مقتل سليماني ..الاختبار الأقسى والأبعد من الاغتيال.

80

الكاتب د. محمد خالد الشاكر

يشير مقتل قاسم سليماني إلى حالة أبعد بكثير من كونها عملية اغتيال لشخصية ضالعة بارتكاب جرائم حرب، بقدر ما هي مقدمة لتغيير السلوك الإيراني، وربما تغييراً لنظام الملالي برمته. فسليماني الذي يترأس مؤسسة الحرس الثوري الإيراني – كأهم مؤسسات صنع القرار في إيران- تتجاوز صلاحياته من الناحية العملية صلاحيات مؤسستي المرشد والرئاسة.

كما أنّ إعلان الولايات المتحدة الأمريكية مسؤوليتها عن مقتل سليماني على طريقة إعلانها عن مقتل البغدادي، ما هي إلا تمريغاً لناصية إيران في وحل سياساتها التقليدية، المرتكزة على أدوات قذرة، بدءاً من الطائفية، و تسييس مكونات بعينها داخل الوطن الواحد، ودورها في صناعة الفوضى الرامية لتحويل دول المنطقة إلى مجرد ورقة تفاوض، مروراً بسياسات الإقلاق واللعب على شفير الهاوية، و انتهاءاً بما عاثت به فساداً في العراق، ولبنان، واليمن، وسورية.

اغتيال سليماني – كأهم رجل دولة في إيران- وبعد ساعات فقط من تأكد الولايات المتحدة بضلوعه في عملية اقتحام السفارة الأمريكية ببغداد، يمكن اعتباره بمثابة إعلان حرب، وربما تغييراً حقيقاً لقواعد اللعبة في المنطقة. وبداية لطي صفحة أدوات الصراع الإيديولوجي الكلاسيكي الذي تقوده إيران في المنطقة. فالاغتيال جاء اختباراً قاسياً لإيران في قدرتها على استخدام أقصى ما عندها من قوة، واختباراً حقيقياً لسياسة إيران في الإقلاق التي تهدد بها بين تارة أخرى، اعتماداً على سياساتها التقليدية القائمة على تهديد استقرار المنطقة عبر مليشياتها.

الاغتيال ذاته، يشير إلى تحولات جذرية في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه إيران، إذ يعمل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على انتهاج سياسة مؤداها إعادة الوجه التاريخي لهوية السياسة الخارجية الأمريكية، التي لا تطيق التعامل مع اللاعبين غير الدوليين، وهم اللاعبون ذاتهم الذين أصبحوا ركيزة القوة الإيرانية في المنطقة. وبالتالي الرفض الأمريكي الحاسم في أن تشكل المليشيات الإيرانية ورقة ضغط عليها، أو ورقة تفاوض باسمها. وهي رسالة أمريكية أخرى لكل داعمي الجماعات العابرة للحدود والوطنية، التي عاثت فساداً في المنطقة.