مناطق سيطرة النظام السوري: فقر مدقع وارتفاع معدل الجرائم والشبيحة تتحكم في الأهالي

36

تعيش مناطق النظام السوري أوضاعا معيشية صعبة وقد برزت في الفترة الأخيرة تحذيرات من المرصد السوري لحقوق الإنسان ومنظمات أخرى تحدّثت عن ازدياد نسب الفقر وتزايد الجريمة، ما أدّى إلى تفكّك المجتمع وتشوّه ملامحه، وهو ما اعتبره مراقبون نتيجة حتمية لممارسات النظام القمعية.

وتشير تقارير حول الأوضاع في سورية إلى أن المواطنين في مناطق سيطرة النظام لم يعد بمقدورهم إصلاح ما أفسدته الحكومات المتعاقبة الموالية لبشار الأسد، وأن الفكاك من هذه الأوضاع يتطلب إطارا سياسيا ينفذّ خطة إنقاذ شاملة للبلاد، تعيد السوريين إلى الحياة الطبيعية، وتنهي المأساة المستمرة.

ويرى المحلل السياسي والصحفي محمود الوهب، في حديث مع المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن قضية الفقر في مناطق النظام نتيجة طبيعية في مجتمع مضى عليه عشر سنوات في قتال عنيف وصراع طال كل شيء، وكأنما الكل في عداء شرس مع الكل، هذه الحرب التي أشعلها النظام خشية ضياع كرسي حكمه أو اهتزازه، فالكرسي في معتقده واعتقاد دولته العميقة ملك أبدي له وللمستفيدين من حوله، وقد استنفدت الحرب كل مدّخرات الوطن، وبات الشعب من فقر وانعدام أمن، أسير لقمته، وقد قيل “كاد الفقر أن يكون كفرا”.. فالجريمة بكلِّ ألوانها تنام في ثنايا بؤس الفقر وشقائه، وإذا كان زعم النظام بأن رفضه الإصلاح لأجل الوطن، فقد باع الوطن أرضاً وثروات (طوعاً أو كرهاً) وهجَّر الشعب عن قصد وبإرادته، وإرادة شركائه الإيرانيين!، مردفا:” نعم لقد باع الوطن لمن أعانه على الحرب نيلاً من الأرض وكنوزها، وبموجب اتفاقات مذلة.. وقد غدا الحال كارثياً، ولم يجد أذناً صاغية لتجنيب سورية ما حدث ويحدث الآن”.

ويضيف الوهب: الخلاصة أنّه لا حلّ للمشكلات التي يعانيها الشعب السوري سواء في الداخل أو في أماكن النزوح إلا بحل سياسي شامل، متسائلا:” ولكن من يأتي الحل؟.. فمن ينظر إلى المجتمع الدولي والأمم المتحدة يجدهما عاجزين عن إيجاد حل، أو أنهما لا يسعيان إليه،” ، مشيرا إلى أن مصالح الدول العظمى تتناقض فيما يبدو مع مصلحة الشعب السوري الباحث اليوم عن لقمة عيشه وأمنه، ومن هنا، لا يوجد خلاص لسورية من مآسيها إلا بحل سوري/سوري، متابعا:”الحقيقة أن النظام هو من يضع العراقيل، فهو يعتقد أنه انتصر على الإرهاب! وأن الملايين العشرة خارج الحدود، وفي الشمال السوري هم خونة ومأجورون!.. إذن من سينقل الاقتصاد من اقتصاد حرب إلى اقتصاد منتج، فبنية الاقتصاد السليمة تتكون من رؤوس أموال، ومن عقول مدبرة، وأيدٍ عاملة شابة، وخبرات متراكمة، وأولاً وأخيراً من بيئة أمنة مستقرة؟.. هذا كله غير متوفر، ولن يتوفر بوجود النظام، والحل فيما أراه هو الذي ينقل سورية من مزرعة عائلية، إلى دولة تحكمها مؤسسات، ومن رئيس يعامل معاملة الرب إلى رئيس موظف منتخب على نحو ديمقراطي، ويخضع للنقد والمساءلة كأي موظف آخر، وربما أكثر، إذ أنّ خطأ الرئيس لا يصيب أفراداً بل يأتي على الدولة والشعب معاً، وهذا ما حصل في سورية منذ عشر سنوات.. وفي الحقيقة، هناك استعصاء يفرضه النظام نفسه، وثمة معاناة، لا يأبه لها.. وللعلم لولا التحويلات التي تأتي من المهجرين، والمعونات الإنسانية لتفاقم الوضع أكثر فأكثر، فالفساد على أشده ولا من يسأل لأن معظمه كامن في قمة النظام ولدى الملتفين حوله”.

