مناطق نفوذ “قسد”: توتر واسع النطاق واستياء شعبي هو الأكبر على الإطلاق.. والإدارة الذاتية تلقي باللوم على القوى الخارجية

71

من جديد تعاود القلاقل وعدم الاستقرار الظهور في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، حيث تصاعدت التوترات والاضطرابات والسخط الشعبي الذي تشهده هذه المناطق منذ شهر حزيران / يونيو 2020، في مشهد يتجاذب أطرافه كل من: الاستياء الشعبي الأكبر على الإطلاق نتيجة لسوء الأحوال الاقتصادية والمعيشية، والكر والفر بفعل الهجمات والنيران المتبادلة بين قوات النظام وقوات “قسد” من جانب، والقوات التركية في سوريا والفصائل الموالية لها من جانب آخر، علاوة على جملة من القرارات التي طرحتها “الإدارة الذاتية” في توقيت غير ملائم، والتي أثارت بدورها حنقا واسعا لدى الجماهير.

 

أسباب التوتر والاضطرابات الأمنية

في ظل ما تعيشه سورية عموما ومناطق “قسد” على وجه الخصوص من معاناة جراء الأوضاع الاقتصادية الرثة التي فرضتها عليهم محددات ومتغيرات البيئة الداخلية السورية والخارجية العالمية، كالصراعات ومحدودية الموارد وحرق المحاصيل وفرض قانون “قيصر”، وما صاحب ذلك من ارتفاع في الأسعار للسلع الأساسية والخدمات وانعدامها في كثير من الأحوال.

وأصدرت الإدارة الذاتية عدد من القرارات التي تتقاطع بشكل مباشر مع هذه الظروف، حيث تفرض مزيدًا من الأعباء المالية على المواطنين، ففي 7/7/2020، أصدرت “الرئاسة المشتركة” لهيئة الاقتصاد والزّراعة التابعة للإدارة الذاتية، قرارًا يقضي برفع سعر ربطة الخبز السياحي من 250 ليرة سورية إلى 500 ليرة سورية، في وقت يعيش فيه أغلب المواطنين تحت خط الفقر، ما ولد استياءً شعبياً كبيراً من قِبل الأهالي.

وعلى غرار القرار الأول جاء الثاني صادمًا، لا سيما بعد موجة الغلاء الحادة التي تمر بها المنطقة، حيث قررت هيئة الإدارة المحلية والبلديات في إقليم الجزيرة تركيب عدادات لتقدير ساعات عمل مولدات الأمبير، وتحديد سعر عشر ليرات للساعة الواحدة لعمل كل أمبير، فيما عبر سكان من مدينة القامشلي عن استيائهم من قرار الإدارة الذاتية رفع سعر الساعة الواحدة لعمل كل أمبير إلى عشر ليرات.

 

التوسع في التجنيد الإجباري وشموله الأطفال

بعد تعليق الإدارة الذاتية للتجنيد الإجباري لمدة 3 أشهر منذ أبريل 2020 في إطار الإجراءات الاحترازية لمواجهة جائحة كورونا، تواصلت عمليات “التجنيد الإجباري” ضمن مناطق نفوذ الإدارة بشكل مبالغ فيه، حيث تابع المرصد استمرار “الشرطة العسكرية” التابعة لقوات سوريا الديمقراطية في اعتقال الشبان والشابات وسوقهم إلى “الخدمة الإلزامية”. ووفقاً لإحصائيات “المرصد السوري”، فإن نحو 4000 شابا جرى اعتقالهم وسوقهم إلى الخدمة الإجبارية في كل من الحسكة وحلب والرقة ودير الزور، منذ استئناف عملية التجنيد مطلع شهر يوليو 2020، ويعد غالبية المعتقلين ضمن عمليات التجنيد من أبناء مدينة الحسكة وريفها.

وطالب “المرصد السوري” قوات “قسد” والإدارة الذاتية بالوقف الفوري لعمليات تجنيد الأطفال وضرورة تحييدهم بعيدًا عن العمل العسكري، ووضع الأطفال ضمن مراكز مختصة برعاية الطفل وعدم وضعهم ضمن مراكز تابعة لـ ” قسد أو الوحدات الكردية أو الشبيبة أو وحدات حماية المرأة”

لا سيما بعد الحوادث الكثيرة التي رصدها “المرصد السوري”، ومنها قيام قوى الأمن الداخلي “الأسايش” بتجنيد طفلة تبلغ من العمر 14 عاماً قبل سنتين، على الرغم من الرفض التام من قبل ذويها ومحاولتهم استعادتها التي باءت بالفشل، وهي في الوقت الراهن منخرطة في أعمال القتال على جبهات التماس مع القوات التركية والفصائل الموالية لها شمال شرق سورية.

 

ارتفاع معدلات البطالة وانتشار الفقر

تجتاح مناطق سيطرة “قسد” وسورية عمومًا موجة من البطالة والغلاء، بسبب الانخفاض المستمر في سعر الليرة السورية، فمع ارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية، وزيادة أعداد المواطنين القابعين تحت خط الفقر، والبطالة التي استشرت في صفوف الشباب الراغبين في العمل والقادرين عليه مع عدم توفره، حيث زاد معدل البطالة في مناطق “قسد” من 23% إلى 25%، ما أوجد نوعا من السخط العام لدى شباب المنطقة، لا سيما بأن مناطق نفوذ قسد يتواجد فيها ثروات باطنية وزراعية كبيرة جداً، حيث تعد سلة غذائية لسورية بكثير من المواد وعلى رأسها مادة القمح، فضلاً عن المحروقات وغيرها من الثروات، التي تتيح لـ “الإدارة الذاتية” بتلبية احتياجات المواطنين هناك.

