مروان العش: ملف المعتقلين “فوق تفاوضي”.. والمعارضة لم تلتقط  فرص سابقة لحلحلة الملف

226

كثرت الجهود والمطالبات والمناشدات الدولية لكشف مصير الآلاف من المعتقلين والمغيبين قسريا منذ2011 وقبل هذا الموعد، حيث لا تعرف آلاف العائلات السورية مصير أبنائها إن كانوا على قيد الحياة أو قد وافتهم المنية في ظروف غامضة ، لكن تلك المحاولات ظلّت مرتبطة بفشل القرارات الدولية التي لم تنجح في بلوغ الحلّ السياسي وإنهاء المأساة المستمرة، فبرغم المبادرات التي قامت بها المنظمات الحقوقية السورية بقي ملف الاعتقال التعسفي والمعتقلين من أكثر الملفات تلاعبا من قبل عديد الأطراف. 

ولم يكن ملف الاعتقال – برغم أهميته القصوى- ملفا “فوق تفاوضي” يوما، بل كان ملفا للمراوغة والمتاجرة في بعض الأحيان.
ويرى مروان العش،المعتقل سابق، أمين سرّ اللجنة السورية للمعتقلين، في حوار مع المرصد السوري لحقوق الإنسان، أنّ النظام السوري يعتقد أن ملف المعتقلين ورقة مساومة وضغط لمباحثات قادمة، وهو موقف تتقاسمه معه أطراف أخرى ، لافتا إلى أن المعارضة السورية لم تستفد في ظروف سابقة من عديد الفرص التي كان من الممكن أن تحدث تغييرات كثيرة إيجابية.

س-إلى أين وصل ملف المعتقلين السياسيين، ما الجديد في الملف؟

ج – لايزال ملف المعتقلين والمعتقلات السوريين مغيباً قصداً من أطراف فاعلة بالملف السوري ( روسيا خصوصاً وحلفاء النظام )، ولا تزال المعارضة السورية للأسف لا تستمع لنداءات السوريين والأحرار بوقف أي تواصل سياسي أو غيره مع أي طرف قبل وضع ملف المعتقلين أولا.
-النظام السوري يعتقد أن ملف المعتقلين ورقة مساومة وضغط لمباحثات قادمة، وهو  المسؤول المباشر قانوناً حين اعتقل السوريين بأعداد غفيرة تجاوزت مليونا ومائتي ألف، وإلى غاية اليوم ظل في سجونه معتقلين ومعتقلات برقم يتجاوز 300.000 ألف معتقل ومختفٍ قسريا ومختطف، منهم (7122 امرأة و 437 طفلا دون العاشرة منذ آذار مارس2011).

وقد وثقت المنظمات الدولية والسورية، إلى اليوم، 152.324 حالة اعتقال وإخفاء قسري وموت بالمعتقلات، بمعلومات كاملة.
فقضية المعتقلين والمعتقلات السوريين ملف إنساني أولاً و”فوق تفاوضي” وفق قرارات مؤتمر جنيف للقضية السورية 2012 وتوصياته، ووفق القرار الأممي 2254 لعام 2015 الذي ركز على قضية المعتقلين والمعتقلات لأهميتها في الصراع السوري،  وتم إدراجها في بند أولي مع باقي حزمة البنود لحل القضية السورية.
-للأسف، الدول التي تدعي دفاعها عن حقوق الإنسان لا تفعل الكثير سوى الإدانات والبيانات رفعاً للعتب، والمنظمات الدولية لحقوق الإنسان تفعل ما في وسعها من مطالبات وتوثيق ودعاوى في أوروبا ضد مجرمي النظام السوري، وحالات دعاوى شخصية (كمحاكمة ضابط الأمن السوري السابق أنور رسلان والطبيب السابق بأجهزة النظام علاء موسى) وغيرها من دعاوى قائمة ضد كل القوى التي ظهرت على الساحة السورية ومارست العنف والجرائم ضد الإنسانية من مختلف الفصائل والتيارات الراديكالية.
-فُتحت نافذة للسوريين منذ 2019 عبر السماح في بعض الدول الأوروبية الموقعة على بروتوكول الولاية العالمية للقضاء المحلي، برفع دعاوى بشأن الجرائم ضد الإنسانية التي ارتُكبت  في سورية، وتمت ملاحقة عسكريين سوريين سابقين من النظام وأمنيين توفرت ادعاءات شخصية ضدهم ووثائق وشهادات مباشرة من سوريين تضرروا على أيدي هؤلاء، حيث تقام حاليا في أوروبا ثماني دعاوى في ( ألمانيا – النمسا – سويسرا – السويد – بلجيكا وغيرها …) ضد مجرمي الحرب وممارسي التعذيب والانتهاكات الجنسية والقتل في سورية منذ 2011 وإلى اليوم، حيث لاتزال الانتهاكات ضد الإنسان السوري تمارس من قبل  النظام وجيشه وميليشياته ( الدفاع الوطني – كتائب البعث – قوات الدعم لأجهزة المخابرات السورية بتصنيفاتها العديدة) وحلفائه من الإيرانيين (الحرس الثوري وميليشيا حزب الله اللبناني، وقوات الحشد الشعبي الشيعي العراقي بفصائله العديدة التي بلغت 16 فصيلا بغطاء ديني )، إلى جانب ميليشيات أخرى ( ميليشيا الحرس القومي العربي التي يقودها قوميون تونسيون ولبنانيون وفلسطينيون) ومن بقايا تنظيم”داعش”  الإجرامي، ومن “جبهة النصرة” وفلول تنظيم “القاعدة”، ومن منظمة قوات سوريا الديمقراطية الكردية ( قسد ) وأذرعها العسكرية والأمنية ومن فصائل عسكرية سورية شمال غربي سورية كـ”الجيش الوطني” وقواته.
كل هذا الخليط غير المتجانس يمارس عنفه وقمعه واعتقاله وخطفه وتغييبه للمدنيين رجالا ونساءً، شبابا وأطفالا، ولا رقيب ولاحسيب إلى اليوم.

