مع تدهور الحالة المعيشية للمدنيين.. ارتفاع تكاليف الطبابة والأدوية في إدلب 

50

 

تشهد مناطق إدلب وريفها في الآونة الأخيرة ارتفاعاً ملحوظاً في نسبة تكاليف العلاج من أدوية وعمليات جراحية إضافة للمبلغ الذي يتقاضاه الأطباء مقابل الكشف عن المرضى في العيادات الخاصة، ويأتي هذا الارتفاع في ظل استمرار تدني قيمة الليرة التركية مقابل الدولار الأمريكي وانقطاع الدعم عن معظم المنشآت الطبية من قبل الجهات المنظمات المانحة، ويقابل ذلك ضعف الأحوال المعيشية لغالبية العائلات في المنطقة.
وتنتشر في مناطق إدلب وريفها ظاهرة وجود الصيدليات العشوائية غير المرخصة من قبل “وزارة الصحة” في “حكومة الإنقاذ، فضلاً عن وجود تعدي على مهنة الطب من قبل العديد من الأطباء والصيادلة الذين يعملون إما بشهادات مزورة أو غير مؤهلين لممارسة هذه المهنة، وأصدرت”حكومة الإنقاذ” في إدلب بتاريخ 8 كانون الأول/ ديسمبر 2021 قراراً ينص على منع بيع وصرف الأدوية في العيادات الخاصة بالأطباء، لمنعهم من أخذ دور الصيادلة، إضافة لمنع صرف الأدوية في الصيدليات دون وجود وصفة طبية موقعة من قبل طبيب معتمد، وذلك بعد أن شهدت المنطقة حالة من عدم استقرار أسعار الأدوية من جهة، ومن جهة أخرى وجود العديد من الصيدليات التي تعمل لأهداف تجارية فقط وتعمل دون ترخيص.
ويعاني الشاب ( س.خ) 18 عاماً من الضمور الدماغي وشلل شبه كامل ونتيجة لذلك يصاب بتقرحات جلدية في بعض أنحاء جسده، ما يدفع أسرته لمحاولة علاجها باستخدام مسكنات الألم ومراهم الحروق والمعقمات، وفي شهادة والده لـ”المرصد السوري” يقول، أنه يعمل كعامل يومي بأجرة لا تتجاوز 25 ليرة تركية ويعاني ظروفاً معيشية صعبة ولم يعد باستطاعته تحمل أعباء علاج ابنه.
مضيفاً، أن سعر مرهم علاج الحروق في الصيدليات يتراوح ما بين 15 إلى 20 ليرة تركية وسعر علبة المعقم “بيفيدون” يتجاوز سعرها 20 ليرة تركية أيضًا، والحبوب المسكنة للألم يشتريها بسعر 10 ليرات تركية، ويحتاج نحو 50 ليرة تركية كل أسبوع ليستمر في العلاج، علماً أنه لا يعطي مفعول جيد وهو فقط لمنع انتشار القروح الجلدية بسبب الجلوس المستمر لفترة طويلة فهو يعاني من هذا المرض منذ أكثر من 14 عاماً.
كما يؤكد أن هناك اختلاف بأسعار الأدوية بين كل بلدة وأخرى وبين الصيدليات حتى في الحي الواحد، وبشكل عام تعتبر الأسعار مرتفعة، لاسيما خلال الأسابيع الأخيرة بعد تراجع قيمة الليرة التركية، والصيادلة يعتبروها ذريعة لرفع أسعار الأدوية، إضافة لسبب آخر هو انخفاض كمية الأدوية بشكل عام في جميع المناطق بحسب ما يقوله له بعض أصحاب الصيدليات.
ويأمل والد الشاب أن يجد علاجاً لابنه المريض بشكل مجاني، فهو لم يعد قادرًا على تحمل الأعباء وأن ينتهي من معاناة دفع المال للصيدليات وقد توجه للعديد من المنظمات من أجل الحصول على كرسي متحرك، دون جدوى ولم يجد من يقف إلى جانبه.
