“منطقة آمنة” طاردة للكرد والسريان الآشوريين والأرمن وخَطِرة على العرب؛ لِمَن تكون إذاً؟

31

“ألقيتُ نظرة الوداع على المنزل، لم أتحمل رؤيته وقد التهمته النيران، ولا أتوقع العودة إليه مجدداً”.

لم تكن “أم رضوان” على دراية بأن ذهابها إلى مدينة رأس العين/ سري كانيه، لتفقّد منزلها ستكون المرة الأخيرة، بعد أن وجدته بقايا منزل جراء نهب عناصر من الفصائل السورية المسلحة المدعومة من أنقرة محتوياته وإضرام النيران فيه.

يقول رضوان إسماعيل (32 عاماً): “دخلت أمي مع مجموعة من النسوة إلى مدينة رأس العين لتفقد المنزل، لكن للأسف لم تجد شيئاً، لقد قاموا بنهب محتويات المنزل بشكل كامل من أدوات كهربائية وأدوات المطبخ، ثم قاموا بإضرام النيران فيه، عادت أمي بعد ساعات وأكملت وقتها في ذلك اليوم بالبكاء على منزلنا وما حل به

رحلة “أم رضوان” الأخيرة مع مجموعة من النسوة إلى مدينتهن، جاءت بعد مضي أكثر من شهر على التوغل العسكري التركي الأخير ضمن الأراضي السورية تحت مسمّى “نبع السلام”، والذي كان قد بدأ في التاسع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، حيث تمكنت القوات التركية والفصائل السورية المسلحة العاملة بإمرتها من احتلال مدينة رأس العين (سري كانيه بالكردية) ومدينة تل أبيض والمنطقة الممتدة بينهما، بمساحة تقارب 120 كلم وبعمق يصل في بعض المناطق إلى 32 كلم، على طول الشريط الحدودي.

خلال الهجوم العسكري، استخدم الجيش التركي كافة صنوف الأسلحة الثقيلة جوّاً وبرّاً، ما تسبب بدمار واسع في مدينة رأس العين/سري كانيه، وتهجير ونزوح أكثر من (300) ألف مواطن سوري من جميع المكونات الإثنية في منطقة “نبع السلام” المزعومة إلى المناطق الأكثر أماناً باتجاه مُدن الحسكة والقامشلي وإلى إقليم كردستان العراق. كما أسفر الهجوم عن سقوط المئات من المدنيين بينهم أطفال ونساء، إلى جانب ارتكاب جرائم حرب موصوفة من إعدامات ميدانية فورية لمدنيّين عزّل أو أسرى حرب، وتمثيل بالجثث. واستهدف الجيش التركي المرافق الطبية والكوادر الطبية، مع وجود دلائل قوية على استخدام الجيش التركي للفوسفور الأبيض ومواد انفجارية خطيرة أخرى ضد المدنيين والمقاتلين وفق شهادات طبية تخصصية من المشافي وصور وفيدوهات للضحايا رصدها مراسلون محليون وأجانب، وحلّلها خبراء أسلحة ومواد كيماوية الذين رجحوا بقوة استخدام مواد كيماوية محظورة في مدينة رأس العين/ سري كانييه (جريدة تايمز البريطانية ونيوزويك الأمريكية على سبيل المثال).

مقرات عسكرية ومنازل محجوزة

“ليس بوسع أحد من سكان رأس العين تخيّل تحول مدينته من منطقة لنبع التعايش المشترك بين المكونات إلى مكان جفّت ينابيعها بسبب عملية نبع الإرهاب والتي تسمى نبع السلام”، خرجت نسرين (اسم مستعار) بهذا الانطباع بعد أن دخلت للمرة الأولى إلى رأس العين / سري كانيه إثر رحلة استغرقت أربع ساعات انطلاقاً من الحسكة.

تقول نسرين: “لحظة دخولنا المدينة رأيتُ الدمار الذي حلّ بها بعدما كانت مفعمة بالحيوية والنشاط، وأصبحَتْ الآن عارية من ردائها الذي كان يكسوها، لقد باتت بائسة وشاحبة يملؤها الحزن والألم والخوف”.

