“مشكلة سوريا ليست في دستورها”.. سياسيون سوريون يتحدثون للمرصد السوري عن أسباب فشل اللجنة الدستورية

38

لم تسفر كل اجتماعات الجولات المختلفة من أعمال اللجنة الدستورية السورية، عن إحداث توافق على مضامين دستورية، والتسليم بإدراجها في الدستور الجديد للبلاد، وبرغم كل المحاولات الأممية للدفع قدما بالمفاوضات ، إلا أن المساعي لم تسفر عن نتيجة.

وبعد توقف دام أكثر من عام، عقدت الدول الضامنة لصيغة أستانة هذا الأسبوع، اجتماعها الـ15 في مدينة سوتشي الروسية، وشارك في الاجتماع الرفيع ممثلو الدول الضامنة وهي تركيا وروسيا وإيران، ووفدا النظام والمعارضة، إضافة إلى المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسون، حيث ناقشت الجلسة ملف اللجنة الدستورية السورية.

وتحدث المرصد السوري مع مجموعة من السياسيين السوريين الذين عبّروا عن استيائهم من أعمال اللجنة منذ بدايتها إلى اليوم، حيث لم تحرز أي تقدم أو نجاح، واتفق هؤلاء على أن مشكلة سورية ليست في دستورها بل في النظام.

ويرجع الصحفي والمحلل السياسي ياسر البدوي، في حديث مع المرصد السوري لحقوق الإنسان، ما أسماه بفشل اللجنة الدستورية إلى أسباب عديدة تتعلق بالآلية الدولية والمعارضة والنظام، لكن السبب الأساس للفشل هو تعطيل النظام لعمل اللجنة لأنه لا يقبل بأي تشارك مع المعارضة ويريد الاستمرار في التفرد بالسلطة، وليس في مفهوم النظام رؤية دستور وقوانين تطبق في سورية،لذلك كان يعطل، ومشاركته في أعمال اللجنة لعبة شيطانية ومسايرة الروس .

وأضاف محدثنا أن “المعطل الثاني هو إيران التي لا تريد أي حل وتريد سورية ورقة وساحة دموية ضمن رؤيتها وسيطرتها لقتل السنة وتشيّع أكبر قدر من الناس تحقيقا لأحقاد تاريخية وانتقاما من مسارات تاريخية حيث الانتقام من السعودية لكون الإسلام انطلق من هناك وأنهى سيطرة كسرى والفرس، والانتقام من المسار العثماني الذي حجّمها في التاريخ..

إذن، بقيت اللجنة الدستورية تدور وتعمل في الفراغ ولم تحقق أي تقدم، إضافة إلى إن اللجنة كانت سياسية أكثر منها حقوقية أو قانونية وبدأت الصراعات تتجسد في مسارها والتنافس على التعطيل وهي أساسا التفاف على المسار الدولي للحل وآخره القرار 2254 الذي كان يجب أن يبدأ بهيئة حكم انتقالية تشرف على كتابة الدستور.

ويتابع البدوي:”اللجنة الدستورية مسار خاطئ لابد من وضعه ضمن مسار الحل السياسي ومن هنا تأتي الدعوات إلى الانطلاق من مسار المجلس العسكري الانتقالي ضمن مجلس حكم انتقالي والقرار الدولي لتخليص سورية من النظام وإطلاق حياة سياسية ودستورية”.

بدوره اعتبر المعارض والحقوقي السوري طارق حاج بكري، في حديث مع المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن اللجنة الدستورية لم تولد حتى تحقق نجاحات، لافتا إلى أن مشكلة الشعب السوري ليست في الدستور بل مع النظام القائم الذي يقوده بشار الأسد.

وأوضح الحقوق السوري أن مشكلة سورية ليست دستورا ولكن مشكلتنا في “الحمار الذي أكل الدستور”.. نحن ليس لدينا مشاكل قانونية بل في من تعدى على الدستور والقانون وهو النظام الحالي بعد أن استباح البلاد والعباد وطوّع الدستور لصالحه واستغل الجيش والأمن في قتل العباد وعطّل القانون، ومع ذلك فاللجنة الدستورية في ظل تركيبتها الحالية لا يمكن أن تصل إلى دستور.. يمكن أن تتفق على العموميات أما النقاط الأساسية التي تخص سورية ويمكن أن تصل بالبلد إلى تحقيق الأهداف التي جاءت من أجلها الثورة فلا أظن أنه سيتم التوافق عليها لأن النظام لن يقبل على الإطلاق بالمساس بصلاحيات رئيس الجمهورية أو الانتقاص منها لأنه يريد أن يبقى الأسد على رأس السلطة ويريد دستورا مفصلا على قياسه لأن أي تغيير في الدستور سيسمح بتغيير الأسد.. يعني مقتل هذا الرجل”.

