مناطق “نبع السلام” خلال شهر تشرين الثاني: أكثر 65 شخص قتلوا واستشهدوا.. وفلتان امني كبير وانتهاكات متصاعدة من قبل الفصائل بحق أهالي المنطقة

49

صورة قاتمة المعالم تعد من أكثر الصور سوءً لجرائم حقوق الإنسان واختراقات القوانين والمواثيق الأممية تقدمها القوات التركية والفصائل التابعة لها ضمن مناطق النفوذ التي تسيطر عليها والمعروفة بمناطق “نبع السلام” حالها بذلك حال مناطق “غصن الزيتون”، حيث تتصاعد معدلات الانتهاكات الحقوقية في هذه المناطق في مقابل تحقيق المآرب والأطماع السياسية والاقتصادية على حساب استغلال هذه الأراضي وثرواتها ومواردها وأهلها أسوء استغلال، وقد وثق ورصد المرصد السوري ملامح هذه الصور خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر، بما تحويه من انتهاكات وفوضى وفلتان أمني ونزاعات وممارسات للفصائل.

وبلغت حصيلة الخسائر البشرية في المنطقة هناك خلال الشهر الفائت، 66 شهيداً وقتيلاً، هم 4 مواطنين استشهدوا في حوادث متباينة ما بين قتل مباشر بالأسلحة أو عبر عمليات التفجير، والبقية أي -62- من الفصائل الموالية لأنقرة، توزعوا على الشكل التالي: 3 مقاتلين قضوا نتيجة التناحر الفصائلي، و6 في انفجار مفخخات وألغام وعبوات ناسفة، و53 مقاتلاً في هجمات مسلحة من قبل مجهولين وبرصاص قوات “قسد” سواءً في مناطق التماس أو خلال عمليات تسلل للفصائل داخل مناطق “قسد”.

خلافات ونزاعات مسلحة اعتيادية.. وارتفاع غير مسبوق في حصيلة قتلى الفصائل..

شهد يوم 24 من الشهر الماضي ارتفاع غير مسبوق في حصيلة القتلى من الفصائل على خلفية كمين “عين عيسى” شمالي الرقة ضمن مناطق نفوذ قوات سوريا الديمقراطية، حيث قتل 31 من تلك الفصائل في كمين لقسد ضمن قرية “معلق” بمحيط عين عيسى، حيث جرى زرع ألغام واستدراج عناصر الفصائل للكمين بإقدامهم على عملية تسلل إلى المنطقة، ومن ثم انسحاب “قسد” من القرية، بذكر أن هذه الحصيلة هي الأكبر منذ سيطرة القوات التركية والفصائل على منطقة “نبع السلام” أي منذ 13 شهراً.

في حين تتزايد الاشتباكات وعمليات الاقتتال بين الفصائل في مناطق نبع السلام بين فينة وأخرى، وما يتبع ذلك من عمليات عدم الاستقرار والانفلات الأمني وتهديد حياة المدنيين في هذه المناطق، ويذكر أن تعداد من قضوا نتيجة التناحر الفصائلي يقدر بـ3 عناصر خلال الشهر، وترجع أسباب الاشتباكات المتكررة إلى نزاع تلك الفصائل على خيرات المنطقة وانتزاع ثروات المواطنين، والسباق على الاستحواذ على الممتلكات العامة، فعلى سبيل المثال شهد مطلع تشرين الثاني اشتباكات بين فرقة السلطان مراد من جهة، وعناصر الفرقة 20 من جهة أخرى، إثر النزاع على الاستحواذ على بعض المنازل في مدينة “رأس العين”، والتي أسفرت عن قتيل وعدد من الجرحى، وسط حالة من الخوف والهلع بين المدنيين جراء تلك الاشتباكات المتكررة في الأماكن المدنية، كما شهدت مدينة تل أبيض بتاريخ الرابع من تشرين الثاني اشتباكات عنيفة بين فصيلي “أحرار الشرقية”، و”الجبهة الشامية”.

توالي الانفجارات وارتفاع معدل الضحايا من المواطنين..

تتوالى الانفجارات في مناطق “نبع السلام”، والتي يذهب ضحيتها مواطنين أبرياء، على خلفية الفلتان الأمني المسيطر على تلك المنطقة، حيث شهدت هذه المناطق خلال شهر نوفمبر وحده عدة انفجارات متلاحقة لم يفصل بينها سوى يوم أو يومين على الأكثر، فقد توفي مواطن وأصيب 5 آخرين بتاريخ الثاني من تشرين الثاني، إثر انفجار عبوة ناسفة في سوق الخضروات بمدينة رأس العين “سري كانيه” شمالي غربي الحسكة، كما قضى رجل مسن وأصيب 3 أشخاص بينهم طفل بتاريخ الثالث من الشهر ذاته في انفجار دراجة نارية مفخخة في قرية “علي باجلية” بمدينة تل الأبيض شمالي الرقة، وفي الخامس من نوفمبر انفجرت سيارة مفخخة في محيط قرية “الزيدي” بريف الرقة على الطريق الدولي “M4”.