في مجموعة منفصلة عن مجموعة “أم رضوان”، توجهت نسرين إلى رأس العين/سري كانيه للاطمئنان على منزلها وجلب بعض الحاجيات، خصوصاً أنها كغيرها من الفارين كانوا قد خرجوا من المدينة على عجل جراء القصف التركي وتركوا ورائهم كل شيء لإنقاذ أرواحهم وأطفالهم من الموت المحتم.

عند وصول النسوة إلى أول حاجز للفصائل المسلحة، سأل أحد المسلحين “هل هناك كرد في الباص؟”، فأجابت نسرين وآخريات: “نحن كرد، حينها طلب منها النزول وأخضعنا للتحقيق قبل السماح لنا بالدخول إلى المدينة”.

وأضافت نسرين: “أثناء سَيري في الطريق إلى منزلي شاهدت آثار الدمار في شوارع وأحياء المدينة، جميع أبواب المنازل والمحلات كانت مفتوحة، الفوضى كانت تعم كل زاوية، شاهدت الحي الذي كان يعيش فيه أعمامي مدمراً بشكل شبه كامل. منازل كتب عليها يمنع الدخول إليها لأن أحد أفراد الأسرة شهيد من قوات سوريا الديمقراطية، فأصبح المنزل ملكهم. ومنزل أحد أعمامي تحول إلى مستودعٍ لمحتويات وأثاث المنازل المسروقة، بينما تحول منزل عمي الآخر إلى مقر عسكري”.

تؤكد العديد من الشهادات المتقاطعة أن غالبية منازل المدنيين أصبحت مقرات عسكرية تابعة لعناصر ما يسمى “الجيش الوطني السوري” وعائلاتهم.

وأظهرت تسجيلات مصورة وصور فوتوغرافية مسربة من المدينة عبارات كتبت على واجهات المنازل وجدرانها من قبيل “محجوز” لصالح فصيلٍ عسكريّ ما أو أحد قادته أو أحد مسلحيه.

وتختتم نسرين بالقول: “خرجت من المنزل وأنا أشعر بالخيبة والخذلان والإحباط، لقد تغير كل شي، وآل كل الجهد الذي بذلناه إلى غيرنا”.
 

تهمٌ جاهزة

تبرر الحكومة التركية من خلال تصريحات مسؤوليها قيامها بالعمليات العسكرية في مناطق شرق الفرات بمسألة محاربة وحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، إلا أن تقارير حقوقية عديدة نفت تلك الذرائع، خصوصاً أن تجربة عفرين وما تعرض له السكان المدنيّون هناك من انتهاكات وكذلك ما جرى في رأس العين/سري كانيه مؤخراً من انتهاكات تؤكد أن تبريرات الساسة الأتراك لا تصمد أمام الحقائق على الأرض، لأن انتهاكات الجيش التركي والفصائل المسلّحة لا تستثني أحداً.

يقول “قيس علي” ناشط سياسي كردي من رأس العين/ سري كانيه، معارض للإدارة الذاتية، ويقيم حالياً في مدينة زيوريخ السويسرية، إن الفصائل استولت على منزل عائلته في حي “الخرابات”، بسبب وجود صورة للزعيم الكردي الراحل مصطفى بارزاني، كانت معلقة في المنزل.

وكتب قيس على صفحته الشخصية في موقع فيس بوك: “أمي التي كنت أكذب عليها بأن كل شيء بخير لأنها لا تجيد القراءة.. ذَهَبت وشاهَدت بأم عينيها: لا سري كانيه بخير ولا منزلها المحجوز بسبب صورة البارزاني المعلقة على حائط منزلها بخير، ولا حتى جثمان شهداء المقاومة المرمية في شوارعها بخير”.

واتهم قيس، كتيبة “المعتصم” (إحدى فصائل ما يسمى بالجيش الوطني السوري) بالاستيلاء على منزل عائلته وكتابة عبارة “محجوز” على جدران المنزل، لافتاً إلى أن منزل ابن عمه في نفس الحي قد تم حجزه أيضاً.

يقول سعيد (اسم مستعار) وهو من المكون المسيحي، ومن سكان حي الكنائس: “حالياً عناصر إحدى الفصائل المسلّحة استولوا على منزلنا وقاموا بحرق جميع الصور والرموز الدينية في المنزل، كما استولوا على منازل مجموعة من الأقارب في نفس الحي”.