 

الفساد وسوء الأوضاع المعيشية

ازداد سخط المواطنين على أداء المجالس المحلية في مناطق “قسد”، متهمين المجالس بوجود حالات فساد، أدت إلى سوء الأوضاع المعيشية لدى المواطنين، فبالرغم من قرار الإدارة الذاتية برفع الرواتب إلى 150% فإن المواطنين يعانون من العوز، وتردي الخدمات كالتعليم والصحة وغيرها. ورصد “المرصد السوري” الوقفات الاحتجاجية لمعلمي منطقتي أبو حمام والكشكية ضمن نفوذ “قسد” شرق دير الزور في 8/7/2020، ضد “الفاسدين في المجالس المحلية” وللمطالبة بتأمين الخدمات للمنطقة ورفع الرواتب في ظل الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها المنطقة.

وشهدت مناطق نفوذ “قسد” موجة من القلاقل وعدم الاستقرار بسبب الاحتجاجات الشعبية من قبل المواطنين الذين ضجوا بالقرارات الأخيرة للإدارة الذاتية في ظل الأوضاع السيئة التي تعاني منها المنطقة، وسوء الخدمات المقدمة لهم، إضافة إلى العنف في التعامل مع بعض تلك الاحتجاجات، فإبان تصاعد احتجاجات المعلمين التي اندلعت في بلدة “أبو حمام” بريف دير الزور الشرقي وبلدة الكشكية 8/7/2020، للمطالبة بتأمين الخدمات للمنطقة ورفع مرتباتهم في ظل الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها المنطقة، تم الهجوم على المعلمين وتمزيق اللافتات التي رفعوها بأسلوب همجي “تشبيحي”.

 

ضعف الرقابة واستغلال التجار

أدى ضعف الرقابة من قبل الإدارة الذاتية إلى لجوء بعض التجار في منطقة سيطرة قوات سوريا الديمقراطية بإخفاء بعض السلع لاحتكارها والتفرد ببيعها؛ بهدف تعظيم أرباحهم منها وقتها، إلى جانب بيعهم السلع بأسعار تفوق سعرها الحقيقي، فعلى سبيل المثال، حددت الإدارة الذاتية سعر صهريج المياه بـ1000 ليرة سورية، بينما يتكسب منه التجار ويبيعونه بأسعار تتراوح بين الـ2500 و3000 ليرة سورية.

 

المناوشات والهجمات العسكرية

تخضع منطقة نفوذ “قسد” بين الحين والآخر إلى عمليات وهجمات عسكرية، سواءً من جانب القوات التركية والفصائل الموالية لها، ما يعكر صفو الاستقرار في المنطقة ويزيد من الاضطرابات ويستنزف مزيدًا من الموارد ويؤجج السخط العام، فقد وثق “المرصد السوري” في 6/7/2020 اتساع رقعة القصف من قبل القوات التركية والفصائل الموالية لها على مناطق خاضعة لنفوذ “قسد”، حيث استهدفت بالقذائف الصاروخية أماكن في قريتي الياشلي وعرب حسن الواقعتين غرب مدينة منبج شرق محافظة حلب.

على صعيد آخر، رصد المرصد السوري اغتيال خلايا مسلحة 176 مدنيا، من بينهم 14 طفل و8 مواطنات في ريف دير الزور الشرقي وريف الحسكة ومدينة الرقة وريفها ومنطقة منبج، إضافة لاغتيال 356 مقاتلاً من قوات سوريا الديمقراطية بينهم قادة محليين في المناطق ذاتها.

كذلك، اندلعت مناوشات بين قوات النظام وقوات “قسد” في 28/6/2020، من خلال رفع أعلام قوات النظام على مبنى المربع الأمني وحواجزها القريبة من المبنى وسط مدينة الحسكة، بعد سيطرة “قسد” على مبانٍ لقوات النظام بالمدينة.

على مدار الفترة الماضية، بلغ الاستياء الشعبي في مناطق “قسد” ذروته، فهو يعد الأوسع على الإطلاق، وبالرغم من محاولة الإدارة الذاتية تبرير هذا السخط والاستياء بأسباب خارجية، حيث أكد مسؤولوها أن هناك حملة ممنهجة، لا سيما من قبل “ثلاثي الصّفقات” وهم (موسكو، وأنقرة، وطهران) تستهدف الإدارة واقتصادها، إلا أن ذلك لا يبرأ ساحة الإدارة في مناطق “قسد” من تقصيرها نحو مواطنيها، وعجزها عن الوفاء بكثير من التزاماتها في مواجهتهم، ما يزيد الوضع سوءًا وتعقيدًا في المستقبل، لذا ينبغي على القوى السورية جميعًا باختلاف أطيافها، بأن تحتوي الصراعات الداخلية فيما بينها لصالح حياة الشعب السوري الذي يدفع ثمن الصراعات والتناحر بينهم، ما ينذر بكارثة أكبر على المستوى الإنساني.