بدوره، يقول الحقوقي السوري، عيسى إبراهيم في حوار مع المرصد السوري، إن سورية تدار بشكل كامل من قبل شخص واحد هو رأس الدولة الأسد الإبن، وهو يملك كامل الصلاحية الدستورية والمخول بوضع الخطة الاقتصادية العامة، رئيس مجلس الوزراء والوزراء مهمتهم وفق الدستور تنفيذ هذه الخطة ، حيث يُعتبر الأسد الإبن وفق ذلك ” آمر الصرَّف ” تجاه الإدارة والأفراد في سورية وهو يحدد ” المصروف ” للسوريّات والسوريين وهو يدير البلاد ليس بأولوية اقتصادية بل بأولوية أمنية تضمن بقاءه في السلطة وضمان استقرار السلطة وليس استقرار المجتمع..هذه السلطة انتهجت أسلوب تنمية غاية في السوء انعكس على دخل المواطن السوري ومستوى الخدمات المقدمة له وأدى إلى ارتفاع تكلفة المعيشة والسلع بحيث إن فرصة هجرة المواطن للعمل في الخليج كانت بمنزلة تذكرة الخروج من الجحيم الاقتصادي للسوري .

وشدّد على أنه بعد بدء الانتفاضة الشعبية عام 2011 وتحوّل سورية إلى ساحة صراع بين السلطة مدعومة من أنصارها، وبين مناهضيها مدعومين من أنصارهم ، تحول هذا الصراع إلى صراع مسلح بفعل من الأسد لحسم الصراع لمصلحة بقائه في السلطة، وتطور الصراع نفسه إلى صراع إقليمي ودولي أدواته قوى إرهاب واقتصاد على حساب كل السوريين ، بحيث ظل الوضع المزري مستمرا منذ خمسة عقود وأكثر..

وتطرق الحقوقي السوري إلى ما يجري من اقتسام ثروات سورية لمصلحة كل قوة أو دولة في أماكن تمركزها ، حيث التنازل عن المرافق العامة والثروات العامة من الأسد الإبن لصالح الدول التي ساندته وتسانده كشخص ليبقى حاكماً، وكذلك في مناطق وجود قوى متطرفة ودول امتطت انتفاضة السوريين في أماكن وجودهم، وتقوم بسرقة ثرواتهم العامة من نفط ومياه وآثار.

ووفق عيسى إبراهيم، ترافق ذلك مع سيطرة قوى الأمر الواقع في كلا الجانبين على كامل الادارة ، بحيث تقلص فيها دور الأسد الإبن إلى نسبة شبه معدومة لمصلحة روسيا وإيران ، بعد أن كانت نسبة اهتمامه بالإدارة والمواطن بالأصل ضعيفة وهامشية ..

ويعتبر محدثنا أنه وفي ظل ما تقدم وتكثيف هاجس استقرار السلطة والأمن لديه ، والصرف المالي للدول والقوى التي دعمته بما في ذلك عقد صفقات شراء السلاح ، وكذلك ممارسة الفساد المالي لشراء الولاءات وتحسين الصورة داخلاً بنسبة قليلة وعلى صعيد الاقليم والعالم والمؤسسات الدولية السياسية والاعلامية بنسبة أكبر، كل ذلك وغيره ساهم مع استخدام الأسد الإبن ” التجويع ” كإحدى أدوات إدارة المجتمع السوري وزيادة النوستالجيا والحنين للخراب الاقتصادي السابق قبل 2011 وتسويقه كمزايا في حينه..