وأضاف سعيد: “”حاولنا التواصل معهم وإخراج الأوراق والمستندات القانونية وبعض الحاجيات الضرورية من المنزل لكنهم رفضوا، واتهمونا بالكفر، قائلين إن أموالكم حلال علينا”.

لا يختلف الأمر بالنسبة لـ “عبدو تقرق” الذي تم الاستيلاء على منزله في مدينة رأس العين / سري كانيه من قبل فصيل عسكري وتحويله إلى مقر. يقول عبدو: “تم تهديدنا عبر الهاتف في حال عدنا إلى المنزل، لقد قال لي المتصل إننا على ارتباط بوحدات حماية الشعب، ونحن ننتظرك أنت وعائلتك على أحرّ من الجمر”.

سيناريو عفرين يتكرر:

في سياق الهجوم التركي على عفرين ذات الغالبية السكانية الكردية شمال غربي حلب، واحتلالها في آذار/ مارس من العام الماضي وما تلاه من سياسات ممنهجة لعمليات التغيير الديمغرافي والتتريك، بات واضحاً بالنسبة للكرد السوريين، أن الهدف الحقيقي لأنقرة هو إزالة وجودهم، وفق ما أكدت العشرات من التقارير الحقوقية لمنظمات كردية محلية وقوى وأحزاب سياسية مختلفة. وقد تحول هذا الأمر إلى هاجس بالنسبة للكرد الذين باتوا يرددون عبارة “إنه سيناريو عفرين”، لأن الواقع المرير هناك بعد تعرضها للاحتلال أمسى رمزاً للسياسة التركية العدوانية تجاه الكرد.

لم تمض أيام على احتلال الجيش التركي لمدينة رأس العين/سري كانيه حتى انتشرت صور على مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع إخبارية تابعة للمعارضة السورية تظهر تعليق لافتة على واجهة مشفى المدينة باللغتين  العربية والتركية، كما أظهرت صور أخرى لمحكمة المدينة لافتة مكتوبة باللغتين أيضاً. ويأتي هذا التغيير لأسماء القرى والبلدات والمقرات بعد سنوات من اعتماد الإدارة الذاتية على كتابة تلك الأسماء باللغات الثلاث التي يتحدث بها السكان المحليون (الكردية، العربية والسريانية).

يقول سردار ملا درويش، وهو صحفي كردي من مدينة رأس العين/سري كانيه ويقيم حالياً في ألمانيا: “أثبتت تجربة عفرين أن رؤية تركيا للشمال السوري واضحة في المناطق الكردية فهي تتبع سياسة التهجير والأرض المحروقة.”

وأضاف ملا درويش: “أهالي سري كانيه الذين هُجّروا من مدينتهم لم يعودوا حتى الآن. القليل منهم يعود للاطمئنان على منزله أو محله التجاري، لكن هؤلاء يُفاجؤون بسرقة بضائعهم ومنازلهم، فأملاك الكرد مباحة تماماً، كما  أملاك بعض العرب والمسيحيين والإيزيديين، في سياسة مقصودة وممنهجة تتبعها الفصائل السورية المسلّحة بأوامر تركية”.

ويرى ملا درويش أن هذا الأمر يزيد من حالة الشرخ في المجتمع السوري ويقلل من فرص التوافق والوصول إلى حلول مستقبلاً.

أما هيثم حجي، وهو مصور صحفي في فضائية كردستان 24، ومن سكان رأس العين / سري كانيه الذين نزحوا جراء العدوان التركي، فيقول: “سيناريو عفرين يتكرر الآن في سري كانيه من حيث عمليات النهب والسلب والاستيلاء على المنازل من قبل تلك الفصائل العسكرية. تم نهب منزلي ومنازل أخوتي بشكل كامل، وقاموا بحرق منزل أحد أخوتي”.

وأكد حجي: “من المستحيل أن أفكر حتى بالذهاب والاطمئنان على المنزل بعد الإهانات والضرب والاعتقال، ثم الطرد الذي تعرض له البعض أثناء عودتهم لتفقد منازلهم، هناك منزلان في نفس الحي الذي كنت أسكن فيه تم الاستيلاء عليهما من قبل فصيلين تابعين للمعارضة السورية وتم اتخاذ المنزلين كمقرين عسكريين.”

لا عودة قريبة!