وختم بالقول: “النظام شارك مجبرا في اللجنة الدستورية وتحت الضغط الدولي، و تعليماته واضحة في عدم إقرار أي دستوري سوري نابع من رحم الثورة،باعتبار أن الدستور المقبل سيؤثر على صلاحياته وسيحدّ من توريث الحكم وسيؤدي إلى إجراء اتتخابات شفافة ونزيهة” .

من جهته،اعتبر عضو اللجنة التحضيرية المركزية في مؤتمر القوى الوطنية السورية حسين السيد في حديث مع المرصد، أن”فكرة اللجنة الدستورية في الأصل إيرانية وقد تبناها الروس وساروا فيها لإطالة الوقت لتفريغ القرارات الدولية التي صدرت بشأن القضية السورية من محتواها، وكذلك لمنع عملية الانتقال السياسي في سورية بشكل نهائي وإعادة تعويم وشرعنة مجرم الحرب بشار الأسد من جديد”، لافتا إلى أن الثورة السورية قامت ليس لأجل كتابة دستور أو خلاف على جزئيات وتفاصيل هذا الدستور.

وتابع حسين السيد، “الثورة السورية قامت بسبب تغول أسرة الأسد وعصاباته من الأجهزة الأمنية البوليسية التي لا تقبل المساءلة، وتقتل أو تعتقل كل من يطالب بالتغيير الحقيقي وإنهاء حكم الإستبداد والفساد بصرف النظر عن وجود الدستور من عدمه، فالدولة الأمنية السورية بكل تأكيد ستخرق وستنتهك مواد هذا الدستور الذي يمكن أن يكون رائعاً على الورق كما انتهكت الدساتير والقوانين السابقة التي وضعتها بنفسها من قبل ، ولذلك فالمشكلة السورية لم تكن يوماً مشكلة دستورية، بل هي مشكلة تتعلق بحكم وسيادة القانون وما هي الجهات والمؤسسات التي سستشرف على تطبيقها، ونظام الأسد في سورية اختزل كافة السلطات، فهو رئيس السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية، وهو القائد العام للجيش والقوات المسلحة، وهو الأمين العام للحزب الوحيد الحاكم في سورية، وهو الذي يسيطر بشكل كامل على البرلمان من خلال اختيار أعضائه وتعيينهم من قبل عصاباته الأمنية ..”

ويرى السيد أن” اللّجنة الدستورية ولدت ميتة، ولا حاجة لمن يقوم بتعطيلها، فهي معطلة بذاتها من خلال بنيتها وتركيبتها الأساسية، فقوام وآلية اتخاذ القرار في اللجنة الدستورية غير ممكن، بل وفيه استحالة حيث إنها تتألف من 15 شخصية (يقولون عنها معارضة اختارتها أجهزة الدول المتدخلة في الملف السوري، ولم يختر الشعب السوري منها عضواً واحداً ) و- 15 شخصية (مجتمع مدني منتقى بعناية، 7 منهم رشحهم بشار الأسد)،و 15 شخصية (وفد شبيحة الأسد وموظفيه ومنهم من شارك في جرائم الحرب والإبادة والقتل للشعب السوري)، والعدد الإجمالي يصبح 45 عضوا، ولتمرير أي قرار في هذه اللجنة يحتاج الأمر إلى موافقة 75% من أصوات أعضائها الإجمالي، أي موافقة 34 عضوا من أصل 45، ولو افترضنا أن جميع المعارضين غير مخترقين وهم من أشراف مكة! ومعهم أعضاء المجتمع المدني كله بمن فيهم الأعضاء الذين أختارهم الأسد، سيبقى الأمل معقودا على انشقاق 4 أعضاء من وفد الأسد حتى يصدر قرار واحد في هذه اللجنة لمصلحة الثورة والشعب السوري ! ولذلك اللجنة ومن شكلها ومن سار فيها يدرك تماماً عطالتها من قبل أن تبدأ”.

ويرى مراقبون أن بيدرسون لا يملك خيارات كثيرة حيال خيبة أمله، لأنه لا يزال يعلّق الآمال على الروس والأمريكيين والإيرانيين والأتراك وسواهم، للبحث عن سبل الاستمرار في عمل اللجنة الدستورية التي تعتبرها المعارضة “خطة فاشلة للتغيير”.

وللتذكير ينصّ القرار الأممي 2254 الصادر في 18 ديسمبر 2015، على البدء في مسار سياسي سوري تحت إشراف الأمم المتحدة، من أجل تشكيل هيئة حكم ذات مصداقية، تشمل جميع المكونات، وغير طائفية، واعتماد مسار صياغة دستور جديد لسورية في غضون ستة أشهر، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة على أساس الدستور الجديد في غضون 18 شهراً تحت إشراف الأمم المتحدة، لكن ذلك كله جرى القفز عليه، مقابل اعتماد اللجنة الدستورية بوصفها مخرجا روسياً، يدّعي سياسة الكرملين أنهم اجترحوها من أجل تنفيذ القرار 2254، بينما كانوا يهدفون إلى نسف هذا القرار، وخصوصا نسف تشكيل هيئة الحكم الانتقالي.