تصاعد منحنى الاعتقالات التعسفية

لا تزال قوات الجيش الوطني والفصائل الموالية لتركيا مستمرة في حملات الاعتقالات التعسفية وغير المبررة ومداهمة منازل المواطنين السوريين في مناطق “نبع السلام” الذين اختاروا البقاء في مناطقهم ورفضوا التهجير، وفي هذا السياق تم مداهمة منازل واعتقال بعض الأشخاص من قرية العزيزية بريف رأس العين الغربي، وجرى حينها إطلاق النار على شاب وإنهاء حياته على الفور، كذا اعتقل “رئيس قسم المداهمات” في شرطة رأس العين، على خلفية اتهامه بالتعامل مع “قسد” والفساد، حتى أن النساء لم تفلت من عمليات الاعتقال، حيث قامت الشرطة العسكرية باعتقال نساء من عشيرة العكيدات قدمن من مناطق “قسد” إلى ناحية رأس العين لزيارة أقاربهم في المنطقة، كذلك كانت الفصائل قد طوقت بتاريخ 28 نوفمبر/تشرين الثاني، قرية القيصرية شرقي ناحية تل أبيض ضمن مناطق “نبع السلام” بريف الرقة الشمالي، واقتادت 4 مواطنين من عشيرة “الهنادة” بتهمة حيازتهم على أسلحة ثقيلة في القرية، إضافة إلى اتهامهم بقتل عناصر من الفصائل الموالية لتركيا، وذلك في إطار حملة شنتها الفصائل على المنطقة، كما اعتقل عناصر “الجبهة الشامية” في الثلاثين من الشهر، 3 مواطنين من عشيرة “المشهورة” في مدينة تل أبيض بتهمة قتل وأسر عناصر من الفصائل الموالية لتركيا، أثناء اشتباكات عنيفة دارت بين مجموعة من المدنيين، وعناصر الجبهة.

الاستحواذ على أراضي وأملاك المواطنين وتحصيل الإتاوات

عمدت قوات الجيش الوطني والفصائل الموالية لتركيا منذ السيطرة على المنطقة في تشرين الأول عام 2019، إلى التفنن بممارسة الانتهاكات وسرقة ونهب ممتلكات المواطنين، وأبرزها الاستحواذ على أراضيهم وتجريدهم من مزارعهم ومعداتهم الزراعية، فقد منعوا الفلاحين من حراثة أراضيهم وزراعتها في القُرى الواقعة على خطوط الاشتباك بينها وبين قوات سوريا الديمقراطية، في قُرى المحمودية وعنيق الهوى والقاسمية والريحانية قرب منطقة “تل تمر” في ريف الحسكة الشمالي، وسرقوا معداتهم الزراعية، كذلك استولت فرقة ” الحمزات” على أراضي زراعية تعود ملكيتها لأكثر من 100 عائلة بمساحة تقدر بـ”300″ هكتار في ريف رأس العين ضمن مناطق “نبع السلام” بريف الحسكة، وتشمل قرى: ” قطينة و الحردانة و الدويرى و قرى مساجد و تل البرم”، كما تلجأ إلى زراعة أراضي المدنيين وسرقة إنتاجها، على صعيد متصل تتصاعد شكاوى الأهالي واستغاثاتهم من جراء التحصيل المستمر للإتاوات الباهظة التي تفرضها الفصائل عليهم دون وجه حق، حيث شكى أهالي ريف رأس العين الجنوبي من فرض الفصائل الموالية لتركيا لإتاوات بمبالغ غير محددة على المارين من حواجز أم الدبس وكوع شلاح والمشيرفة.

سرقة دور العبادة

لم تسلم دور العبادة من التخريب وأعمال السلب والنهب، حيث عمد عناصر من الفصائل الموالية لتركيا لسرقة مقتنيات كنيسة “مار توما” للسريان الأرثذكس في حي الكنائس برأس العين ضمن مناطق “نبع السلام” في ريف الحسكة، وقد شملت المقتنيات المسروقة، معدات معدنية ونحاسية وأجهزة كهربائية.

وإجمالاً ستظل هذه الصورة القاتمة تزداد وتتمدد مع استشراء الفساد والاستبداد اللذين تمارسها الفصائل الموالية لأنقرة دون وازع أو رادع يقف أمامهم للحيلولة دون ارتكابهم لمزيد من الجرائم الإنسانية في حق المواطنين السوريين في مناطق “نبع السلام”، وعليه فإن المرصد السوري لحقوق الإنسان يجدد مطالبته للمجتمع الدولي لحماية المدنيين في تلك المنطقة من الممارسات الممنهجة للفصائل والمتمثلة بعمليات سرقة وقتل ونهب وسلب واعتقال واختطاف.