مع موجة النزوح من مدينة رأس العين/سري كانيه وريفها والتي ُيـقدر عدد سكانها بـ (180) ألف نسمة، فإن نحو نصف سكان المدينة من الكرد نزحوا منها، ولجأ منهم نحو (30) ألف إلى إقليم كردستان العراق، من بينهم رودي سعيد، مصور وكالة “رويترز”.

يقول رودي: “الكتيبة التي استولت على منزلي تسمى بكتيبة أبو عمشة، قام عناصرها بالاستيلاء على المنزل وحولوه إلى مقر عسكري، لا أملك أي تفاصيل عن المنزل ولا أرغب في العودة إليه أو إلى المدينة في ظل وجود هذه الكتائب هناك”.

وكتب سعيد على صفحته الشخصية على تويتر: “استولت الفصائل السورية المسلحة المدعومة من تركيا على منزلي لأنني كردي، ولأن تركيا ترى أن أي كردي مثلي يشكل تهديداً لأمنها القومي، في حين أن وجود شخص إرهابي وخطير مثل زعيم داعش بجوار الحدود التركية، وأيضاً وجود قادة داعش الآخرين في جرابلس، معقل المعارضة السورية، وتحت سيطرة تركيا المباشرة، لا تعتبرها تركيا تهديداً لأمنها القومي!”.

وكان هذا رأي المحامي إدريس عيسو أيضاً، وهو ناشط سياسي من رأس العين/ سري كانيه، إذ يقول: “لا نستطيع الدخول إلى المدينة أو زيارة منازلنا في الوقت الحالي، تم الاستيلاء على منازل المدنيين ومنهم منزلنا، لا نفكر بالعيش في المدينة حالياً مع وجود هذه الفصائل.”

تل تمر: مخاوف كبرى وإحياء لذكرى “داعش”

يحاول الجيش التركي مع الفصائل السورية المدعومة منه التوغّل باتجاه بلدة “تل تمر” الاستراتيجية الواقعة على الطريق الدولي المعروف (M 4) والتي تبعد نحو 30 كلم عن رأس العين / سري كانيه. تشكل البلدة حلقة الوصل بين عدة مدن رئيسية منها الحسكة والقامشلي وحلب. تسبب هذا التوغل التركي بمخاوف كبيرة للسكان المحليين من سريان آشوريين وكرد وعرب، حيث تم إفراغ جميع القرى الآشورية (34) قرية على ضفتي نهر الخابور من سكانها.

يقول أسامة إدوارد، وهو إعلامي وناشط حقوقي آشوري: “هناك تخوف لدى السكان الآشوريين من تقدم القوات التركية والفصائل التابعة لها، وتكرار تجربة داعش في شباط عام 2015، وارتكاب المجازر بحق الآشوريين”، وذلك بعد مرور نحو أربع أعوام على الهجوم الكبير الذي تعرضت له المنطقة من قبل تنظيم داعش والذي قام باختطاف المئات من الآشوريين معظمهم نساء وأطفال، وإفراغ تلك القرى من سكانها.

ويضيف إدوارد: “القرى الآشورية قد أُفرغت من سكانها بشكل كامل في الوقت الراهن ليستقروا في تل تمر، التي ما زالت تحت سيطرة وحدات حماية الشعب وحرس الخابور والمجلس العسكري السرياني”.

تل أبيض: انتهاكاتٌ تطال الجميع

بالتزامن مع دخول الجيش التركي وفصائل المعارضة السورية التابعة لها إلى مدينة رأس العين/ سري كانيه، شن الجيش التركي هجوماً مسلحاً على منطقة تل أبيض الحدودية شمالي الرقة، والتي يُقّدر عدد سكانها (مدينة وريف)، بحوالي (125) ألف نسمة، بأغلبية عربية ونسبة تقدر بحوالي (30 إلى 40 %) من الكرد الذين يقطنون في المدينة وريفها الغربي الممتد حتى كوباني، إلى جانب وجود أقلية تركمانية، وعدد محدود جداً من الأرمن

عبد القادر، من أهالي ريف تل أبيض يقول: “قريتنا اسمها تنوز عُرّب اسمها إلى طنهوزة ثم إلى المنيفة، تقع على بعد 13 كلم جنوب غربي تل أبيض، وعلى بعد 3 كلم جنوب طريق تل أبيض – كوباني، وهي قرية صغيرة سكانها أبناء عمومة، زرعنا فيها أشجار زيتون بكثرة في السنوات الماضية.” 