وأوضح أن السلطة حالياً متمثلة بالأسد الإبن ليس لديها أي دور في الإدارة المسؤولة بل هي تُدير فقط التجويع بالأدوات التي تملكها وبالعوامل المتروكة لها قصداً أو بنتيجة الصراع بين القوى التي تأكل سوريا من كل جهة بذريعة ” حماية الشرعية ” أو “دعم ثورة الكرامة ” لتنتصر ..!، كما أن هذه السلطة لم تكتفِ بسرقة مساعدات الأمم المتحدة التي كانت تذهب إما للأسد الإبن شخصياً عبر مؤسسات ” إنسانية ” تابعة له ، أو أخرى تابعة لزوجته ، بل قامت في أثناء الصراع الحاصل بالتحكم في الناس بشكل مافيوي رخيص ، حيث مسكت أسماء الأخرس ، المؤسسات الخاصة بالمواد الغذائية والوقود والغاز،

اضافة إلى تحكمها بقطاع من الاستيراد الخارجي ، بمشاركة المافيا الخاصة بها وتلك التابعة لزوجها التي تضم أفرادا وقوى متعددة الانتماءات الفئوية ، حيث تم توكيل عدد من الشخصيات من خلفية اجتماعية وأخلاقية وتعليمية منخفضة ، وتكليفهم بهذه المهمة في الاقتصاد وإدارة اقتصاد الحرب وتفريغ بعض مؤسسات الدولة الاقتصادية المتبقية، بحيث يجمعون المال لمصلحة مافيا الأسد – الأخرس ،ومن ثم يتم التضحية بأحد هؤلاء الأثرياء كل فترة، وتقديم ذلك كجزء من عملية مكافحة الفساد!..

ويؤكد الحقوقي المعارض أن السلطة التي كانت ممثلة بالأب ثم بالإبن الآن هي المتحكمة واقعياً ودستوريا ً بجزرة الفساد وعصا القانون تستخدمهما كأدوات توظيف لخدمة لعبة بقاء السلطة ودحض المنافسين بمن فيهم المنافسون الاقتصاديون، لتظل سورية أمام “عطالة”..

وتأسيسا على ما تقدم،نحن الآن واقعياً أمام غياب كامل لأي أمل ، بل نحن أمام احتمالية إعلان إفلاس الدولة أو استمرار عملية إدارة المجتمع السوري عبر التجويع لتنفيذ تسوية سياسية مجحفة تحدد شكل سورية، وفي حال فشل سياسة التجويع قد يتم اعتماد الحرب الأهلية كخيار بديل، فلا أحد من القوى أو الدول ” المع أو ضد ” الأسد لديه رغبة في المساعدة في حل الكارثة الاقتصادية السورية ، بينما لدى الأسد ثروة نقدية كبيرة متأتية من احتكاره واردات الخليوي والنفط والغاز ….الخ تجعله قادرا على حل هذه الأزمة المعيشية خلال عدة أشهر على أقصى حد ….لكنه بدوره لا يريد حل المشكلة المعيشية والإقتصادية ! “

وختم بالقول، ” السلطة الحالية تُدير سورية بعقلية مافيا ولا تولي أهمية للموارد البشرية السورية التي تتسرب وتهاجر ، بل تعمل على بقائها بالسلطة ولو أدى ذلك إلى موت جلّ السوريين، ومستعدة للتنازل عن كل سورية للخارج مقابل السلطة والشراكة بالموارد ، دون تقديم أن تنازل عن أية صلاحية للداخل السوري”.

أما العميد أحمد رحال، فيشير في حديث مع المرصد، إلى أن الجميع على اطلاع بالأوضاع الصعبة التي يعيشها السوريون في مناطق النظام المسكوت عنها، خاصة مع التضييق الأمني والاعتقال التعسفي وعمليات الخطف والابتزاز والسرقة، مذكرا بقضية مقتل طبيب قريب من عائلة “الخير” العلوية المعروفة بمعارضتها للنظام في عيادته عن طريق ضابط من نظام الأسد، لافتا إلى أن الناس الذين حكمت عليهم الظروف بالاستمرار في مناطق النظام يعانون من انفلات أمني كبير وعمليات تغييب قسري وسياسة تجويع وتفقير كبرى،حيث تعيش تلك المناطق ضائقة اقتصادية في غياب أبسط مقومات الحياة الكريمة من أكل ومياه وبنزين وغاز وكهرباء، إضافة إلى أن رغيف الخبز صار على البطاقة التي أطلقتها أسماء الأسد، في وقت تدمّرت فيها المقدرة الشرائية للسوري بسبب انهيار الليرة وتوقف العجلة الاقتصاد.

