من ضمن أكثر من 3100 شخص اعتقلتهم أجهزة النظام الأمنية منذ السيطرة على الغوطة الشرقية.. مصير مجهول لنحو 800 قيد الاعتقال

وعود "الشيخ الضفدع" عراب المصالحات بحماية رافضي التهجير وتحسين الوضع المعيشي في مهب الريح

60

بعد أن لمع نجمه كعراب للمصالحات في الغوطة الشرقية قبيل سقوط الجزء الأكبر منها بأيام في أيدي النظام السوري وحلفائه، ظهر الشيخ “بسام ضفدع” وكأنه حمامة السلام التي ستنقذ مابقي من الغوطة الشرقية، بعد أن قدم وعوده للأهالي بأن الأجهزة الأمنية و”بشار الأسد” شخصيًا طمأنه بأن العناصر لن تقوم باعتقال أي شخص أو المساس بممتلكات المدنيين في حال عادوا إلى كنف الدولة السورية، على حد وصفه آنذاك، مستغلًا حاجة الناس لأي حل يفضي بوقف نزيف الدم و الحملة الهستيرية للنظام وحلفائه على الغوطة الشرقية، بمباركة الطيران الروسي الذي لم يتوانى عن ارتكاب أبشع وأشنع المجازر بحق المدنيين المحاصرين هناك.

ظهر الضفدع في ذاك الوقت وطمأن الأهالي والمسلحين من الفصائل الذين فضلوا البقاء بعد تقديمه وعود وضمانات لهم بعدم المساس بهم وأنهم سيصبحون قوات دفاع وطني ضمن مدن وبلدات الغوطة الشرقية، ولن يتم اعتقالهم، بعد إتمامهم لما يعرف بـ”المصالحة الوطنية” على غرار “المصالحات” التي شهدتها مناطق سورية عدة كانت حاضنة للثورة السورية والفصائل المقاتلة المعارضة.

اليوم وبعد مضي أكثر من 3 سنوات من سيطرة النظام السوري على الغوطة الشرقية عقب اتفاق أفضى إلى تهجير غير الراغبين بـ “التسوية” إلى الشمال السوري من مدنيين وعسكريين، تعيش الغوطة الشرقية واقعًا آليمًا مغيبًا عن الإعلام وأنظار المجتمع الدولي، حيث أحصى المرصد السوري لحقوق الإنسان، وفق مصادره ونشطاءه من داخل الغوطة الشرقية، اعتقال الأجهزة الأمنية التابعة للنظام، لأكثر من 3100 شخص منذ تاريخ السيطرة حتى يومنا هذا، من مدنيين كانوا يشاركون في فعاليات ثورية أو ينتمون لمنظمات مدنية محسوبة على المعارضة، ومنهم من كان مقاتلًا ضمن الفصائل التي كانت تسيطر على المنطقة، ومنهم مدنيين اعتقلوا لأسباب مجهولة، وأفرجت الأجهزة الأمنية عن قسم كبير منهم لاحقاً بعد التحقيقات وعلى فترات متباينة، وقسم منهم جرى إرساله إلى الخدمة الإلزامية والاحتياطية، فيما لايزال 790 منهم قيد الاعتقال ومصيرهم مجهول حتى اللحظة.

وانتهى دور الشيخ الضفدع بخروج آخر باص من مهجري الغوطة الشرقية، إلى شمال سوريا، وأصبح دوره محصورًا فقط بالظهور في بعض البرامج التلفزيونية على شاشات النظام للحديث عن الوطنية و”القائد المفدى بشار الأسد” وبطولات “الجيش” السوري فضلًا عن دعوته للفعاليات التي تقيمها أجهزة المخابرات السورية حول المؤامرة الكونية التي تحاك على سوريا من الدول الاستعمارية، دون أن يتمكن الضفدع من تحسين الأوضاع المعيشية حتى في الغوطة الشرقية وإيقاف حملات الاعتقال بحق الأهالي والعسكريين الذين بقوا في غوطة دمشق الشرقية على مسؤوليته متأملين بوعوده الخلبية، حول قدرته على إطلاق سراح المعتقلين وتحسين الأوضاع المعيشية.