وأضاف عبد القادر: “لم يتبق أيّ من السكان الأصليين في القرية منذ الهجوم العسكري التركي، وتحوّلت القرية بالكامل إلى مقر عسكري. وقد نشرت الفصائل صور من داخل القرية أظهرت استيلائهم على أكبر منزل هو مضافة القرية، ويظهر في الصور جنود وقادة عسكريين من ـ(الجيش الوطني السوري)، بينهم الرائد ياسر عبد الرحيم الناطق باسم الوفد العسكري المعارض في محادثات أستانة.”

وأردف قائلاً: “مقبرة شهداء قوات سوريا الديمقراطية في منطقة تل أبيض كانت في قريتنا، وكانت تضم قبل الهجوم التركي الأخير على رُفات أكثر من 200 شهيد، وقد وصلتنا معلومات قبل أيام من أهالي القرى المجاورة أن تلك الفصائل قامت بتسوية المقبرة وتدمير شواهد القبور.”

وعن أحوال مدينة تل أبيض نفسها، يقول عبد القادر: “معظم الأهالي فرّوا، ليس الكرد فقط، بل العرب أيضاً. فرّوا من الانتهاكات وغياب الأمن وانتشار السرقات، وبشكل خاص كل من له علاقة بالإدارة الذاتية السابقة فرّوا، سواء كانوا كرداً أم عرباً”.

يقول دجوار بوزو، من سكان مدينة تل أبيض ومهتم بالشأن العام، والمقيم حالياً في مدينة الرقة: “ما حصل في البداية كان نزوحاً بسبب الهجوم العسكري التركي. وقد نزح الكرد من المدينة والريف نحو الرقة وكوباني والحسكة. منازل ومحلات الكرد جميعها تعرضت للسرقة، وتم الاستيلاء على الكثير من منازل العرب ومتاجرهم. معظم المعتقلين لدى الفصائل هم عرب، بتهم الارتباط بمؤسسات الإدارة الذاتية”.

وأضاف بوزو: “العائلات العربية التي نزحت من تل أبيض إلى مدينة الرقة إما كانوا مرتبطين بمؤسسات الإدارة الذاتية أو يرفضون العيش تحت رحمة فصائل المعارضة المسلّحة في ظل الفوضى وعدم الاستقرار، ويفضلون مناطق الإدارة الذاتية.”  

وأكد بوزو: “الآن هناك إجراءات جديدة من تتريك المعالم واللافتات واستقدام عائلات العناصر المهجرين من حمص والغوطة إلى المدينة واسكانهم في منازل النازحين قسراً من أهل المدينة والعمل على تغيير البنية المجتمعية، وعدم قدرة أهل المدينة من العودة إلى منازلهم.”

“المنطقة الآمنة”: لِمَن؟

الشهادات أعلاه تتقاطع مع الكثير من المصادر والتقارير الحقوقية والإعلامية، من حيث تعّرض سكان مدينتي تل أبيض ورأس العين / سري كانيه وريفهما لانتهاكات جمّة من قبل الفصائل المدعومة من الجيش التركي، ترقى بعضها إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، إلى جانب عمليات السرقة والنهب والاستيلاء على الممتلكات الخاصة التي طالت جميع السكان، مع القليل فقط من التمييز على أساس عرقي أو قومي أو ديني (كرد، عرب، سريان، أرمن، مسلمين، مسيحيين، إيزيديين) في ممارسة السرقة تحديداً، وفقاً للتقارير الحقوقية.

وبحسب الدلائل وشهادات السكان هناك احتمالية عالية جداً ومؤشرات قوية لعدم مقدرة جميع السكان الكرد أو معظمهم، على العودة إلى منازلهم، وكذلك الأمر بالنسبة للسريان الآشوريين والأرمن، أو بالنسبة لقسم من السكان العرب المرتبطين بالإدارة الذاتية أو من لم ينخرط سابقاً ضمن فصائل “الجيش الحر” والأجندات التركية، لتبقى أسئلة النازحين والمُهجرّين مفتوحة: لِمَن هذه “المنطقة الآمنة” المزعومة مع كل هذا اللّاأمان بالنسبة لسكانها الأصليين؟

الكاتب:محي الدين عيسو وبدرخان علي