مكاسب ظرفية للأسد بعد الثورة المصرية نكسة أردوغان تقدّمت سلّة الهدايا

16

21545185379148964

في نهاية شباط 2011 وبعيد انطلاق الثورة الشعبية في مصر التي انهت حكم الرئيس حسني مبارك، ادلى الرئيس السوري بشار الاسد بحديث صحافي استبعد فيه كليا امكان اسقاط النموذج المصري على سوريا بذريعة ان شعبه يحبه كما قال وان سوريا ليست مصر. ولقد صدق في هذا الاعتبار الاخير كون الثورة المصرية الاولى انتهت سلميا بانتقال للسلطة عاد فافرز انتقالا اخر سلميا الى حد بعيد مقارنة خصوصا بالحرب التي شنها النظام السوري ضد شعبه ودمرت خلالها سوريا وهجر الملايين من ابنائها مع مقتل ما يزيد على 100 الف سوري على الاقل حتى الآن. والرئيس السوري نفسه الذي رفض النموذج المصري لبلاده او انعكاس ما حصل في مصر لديه سارع مع اسقاط حكم الاخوان المسلمين في مصر الى قطف ثمار ذلك عبر التهليل للحدث وتوظيفه في مصلحته كونه سيترجم ايضا في تراجع الاسلاميين ونفوذهم في سوريا ايضا فقال ان “الهوية العربية عادت بعد سقوط مرسي”. والمفارقة ان رئيس الحكومة المكلف في مصر حازم الببلاوي وصف في حديث الى صحيفة “الشرق الاوسط” ما حصل ورحيل مرسي بـ”عودة مصر الى العرب” فيما سعى الاسد الى التموضع في وصفه الحكم الاسلامي للاخوان المسلمين بما يشبه ما حدده الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز قبل ايام لجهة رفض المملكة بان “يستغل الدين لباسا يتوارى خلفه اي متطرف او عابث يسيء للاسلام”. فاستعار الاسد في حديث صحافي اخير التعابير والمنطق نفسه ولو انه حيد ايران و” حزب الله” الداعمين الاساسيين والقويين له عسكريا وماديا عن هذا الاستغلال واللذين يواصلان دعمه في المعارك التي يشنها على حمص بعد القصير.

والمسألة بالنسبة الى الاسد تتعدى هذا العامل المباشر والذي يشكل ضربة قوية وقاصمة لصعود الاسلام السياسي في دول “الربيع العربي” وبينها سوريا حيث الغالبية السنية تثور ضد الحكم العلوي للاسد، الى هزيمة معنوية دأب المسؤولون الاتراك يعبرون عنها على نحو شبه يومي مع سقوط حكم الاخوان في مصر واظهار المسؤولين الاتراك انهم تلقوا ضربة قوية مطالبين الغرب بالتصدي للتغيير الذي قاده الجيش في مصر. بدت الامور وكأن الهدايا انهالت على الاسد من المستجدات في مصر. اذ ان النكسة لحكم اردوغان في تركيا والتي تأتي في خضم تحديات لا يزال يواجهها في شارعه بذريعة ساحة “تقسيم” تعد في هذا السياق مكسبا للرئيس السوري بعد العداء الذي استحكم بين الجانبين ودعم الاتراك ثورة الشعب السوري ضد حكم الاسد. وكذلك الامر بالنسبة الى الانتكاسة التي منيت بها قطر الداعمة بدورها لافرقاء كثر في هذه الثورة في مقدمهم خط الاخوان المسلمين في كل من مصر وسوريا.ومع انه من المبكر بالنسبة الى مراقبين ديبلوماسيين معرفة او تلمس مفاعيل الثورة المصرية الثانية على التطورات السورية قبل استتباب هذه الثورة في مصر اولا نظرا الى مخاوف لا يمكن تجاهلها من انزلاقها الى حرب داخلية، فان هذه العناصر الثلاثة على الاقل تفيد بان ما جرى في مصر سيؤدي حكما الى التأثير في مجرى التطورات هناك على نحو يدحض كليا محاولة الاسد التمييز بين وضع بلاده والوضع المصري منذ انطلاق الثورة ضده لكن يقدم له مكاسب ظرفية. والمفارقة ان احد ابرز الداعمين للرئيس السوري وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف سارع بدوره الى التعبير باسلوب ديبلوماسي عن ارتياحه للانقلاب على حكم الاخوان في مصر واعتبار ان استقرار الشرق الاوسط والعالم الاسلامي يتوقف على الوضع في مصر. فروسيا ايضا يريحها سقوط الاسلام السياسي الذي كانت ترفعه ذريعة بالنسبة الى رفضها البدائل عن حكم الاسد نتيجة مخاوفها كما تقول من تصاعده الذي يمكن ان يشكل خطرا عليها في بعض الجمهوريات الملحقة بها. وهي اعلنت جهوزيتها لتقديم المساعدات لمصر ومن غير المرجح الا تستفيد تاليا من تراجع النفوذ التركي والقطري والايراني في مسألة التغيير المصري في الوقت الذي تلعب الدول الثلاث المذكورة دورا كبيرا في الازمة السورية ايضا.
وكان لافتا في خضم التطورات في هذا السياق اعادة احياء الاسد قيادة حزب البعث ليس فقط بعد عامين من التغييب المطلق بل منذ 2005 وتغييرها بحجة ارتكاب اعضاء هذه القيادة اخطاء ادت الى استبدالهم علما انه ابقى نفسه على رأس قيادة الحزب معفيا نفسه تاليا من ارتكاب الاخطاء التي ادت بسوريا الى التدمير والقتل وملقيا بهذه الاخطاء على الآخرين. الا ان الخطوة في مغزاها السياسي بدت من حيث توقيتها ومن حيث مضمونها مواكبة او استعدادا لتحضيرات ما ستتبين لاحقا في اطار تعزيز اوراقه ومحاولة الايحاء انه اعاد الامساك بالامور وهو مستعد للتغيير وملاقاة بعض ما طالبه به شعبه في بداية الثورة السلمية عبر ما بدا انه استبعاد لأي من الامنيين في اجهزة المخابرات من القيادة وادخال العنصر الشاب نسبيا في هذه القيادة عبر تعيين رئيس الوزراء وائل الحلقي ورئيس مجلس النواب جهاد اللحام، اقله وفق ما رأى بعض المتابعين المهتمين في هذا التغيير علما انه قام بهذه الخطوة في موازاة محاولاته العسكرية المدعومة من اجل اعادة سيطرته على بعض المناطق ايضا.
فما الذي تحمله كل هذه التطورات بالنسبة الى سوريا؟

 

النشرة