وفي شهادته للمرصد السوري يتحدث المواطن “ع.غ.” من سكان بلدة جسرين في الغوطة الشرقية، ولايزال متواجدًا في البلدة إلى يومنا هذا، عن أحد أبناءه الذي اعتقل من قِبل أجهزة النظام الأمنية بتاريخ 17/6 من العام 2019، لأسباب غير معروفة، على الرغم من عدم عمله في أي جهة معارضة للنظام السوري طوال فترة سيطرة الفصائل على الغوطة الشرقية، ويتابع حديثه بأنه ذهب للشيخ “الضفدع” مرات عدة متوسلًا له بالتدخل لدى ضباط النظام وأجهزة المخابرات لإطلاق سراحه، دون جدوى، فتارة يقال له من قِبل مريدي الشيخ المتواجدين قرب منزله أن الشيخ في حالة صحية سيئة، وتارة يطردونه، قبل أن يتمكن من لقاء الشيخ الضفدع ضمن مسجد في إحدى “المجالس الدينية” وطلب منه التدخل لمعرفة مصير ولده، ليرد عليه الشيخ “عين خير” دون أن يسأله عن أسم ولده حتى، قبل أن يقوموا أتباعه بإبعاد والد المعتقل عن الشيخ، واختتم المواطن حديثه للمرصد السوري، بأن ولده لا يزال معتقلًا حتى يومنا هذا، دون معرفة مصيره.

وبحسب نشطاء المرصد السوري لحقوق الإنسان، من داخل الغوطة الشرقية، فإن اجتماعات عدة جرت منذُ سيطرة النظام السوري على الغوطة الشرقية في آذار/مارس 2018، بين وجهاء الغوطة والشيخ “بسام ضفدع” للحديث عن المعتقلين المغيبين في سجون النظام منذُ انطلاق الثورة السورية والمعتقلين الذين اعتقلتهم أجهزة النظام الأمنية بعد سيطرتها على الغوطة الشرقية، حيث يتهرب الشيخ من الحديث عن المعتقلين ويحول الحديث عن طلبه من المسؤولين في الحكومة تحسين الأوضاع المعيشية والوعود المقدمة له فقط.

المواطنة “ك.ع” من سكان بلدة عين ترما في الغوطة الشرقية تحدثت للمرصد السوري عن ولدها الذي كان ضمن صفوف فصيل “فيلق الرحمن” والذي انشق بسلاحه الفردي عن الفيلق وأصبح حرسًا لمقر إقامة الضفدع في البلدة التي كانت معقلًا للشيخ ومسقط رأسه وهي بلدة كفربطنا، قبيل دخول النظام السوري إلى البلدة وانشقاق عشرات المقاتلين من “فيلق الرحمن” وانضمامهم إلى الشيخ، وانتشارهم في الأحياء السكنية للبلدة لمواجهة تنظيم “جبهة النصرة” الذي حاول اقتحام مقر إقامته دون أن يتمكن، لينسحب بعدها من البلدة إلى مناطق زملكا وعربين التي كانت آخر معاقل المعارضة في القطاع الأوسط من الغوطة الشرقية قبل أن تدخلها باصات التهجير، وتابعت “ك.ع” أن ولدها البالغ من العمر 30 عامًا، اعتقلته أجهزة النظام الأمنية بعد سيطرتها على الغوطة بنحو 3 أيام، رغم إجرائه “تسوية ومصالحة” ورغم وقوفه مدافعًا عن الشيخ “الضفدع” إلا أن ذلك لم يشفع له، وذهبت المواطنة لمنزل الشيخ مرات عدة وطلبت منه التدخل لإطلاق سراح ولدها، إلا أنه في كل مرة كان يقدم لها وعود كاذبة، ولايزال الشاب معتقلًا حتى يومنا هذا في سجن صيدنايا ذو السمعة السيئة.

يذكر أن النظام السوري بسط سيطرته الكاملة على الغوطة الشرقية في آذار/مارس 2018، بعد اتفاق روسي-تركي على تقاسم مناطق سورية فكان للأتراك عفرين مقابل الغوطة، وهُجر أهلها إلى الشمال السوري برفقة مقاتلي الفصائل، فيما جاء الاتفاق بعد حملة عسكرية شرسة للنظام والروس، قتلوا وجرحوا خلالها الآلاف ودمروا الممتلكات، فيما اكتف المجتمع الدولي بالمشاهدة والتنديد الإعلامي.