معاناة اللاجئات السوريات المتواصلة.. من يوقفها؟

115

لم تكن 11 سنة هيّنة على  النساء اللاجئات السوريات في بلدان اللجوء وعلى النازحات بين المخيّمات البلاستيكية وأخرى شُيّدت من طوب لتقيهن ولو بنسبة ضئيلة من حرّ الصيف وبرد الشتاء، واقع مأساوي رصدناه في أكثر من مناسبة ونددنا بخطورته على صحة النساء اللواتي كن ولا زلن الحلقة الأضعف في الصراع المستمر.

تواجه اللاجئات في مختلف دول اللجوء أوضاعا إنسانية  وصفتها الأمم المتحدة بالمأساوية  وسط مصاعب حياتية ضاعفت معاناتهن في رحلة لجوء مفروضة وشاقة أثّرت على نفسيتهن وحرمتهن من العيش بسلام وأبسط حقّ إنساني هو ‘الحق في الحياة’.. تقاذفتهن الموجات الاقتصادية المتذبذبة بين الدول وبتنَ اللقمة الأسهل للمؤجرين الذين تفننوا في استغلالهن بأجور زهيدة لا تتناسب وما يقرّه صندوق النقد الدولي من أجر أدنى، بعد أن اضطررن إلى العمل لإعالة أسرهن .

لم تتضرّر اللاّجئات من الاستغلال الاقتصادي والاجتماعي والجنسي فقط بل وجدت أنفسهن ضحية للزواج المبكّر مُكرهات، حيث بات جسدهن لقمة أخرى لوحوش بشرية تستغلّ القصّر، وإذا حدث أن رفضن الإكراه بتن قتلى كحادثة تلك القاصر بالأردن التي تلقّت 15 طعنة حتى الموت بسبب رفضها الزواج بأردني.

معاناة وظروف صعبة  تعيشها اللاجئات بسبب غياب رب العائلة، سواء أكان أباً أو زوجاً أو أخاً، ما يدفع بهن قسراً إلى رعاية أطفالهن والبحث عن عمل والانطلاق  في رحلة شاقة متعبة في بلد غربة حقيقية  نفسيا واجتماعيا..

وأفادت دراسات أممية بأن المساعدات المقدمة للاجئات السوريات بهدف دمجهن في المجتمع وإعانتهن على الحياة غير كافية، ما يدفعهن إلى البحث عن عمل يساعدهن في تغطية النفقات المالية المتزايدة لأسرهن.

وترى الناشطة النسوية جيهان خلف، في حديث مع المرصد السوري لحقوق الإنسان، أنّ حجم الكارثة التي تسببت بموجات كبيرة من اللجوء وغير مسبوقة منذ قرن من الزمن ألقى بظلاله على كثير مما يتعلق بأحوال ومعاناة اللاجئات، في ظل عدم وجود إحصائيات  حول عدد اللاجئين وتوزعهم وغياب البيانات اللازمة ما تسبّب في مشكلات كبرى من ضمنها عدم إيفاء الطبقات التي تعاني حقها  خاصة شريحة النساء اللاجئات وهن الفئة الأكثر معاناة وهشاشة ، وربما يعود ذلك بصورة أكبر إلى أن من يقوم على إعداد التقارير والتوثيقات  التي تصدر بصفة عامة  هم أشخاص وجهات ومؤسسات أو منظمات غير مختصة بشؤون المرأة  أو يكون الهدف مختلفا عما يراد به التقرير، ومن ناحية أخرى لو كانت المؤسسة أو المركز المصدر للتقرير مختصا لوجدنا الفرق واضحا وكبيرا من حيث ذكر التفاصيل للإحاطة بشمولية وعمق المشكلة.. فعندما تكون المتضررة سيدة يجب على معد التقرير التركيز والبحث في الآثار  الجسدية والنفسية والصحية والاجتماعية ومدى تأثيرها على حياة المرأة ضمن أسرتها وبين جيرانها أو حيها ومجتمعها وما سيتركه من أثار جانبية سلبية على مختلف جوانب حياتها ومدى تأثيره على كل تفاصيل حياتها اليومية وكيف سيكون تجاوبها مع المجتمع المضيف.