واستطرد قائلا: المواطن السوري الذي ينتمي إلى الطبقة المتوسطة راتبه مابين 17 و25 دولار، وهو أمر كارثي أدى بالأهالي إلى إطلاق حملات استغاثة في تلك المناطق التي يصعب حتى على منظمات الإغاثة الدولية الوصول إليها بسبب استخبارات النظام وحلفائه الروس والايرانيين.

وتطرق محدثنا إلى عملية التضييق حتى على العقارات وافتكاكها عنوة ولا يقدر الأهالي الحديث عن هذا الموضوع الخطير ، لافتا إلى استغلال حاجة الناس إلى المال للعيش والأكل مقابل شراء العقارات من قبل وكيل إيران في سورية سامر الفوز، وغيره من تجار الحرب، محذرا من مخطط طهران بعد شرائها آلاف العقارات في الساحل السوري وفي حمص ودمشق خاصة،علاوة على مخاطر عملية التغيير الديمغرافي الحاصلة.
وأضاف أن نظام الأسد أخذ قرار تغيير الواجهة الاقتصادية لسورية، وبما أن الكتلة الاقتصادية من التجار الحقيقيين الذين لديهم رأس مال كبير هم في حلب ودمشق، فإن الأخبار تتحدث يوميا عن حملات اعتقال وتضييق أو إغلاق شركة وحجز أموال من هؤلاء التجار ، في خطوة لإقصائهم وتغييرهم بواجهة اقتصادية جديدة من أتباع أسماء الأسد وحلفائه زوجها.

وتحدث عن وضع مالية الدولة الكارثي، مشيرا إلى أن نسب الأموال بالمصرف المركزي وفق المعطيات المتوفرة، لاتتجاوز 200 مليون دولار، ويتحجج النظام بتداعيات قانون قيصر..

كما تطرق إلى الوضع المتأزم في المناطق التي يسيطر عليها النظام خاصة مع عجز العائلات حتى عن تدريس أبنائهم بسبب الظروف الصعبة وانهيار المقدرة الشرائية .

وأشار العميد رحال إلى أن المؤسف حقا هو أن الوضع يسير نحو الأسوإ في ظل تمسك النظام بالكرسي وانسداد أفق الحل على أسس القرارات الأممية .

هذه الأوضاع الكارثية في مناطق النظام جعلت هذا الأخير-حسب محدثنا- يلجأ إلى الحرب بعد عجزه عن إسكات الأهالي، تماما مثلما حصل لدرعا البلد..

من جهته،علّق العميد عبد الله الأسعد رئيس مركز “رصد” للدراسات الاستراتيجية، في حديث مع المرصد على الوضع الصعب الذي يعانيه الأهالي في مناطق سيطرة النظام، حيث بات أغلبهم يعيشون تحت خط الفقر المدقع. وأضاف أن الأسد يحاول إيهام الأهالي بأن تدني الوضع المعيشي ناجم عن العقوبات الاقتصادية المفروضة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، وهو أمر مناف للحقيقية.

كما تطرق الأسعد، إلى تفاقم الجرائم التي ترتكبها الشبيحة الأسدية بعد تراجع الحرب وتجمد سوق بيع السلاح في عدة مناطق أمام أعين استخبارات النظام المتورطة هي بدورها .

كما نوه إلى ارتفاع جرائم القتل بدوافع اجتماعية من قبل الشبيحة حيث إن من يطلب فتاة للزواج وترفضه يتم الإنتقام منها وحتى قتلها والاعتداء على أهلها،إلى درجة أن الأهالي الموجودين في مناطق النظام يتمنون تهجيرهم بسبب هذه الممارسات ونتيجة الجوع والقبضة الأمنية الحديدية القمعية.