بدوره يتحدث الطبيب ( ع.ع)  في شهادته لـ”المرصد السوري” أنه لا يوجد حد أو سقف ثابت لأجور وتكاليف العمليات الجراحية بجميع أنواعها أو حتى “كشفية الطبيب” فهي تعتمد على كل طبيب واختصاصه، أما العمليات الجراحية في المشافي الخاصة فهي أيضاً تتفاوت بحسب العملية ومدى دقتها وخطورتها وصعوبة إجراءها وهناك العديد من المشافي التي تقدم العمليات الجراحية بشكل مجاني وتتلقى دعماً من “حكومة الإنقاذ” ومدعومة من بعض المنظمات الإنسانية المعنية بدعم القطاع الطبي، أما من يلجأ للمشافي الخاصة غالبيتهم ممن لديهم قدرة مالية على دفع التكلفة وهذا معروف لدى جميع أنحاء العالم.
وعن تكلفة بعض أنواع العمليات الجراحية في المشافي الخاصة يوضح الطبيب( ع.ع) أن تكلفة العمليات الداخلية مثل استئصال الزائدة أو المرارة وغيرها يتراوح ما بين 200 إلى 300 دولار أمريكي، وذلك بحسب كل مشفى، أما عمليات العظمية فمن الممكن أن تكون أكثر من ذلك فقد تصل إلى 400 دولار، وهناك أنواع من العمليات الجراحية تكلفتها عالية مثل الانزلاق الغضروفي “الديسك” والعمليات المعقدة مثل الشرايين واستئصال أورام وغيرها.
ولكن ما يعاني منه غالبية المرضى هو العمليات التي لا يوجد لها مشافي تقوم بها حيث يضطرون لطلب الدخول لتركيا، إضافة لمعاناتهم من فقدان بعض الأجهزة وعدم وجودها بما يكفي لتغطية حاجة المنطقة مثل جهاز “الرنين المغناطيسي” لهذا فتكلفة الصورة قد تصل لنحو 130 دولار أمريكي وهي ضرورية لتشخيص حالة المريض، ومما يزيد من تكاليف العلاج في المشافي الخاصة هو أجرة المبيت لليلة واحدة في المشفى فقد ارتفعت الأجرة بشكل كبير خصوصاً بعد جائحة كورونا – كوفيد 19 حيث تصل تكلفة المبيت لليلة واحدة إلى 75 دولار أمريكي.
ويضيف بأن ليست العمليات الجراحية وأسعار الأدوية هي فقط ما يرهق المدنيين في إدلب، بل إن المبلغ الذي يدفعه المريض لدى العيادات الخاصة هي عائق آخر أمامهم، حيث يصل حد الفحص والكشف الأولي في هذه العيادات لمبلغ كبير لدى بعض الأطباء من أصحاب الاختصاصات القليلة من نوعها، فطبيب النفسية يتقاضى من المريض مقابل الكشف عن حالته نحو 100 ليرة تركية ومثله يتقاضى طبيب الأسنان وطبيب العينية والأذنية والقلبية، بينما يصل سعر المعاينة الطبية لدى باقي الاختصاصات لحد 75 ليرة تركية ونسبة قليلة يكتفي بأخذ 40 أو 50 ليرة. وهو ما يشكل عائق يرهق المرضى في ظل الفقر الشديد الذي تعاني منه معظم العائلات لاسيما العائلات النازحة والمهجرة في المخيمات.
وتشهد المنشآت الطبية التابعة “لحكومة الإنقاذ” حالة من التراجع في خدماتها المقدمة للمدنيين، بسبب انقطاع الدعم لها من قبل المنظمات والجهات المانحة ما يهدد العديد منها بالإغلاق، وأطلقت الحكومة بتاريخ 12 كانون الثاني/ يناير الجاري حملة عبر صفحتها على منصة “فيسبوك” حملت عنوان “أدعموا مشافي إدلب” وأوضحت أن هناك أكثر من 14 مستشفى تعاني منذ ثلاثة أشهر من انقطاع الدعم عنها، ما يعني حرمان مئات آلاف المدنيين من الرعاية الصحية، ومن بين المشافي التي تعاني من توقف الدعم “مشفى الرحمة” في مدينة دركوش في ريف إدلب الغربي ويخدم المشفى نحو 70 ألف نسمة، و”مشفى العزل الصحي” في بلدة كفرتخاريم في ريف إدلب الشمالي، إضافة لمشفى”إدلب الوطني” والعديد من المشافي الأخرى.
يشار أنه ومع تزايد أعداد المصابين بفيروس كورونا- كوفيد 19 بدأت تعاني جميع المنشآت الطبية في الشمال السوري من نقص المستلزمات ونقص عدد الأسرة والأوكسجين وشهد القطاع الطبي تدهوراً كبيراً.