من سوريا إلى مونتينيغرو

34

يحصي الرئيس الاميركي باراك أوباما على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خسائره منذ بدء الغارات الجوية الروسية في سوريا، من اسقاط “داعش” طائرة الركاب في سيناء الى اسقاط تركيا قاذفة “السوخوي – 24” ليصل الى نتيجة مفادها ان الوقت وحده هو الكفيل بجعل الكرملين يقتنع بتغيير سياسته في سوريا والانتقال الى معسكر المطالبين بتنحي الرئيس السوري بشار الاسد.

وخرج أوباما بهذا الاعتقاد استناداً الى نظرية مفادها ان بوتين لن يكون قادراً لا اقتصادياً ولا بشرياً، على تحمل كلفة التدخل الى جانب النظام في سوريا والتي من شأنها ان تورط روسيا في مستنقع مماثل للمستنقع الافغاني الذي تورط فيه الاتحاد السوفياتي السابق في الثمانينات من القرن الماضي وكان سبباً مباشراً من اسباب تفكك الاتحاد.
إذاً كل الجهد الاميركي والغربي والتركي والخليجي ينصب الآن على زيادة كلفة الدور الروسي في سوريا أملاً في اقناع بوتين بتغيير سياسته. ولذلك لا يعود اقدام تركيا على اسقاط قاذفة “السوخوي – 24” عملاً معزولاً بقدر ما يمثل سياقاً ينتهجه حلف شمال الاطلسي في اطار المواجهة مع روسيا. وليس من قبيل المصادفة ان يذكر رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو خلال زيارته لبروكسيل قبل أيام، بأن تركيا هي الحدود الجنوبية لحلف شمال الاطلسي.
كذلك لا يعود عملاً معزولاً، التدفق اللامحدود لصواريخ “تاو” الاميركية المضادة للدروع الى الفصائل الجهادية في سوريا، بل ثمة تصميم لدى المعسكر الآخر على لي ذراع روسيا وجعلها تتراجع عن سياستها في سوريا وتوافق على تنحي الاسد نظراً الى ارتفاع كلفة الرفض الروسي تقرير مصير الرئيس السوري من الخارج.
ولم يكن غريباً في اطار الضغوط التي يتعرض لها بوتين، ان يوجه حلف شمال الاطلسي الدعوة الى جمهورية مونتينيغرو اليوغوسلافية السابقة الى بدء مفاوضات الانضمام الى الحلف، فتكتمل بذلك حلقة أخرى من حلقات الضغط الاستراتيجي على روسيا التي بدأت في أوكرانيا وجورجيا وسوريا ولن تنتهي حكماً في مونتينيغرو.
ومثلما يسعى الغرب الى جعل كلفة الدور الروسي المتعاظم عالمياً غالية، كذلك يسعى بوتين بدوره الى إفهام خصومه العالميين ان كلفة اخضاع روسيا وتحجيم دورها ستكون هي أيضاً عالية على الغرب، من أوروبا الى سوريا ومصر والعراق الى أي بؤرة أخرى من بؤر التوتر. ان الرد الروسي المتدحرج على تركيا سيكون مثالاً على ان روسيا بعد اليوم لن تكون وحدها من يدفع ثمن أي قرار متهوّر بأخذ الامور إلى نقطة اللاعودة.