ولفتت إلى أنّه  من ناحية أخرى تغفل تلك التقارير من البداية عن البحث عن ردود فعل المرأة ومدى تجاوبها وتأثرها بالظروف الأمنية وعن ذكر الأوضاع التي تعاني منها النساء في ظل الظروف الحالية الناتجة عن الحرب وما خلفته من نزوح ولجوء وتشرد والتي زادت من أعباء ومسؤوليات المرأة بالنسبة لأسرتها حيث أصبحت في غالب الأحيان هي المسؤولة الأولى لتأمين قوت يومها وهذا وضع أثر سلبا على أداء المرأة في مختلف مجالات الحياة وجعلها أكثر ضعفا وهشاشة وبالتالي عدم قدرتها على الصمود والمقاومة وفي بعض الأحيان تصبح أكثر قوة وصلابة ولكن هذا الأمر لا ينطبق إلا على عدد قليل من النساء وبالأخص  من امتلكت شهادة علمية أو حرفة ووجدت سبيلا إلى تأمين عمل، أما من كانت تعاني من الجهل والأمية والفقر وضعف الشخصية نتيجة العادات والتقاليد فتصبح كالزجاج سهلة الكسر ولا تملك مقومات القوة وبالتالي بات إهمال هذه الفئة ضمن التقارير وإسهام المراكز والمؤسسات واضحا الأمر الذي زاد  في حالة تهميش أوضاعهن وهذا ما يضع الإعلام أمام مسؤوليات كبيرة في تسليط الضوء على أوضاع اللاجئات بشكل أكبر من قبل صحفيين وباحثين مختصين بشؤون المرأة حتى تأخذ التقارير أهمية ومصداقية وتكون  موضوعية أكثر لاحتوائها على أرقام وداتا موثقة من مراكز دولية مهمة ويجب على من يقوم بإعداد هذه المواد التركيز على الفئات المغمورة والمهمشة.

وأردفت محدثتنا قائلة:” كما يجب على الصحفيين والمؤسسات الاعلامية في بلدان اللجوء والمجتمعات المضيفة الابتعاد عن خطاب العنصرية والكراهية وأن يكونوا حياديين في تناول قضايا اللاجئين من مختلف الفئات  وإعداد التقارير بكل أمانة تتناسب مع ميثاق الشرف الإعلامي والمعاهدات والمواثيق الدولية لأن الإعلام في الوقت الحالي أصبح يمتلك صلاحيات وإمكانيات واسعة في التأثير على الرأي المحلي والدولي”.

بدورها أكدت الناشطة الحقوقية ريما حربات، في حديث مع المرصد السوري، أنه  لا يوجد حقيقة وضع أقسى من العيش سنوات  في خيمة تحت البرد والحر  دون أدنى مقومات الحياة البشرية مع تفشي الجوع والقهر، وعدم الشعور بالأمان والاستقرار، وبخاصة مع ضياع ماض وحاضر ومستقبل!!

وتابعت: “أقف بكل خجل أمام هؤلاء النساء وهن يعتصرن آلما ليس لحالهن، بل لحال أطفالهن الأميين – في عصر التفجير المعرفي والتكنولوجيا- ، بل وكثرٌ هم  مَن لا آباء لديهم، لتتحمل النساء واجب الأمومة و الأبوة بمفردهن، والابتسام بوجه أطفالهن وتشجيعهم على الاستمرار بحياة لا حياة فيها.. كل سنة يموت أطفال من البرد والحر والجوع أمام أعين أمهاتهم ،وهن لا حول لهن  ولا قوة”.

وختمت حديثها متسائلة: “أمام هذا الواقع المرير الذي لا ذنب لأمومتهن فيه، ماذا يمكن أن يكون رأيي؟.. هل امتلك أصلا حقا ليكون لي رأي لقوله أمام واقعهن الأليم”؟