في الانتقال السياسي والخلاص من حكم بشار الأسد، أما السبيل إلى تحقيق ذلك فهو بحاجة لتوافق دولي وإقليمي من جهة، ولإعادة بناء جبهة معارضة وطنية سورية جديدة من جهة ثانية.