 

س-عديدة هي الالتزامات  التي قدّمها نظام بشار الأسد  بشأن ملف المعتقلين لإطلاق سراح البعض أو كشف مصير المغيبين.. هل وفى بعهوده ولو جزئيا ؟.. وفي ظلّ تواصل  الصراع  هل من الممكن حدوث أي تقدّم جدّي في معالجة هذا الملف الشائك ، خاصّة مع الصمت الدولي وغياب الضغوط الدولية الحقيقية لإجبار النظام وحلفائه والمعارضة على الامتثال للقرارات الدولية في هذا الإطار ؟

 

ج-منذ اندلاع الثورة السورية ومطالب السوريين بالحرية والعدالة والمساواة مستمرّة، كان الجواب من مارس/ آذار 2011  وإلى اليوم، هو العنف والاعتقال كسياسة ممنهجة للنظام لبث الرعب والخوف في أوساط الشعب، ولكن الشعب خرج سلميا لفترة طويلة حتى نهاية 2011 وكان عنف أجهزة النظام ورفع جرعته سبباً أصلياً في التحول نحو العنف المضاد من الشعب والثوار.. كان بإمكان بشار الأسد أو مسؤوليه التفاوض مع الشعب وممثلي الثوار على المطالب العادلة والمنطقية والضرورية “حرية -عدالة -أمان ودولة مواطنة وقانون” ولكنه اختار الحل العسكري العنفي والذراع الأمنية المخابراتية لاعتقال كل مناوئيه السلميين طوال 2011 قبل التحولات نحو المواجهة، وإفراغ الساحة السورية من النشطاء السلميين والإغاثيين والإعلاميين عبر الاعتقال والقتل والإرهاب لعائلاتهم ليطلع برواية أنه يواجه إرهابيين !

-لم يتقدم نظام الأسد بأي خطوة جدية تجاه أي التزام سياسي أو مطلبي أو إصلاحي للشعب.. بقيت خطابات تحريضية وجوفاء وهزيلة لتحريض السوريين على بعضهم، وقال إنه يريد مجتمعا سوريا جديد متجانس، أي وفق النمط النازي، وإقصاء كل مناوئ له ووصمه بالإرهاب ووصف الشعب الثائر بالجراثيم!

-كنا منذ 2012 نعوّل على قرارات جنيف 2012 والقرار 2254 لعام 2015 الذي وضع أسسا لحل المقتلة السورية ووقفها وإنهاء العنف بأربعة بنود أولية، وإقامة هيئة حكم انتقالي لا طائفي بكامل الصلاحيات بين السلطة والمعارضة وبدون بقاء بشار الأسد في السلطة، وتهربت روسيا والصين وحلفاؤهما من تنفيذ القرار الأممي وإلى غاية اليوم عبر 16 فيتو روسي/ صيني ضد أية إجراءات ضد النظام وحتى ضد استعماله الغازاتِ الكيماوية  عدة مرات ( الغوطة – خان شيخون – دوما – الأتارب وغيرها) ضد المدنيين..  تم الإكتفاء بإجراءات شكلية، ولا ضغوط حقيقة من الدول على النظام لتنفيذ استحقاقات معاهدات وقرارات دولية سبق ووقّع عليها كاتفاقية منع التعذيب، وحماية الطفولة وحماية المرأة.

س-ما هي المعايير والشروط التي وجب بلورتها  لحلحلة ملف المعتقلين؟..  وكيف يمكن إجبار مختلف الأطراف على الامتثال للقوانين الدولية ؟

 

ج-للأسف لا معايير أو شروط يُلزم بها الطغاة من أي طرف كان.. يناورون ويكذبون ويلفقون حتى آخر ساعة على الكرسي، وقضية المعتقلين السوريين أصبحت شائكة وفضيحة القرن 21، الأرقام مرعبة للقتلى في المعتقلات والمختفين قسراً.

