من دمشق إلى كييف … المعركة واحدة

20

4654750d4ar7rob

إذا كان فلاديمير بوتين قد ألقى بكل ثقل روسيا، العسكري والديبلوماسي والاستخباري، لهزيمة الثورة السورية والحفاظ على بشار الأسد حاكماً على دمشق، البعيدة آلاف الكيلومترات عن بلاده، فكيف كان يُنتظر منه أن يتسامح مع الثورة في أوكرانيا، المقيمة على الحدود الروسية، والتي رفع ثوارها مطلب إقامة نظام ديموقراطي، يحاكي الأنظمة الغربية ويسمح للمواطن بقول كلمته ضد فساد الحاكم، ويرسي أسساً صحيحة لدولة القانون، أي ما يناقض النظام الذي يعيد بوتين إليه الحياة، بعد أن انتفض ضده الروس قبل أكثر من عقدين من الزمن؟

 

 

اعتبر بوتين، في مواجهة الاحتجاجات التي بدأت في «ميدان» كييف في الخريف الماضي، أن هناك مؤامرة غربية ضد الاتحاد الروسي. ووظّف أجهزة الإعلام الروسية، التي تحولت إلى أبواق، لتكرار معزوفة الخطر الذي زعم أنه يهدد الناطقين بالروسية في الأقاليم الأوكرانية الشرقية على يد من وصفتهم هذه الأجهزة بـ «النازيين». ومثلما يقاتل بشار الأسد ضد «المؤامرة» التي يزعم أن الغرب دبرها ضد النظام «الممانع» وضد الطائفة العلوية، هكذا يواجه بوتين اليوم المطالبين بالاستقلال والتحرر من الوصاية الروسية في أوكرانيا، ويتهمهم بأنهم عملاء للاستخبارات الأميركية، ولا هدف لهم سوى القضاء على الأقليات العرقية التي تعارضهم.

 

 

ابتلع بوتين منطقة القرم بحجة حماية الناطقين بالروسية فيها. كان الاستفتاء مخالفاًَ للدستور الأوكراني، ولالتزامات موسكو نفسها (أيام بوريس يلتسين) بضمان سيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها. ارتفعت أصوات في الغرب احتجاجاً وتم اتخاذ مجموعة من العقوبات، وتحولت مجموعة الثماني إلى مجموعة السبع. ولكن بوتين لم يهتم ولم يوقف تهديداته ضد ما بقي من أوكرانيا. ولماذا يهتم، وهو يعرف أن في البيت الأبيض رئيساً ضعيفاً لا يجرؤ على مواجهة أحد، كما أن جيران روسيا في القارة الأوروبية يعانون أزمة اقتصادية مستعصية تجعلهم أكثر احتياجاً إلى التعامل مع روسيا مما هي بحاجة إليهم.

 

 

معركة الحصول على الحرية التي انتكست في سورية، والتي أصبحت مهددة بانتكاسة في أوكرانيا، هي معركة تحتاج إلى من ينصرها. وخصوصاً إذا كان الخصوم مستعدين لكل الارتكابات ولاستخدام كل أدوات القمع في سبيل إسكات الأصوات التي تطالب بفتح النوافذ على هواء الحرية.

 

 

راهن السوريون ومثلهم الأوكرانيون على الشعارات الغربية التي تزعم دعم المطالبين بالحرية حيثما ارتفعت أصواتهم. على لسان باراك أوباما سمعنا أكثر من مرة تهديدات للأسد بالرحيل، ومواعيد محددة لسقوط النظام. وفي ساحات كييف شاهدنا جون كيري وغيره من الوزراء الغربيين يشدّون على أيدي المتظاهرين ويعدونهم بنصر قريب. لكن فلاديمير بوتين كان يهزأ في قرارة نفسه، لأنه كان يدرك المدى الذي تصل إليه الوعود الغربية.

 

 

سوف تكون لهذا الفشل الغربي في حماية قيم الحرية انعكاساته على أكثر من دولة في العالم. فأمام هذه الانتصارات التي يحققها «الشبيحة» في أكثر من مكان، سواء بأقنعة أو من دون أقنعة، تتراجع هذه القيم ويتراجع حماس المدافعين عنها، لأنهم لا يجدون من ينصرهم.

 

 

ليس هذا فقط، بل إن السكوت على أنظمة القمع هو الذي ينجب التنظيمات المتطرفة والإرهابية التي تستغل العجز الغربي لتنفيذ مشاريعها. وكما انتهى التردد الغربي في دعم التيارات المعتدلة في الثورة السورية إلى نمو «النصرة» و «داعش»، هكذا ليس مستبعداً أن ينتهي الفشل الغربي في حماية الأوكرانيين إلى نشوء تنظيمات يمينية متطرفة (ونازية أيضاً) للرد على التدخل الروسي المتفاقم في شؤون بلادهم.

 

 

هكذا يكون بوتين قد حقق عملياً ما يحذر منه اليوم. فبينما يتهم ثوار أوكرانيا زوراً بأنهم عنصريون ونازيون، سوف تؤدي سياسته الفاشية إلى إحياء هذه النزعات التي قضت عليها الديموقراطيات الغربية قبل سبعين عاماً.

 

 

ومثله يفعل بشار الأسد الذي لا تؤدي أساليبه القمعية ضد الثورة سوى إلى استقطاب كل موجات الطائفية والتطرف والإرهاب إلى المدن السورية، بحجة الدفاع عن السوريين الذين فشل الغرب في حمايتهم.

الياس حرفوش