مسن مسيحي في جسر الشغور يروي لـ”المرصد السوري” معانات أبناء ديانته في إدلب الخاضعة لنفوذ هيئة تحرير الشام

47

 

تبسط هيئة تحرير الشام والفصائل في الوقت الراهن، سيطرتها الكاملة على محافظة إدلب والأرياف المتصلة بها، وذلك بعد تمكن الفصائل المعارضة والجماعات الجهادية من طرد قوات النظام قبل سنوات، الذي تزامن مع هجرة آلاف المواطنين من الطوائف غير السنة، وأتباع الديانة المسيحية على وجه الخصوص، تاركين من خلفهم ممتلكاتهم ومزارعهم، حيث وضعت “تحرير الشام” يدها على ممتلكاتهم بشكل كامل ومارست التضييق على من تبقى من هؤلاء.
( س.م) وهو مسن يبلغ من العمر 70 عاماً، من أهالي قرية اليعقوبية في ريف إدلب الغربي، وهو أحد أبناء الديانة المسيحية، يتحدث خلال شهادته لـ”المرصد السوري” عن سوء أوضاع المسيحيين في المنطقة، وتهميشهم من قبل المنظمات الإنسانية، يقول: أن غالبية منازل المسيحيين في قرى ريف إدلب الغربي يقطنها نازحون ومهجرون، بعد مصادرتها من قبل هيئة تحرير الشام التي تأخذ عائداتها بشكل شهري من تلك الممتلكات المصادرة، ومن بينها منزل لأحد اقاربه الذي لجأ إلى تركيا مطلع العام 2017، وتقوم “حكومة الإنقاذ” باستلام مبلغ شهري من مستأجره قدره 200 ليرة تركي.
ويؤكد السيد ( س.م) أن هناك تعتيم إعلامي مقصود، وتهميش من قبل المؤسسات المدنية العاملة في المنطقة بما فيها المجالس المحلية التابعة لـ”حكومة الإنقاذ”، نافيًا وجود مشاريع في القرى التي يتواجد فيها أبناء ديانته، مثل مشاريع صحية وخدمية، دون أن تقدم المنظمات الإنسانية سلال غذائية لهم، إضافة إلى ذلك عدم وجود من يمثلهم في المؤسسات المدنية.
ويختم حديثه قائلاً:  أن لديه ثلاثة أبناء هاجر اثنين منهم خارج البلاد وبقي أحدهم معه، وأن غالبية السكان يعتمدون على زراعة أشجار الزيتون كمصدر دخل لهم، ويعانون ظروف معيشية قاسية نتيجة لعدم وجود اهتمام بهم.
مصادر “المرصد السوري” أكدت أن أعداد المسيحيين في منطقة إدلب وريفها قبيل سيطرة الفصائل عليها، ومصادرة ممتلكاتهم من قبل “هيئة تحرير الشام، كما رصد أيضاً أحوال من تبقى منهم حالياً وأعدادهم: إذ أن تعداد المدنيين من أبناء الديانة المسيحية في منطقة إدلب وريفها قبل عام 2015 كان يقدر بنحو 20 ألف نسمة، موزعين على عدد من المدن والقرى والبلدات في الريف الغربي، إضافة لإدلب المدينة، قبل أن يبدأوا بالخروج من مناطقهم لخارج سوريا ولمناطق سيطرة النظام، أما حالياً فيتراوح عدد من بقي منهم ما بين 300 إلى  500 نسمة فقط، وغالبيتهم من كبار السن، موزعين على أربع قرى رئيسية في ريف إدلب الغربي، وهي “اليعقوبية” القنية” الغسانية” الجديدة” إضافة لعدد قليل منهم في حي داخل مدينة إدلب، ومدينة جسر الشغور.
 يذكر أن “جيش الفتح” سابقًا، الذي تمكن من السيطرة الكاملة على محافظة إدلب في العام 2015 ، وضم حينها عدة فصائل، وهي، حركة أحرار الشام الإسلامية، هيئة تحرير الشام ( جبهة النصرة سابقاً)، جند الأقصى، جيش السنة، فيلق الشام، لواء الحق، أجناد الشام، جند الأقصى، وصقور الشام، عمد إلى إحصاء الممتلكات، وبدأ بمصادرة بعضها، وسمح لأقارب وأصدقاء البعض من مالكي هذه الممتلكات بتأجيرها وارسال عائداتها الشهرية لهم في مناطق لجوءهم
واستمر هذا الحال حتى العام 2018، حينما تفردت هيئة تحرير الشام بالسيطرة الكاملة على إدلب وريفها بعد معارك خاضتها ضد باقي فصائل المعارضة المسلحة، وانتهت بطرد وانهاء تواجد هذه الفصائل، فعمدت إلى إلغاء عقود التوكيل وعدم السماح بالتصرف بممتلكات المسيحيين من قبل موكليهم من الأقارب والأصدقاء، ومصادرتها والاستيلاء عليها بشكل كامل، وتشمل الممتلكات آلاف المنازل والمحال التجارية والأراضي الزراعية، فبدأت بتأجير هذه العقارات وسرقة عائداتها، ولجأت مؤخراً في العام الفائت 2020 إلى إحداث مكتب يتبع لـ”حكومة الإنقاذ” يسمى مكتب ” أملاك النصارى” حيث يقوم هذا المكتب بالإشراف على تأجير الممتلكات واستلام الأموال، وكتابة العقود مع المستأجرين، ويكتب ضمن العقد ( المالك الأساسي لهذا العقار نصراني متغيب) وهذه الجملة تكتب إلى الآن في جميع العقود، وتقدر المبالغ التي تدخل لخزينة “تحرير الشام” بملايين الدولارات سنوياً.
ولم يتوقف الأمر لدى “هيئة تحرير الشام” عند حد مصادرة ممتلكات المسيحيين اللاجئين والنازحين، بل تعدى ذلك لمزيد من الانتهاكات بحق من بقي منهم، وتتمثل بالتضييق عليهم دينياً، وتهميشهم إعلامياً، فالحي الوحيد في مدينة إدلب يتواجد بداخله كنيسة تعد الوحيدة للمسيحيين في مدينة إدلب، حيث يمنع عليهم قرع أجراسها والاحتفال بالأعياد، فيما يسمح لهم بأداء صلواتهم داخلها بشكل سري، كما يمنع أيضاً على الصحفيين والإعلاميين القيام بأي نشاط إعلامي داخل الحي لنقل صورة معاناتهم، فضلاً عن الأحوال المعيشية الصعبة التي يعاني منها المسيحيين في ريف إدلب الغربي، من غياب الخدمات وشح المساعدات الإنسانية.
وحاولت هيئة تحرير الشام، مؤخراً اهتمامها بالأقليات وبالمسيحيين في مناطق سيطرتها، حيث سمحت لعدد من المسيحيين الاحتفال في عيد رأس السنة الجارية 2021، وبحسب مصادر خاصة لـ”المرصد السوري” فإن تحرير الشام أوكلت بعض النشطاء التابعين لها بتصوير هذه الاحتفالات ونشرها على وسائل التواصل الإجتماعي، بعد دفع مبالغ مالية لهم، في سبيل تحسين صورتها أمام المجتمع الدولي، وسعيها لإزالة تصنيفها من لوائح الإرهاب.