 

– تحريك ملف المعتقلين يعتمد على ضغط المنظمات الحقوقية والإنسانية على الدول الموقعة على المواثيق والشرعة الدولية لحقوق الإنسان .. الضغط في أي مؤتمر أو منتدى دولي على النظام السوري وداعميه ( روسيا – الصين – إيران – الهند – فنزويلا وغيرهم ) للاعتراف بمأساة وفظاعة قضية الاعتقال في سورية، وما تسرَّبَ من صور معتقلين (صور المنشق قيصر)  قتلهم النظام بأشد الظروف بؤسا وتجويعا وتعذيبا ثم دفن جماعي مجهول المكان، إلا عينة من 6682 جثة معتقل بـ 55 ألف صورة  عُرضت على الأمم المتحدة بعد توثيقها والتأكد منها وتسجيلها في أهم منصات المعاهد الجنائية الدولية . كل هذا لم يحرك النظام السوري للإجابة عن أسئلة واستحقاقات هذا الملف،  ولا أية نوايا أو رسائل من النظام وحلفائه لحل هذه القضية الإنسانية.

س- هل فشلت المعارضة في بذل جهودها لحلّ ملف المعتقلين، وكيف يمكن اليوم تجاوز هذا الفشل وهل لديها أوراق ضغط؟

 

ج-للأسف، المعارضة السورية لم تستفد من ظروف سابقة كانت أفضل من حيث أصدقاء الشعب السوري، فضلا عن الزخم والحيز الذي حجزته القضية والمقتلة السورية، وتراجع الأمر الآن كثيراً، وبرغم جهود منظمات سورية أهلية و قوى شعبية أفراداً ومجموعات تعمل على ملف المعتقلين والمعتقلات توثيق وأرشفة بيانات وقضايا ضد مجرمي الحرب السورية إلا أن النتائج خجولة إلى اليوم، ونعول على الضغوط الدولية لإحالة القضية السورية إلى محكمة الجنايات الدولية رغم عدم توقيع النظام السوري على ميثاق روما، بل توجد أقنية أخرى ممكنة على غرار دعوة دولية إلى إقامة محكمة خاصة بشأن جرائم الحرب في سورية وعلى رأسها ملف الاعتقال والتعذيب واختفاء مئات الآلاف  إلى اليوم .

 

-نُعول على جهود السوريين والسوريات بوجودهم بكل الدول للقيام بفعاليات ونشاطات تحض السياسيين  والبرلمانيين وقوى الحرية والسلام بأوروبا وأمريكا وكندا على ضرورة إيجاد حل عادل ومنصف للسوريين بعد هذا الرقم المفجع من التضحيات والضحايا، والالتزام بمحاسبة مجرمي الحرب ومنتهكي حقوق الإنسان في سورية  من أي طرف أو جهة كانت.

س- يشهد ملف حقوق الإنسان في سورية انتهاكات جسيمة تضرّر منها المدنيون بصفة أساسية..  كيف يمكن للمنظمات الإنسانية مساعدة المجتمع الدولي على اتخاذ أي موقف لمحاسبة مرتكبي هذه الجرائم؟

 

ج-المساعدة المطلوبة هي حفظ وتوثيق كل مستندات وشهادات الشهود أمام المحاكم الأوروبية أولا، ومساعدتنا في إقامة دعاوى ضد من يثبت وتتوفر قرائن إدانته مَن خرج مِن سورية أو مَن لايزال هناك، علاوة على التحرك في مجلس حقوق الإنسان والمنظمات الحقوقية الدولية للضغط على الحكومات لعدم السماح بإعادة تأهيل النظام السوري بعد هذه المقتلة ووقف أي تعاون مستقبلي معه، وتطبيق قانون قيصر بصرامة حتى يمتثل النظام لمطالب حقوق الإنسان والشعب السوري وبدء عملية الإنتقال السياسي وفق القرار الأممي 2254 لعام 2015.

 

س-بعد 10 سنوات  وأكثر من المعاناة والمأساة، ماذا تقول لأهالي المعتقلين والمغيبين؟

 

ج-مطالب الحرية للأسف تتطلب ضحايا، والشعب السوري طالب بالحرية والعدالة والكرامة ودفع الثمن غاليا: 300 ألف معتقل ومختف ومخطوف، ومليون قتيل ومصاب، وتهجير 7 ملايين سوري خارج بلادهم ، ونزوح 6 ملايين سوري من مدنهم وقراهم إلى أماكن خارج موطنهم مكرهين بسبب الحرب والقتل، كل هذا لم يشفع للسوريين إلى اليوم ببدء عملية تحول ديمقراطي نحو دولة المواطنة.. ونحن مستمرون في نضالنا وثباتنا حتى تحقيق مطالب السوريين الذين خرجوا يوم 15 مارس/آذار عام 2011 لإعلانها.