من ظلام السجن إلى صحراء الحرية.. ناجيات من سجون النظام يتحدثن للمرصد السوري عن آثار الاعتقال النفسية والجسدية والاجتماعية

37

تواجه الناجيات من معتقلات النظام السوري تحديات كبيرة جداً أقل ما يمكن وصفها بأنها لا تقل عن حجم المعاناة التي كانت تتعرض له المرأة المعتقلة ضمن المعتقل، ناهيك عن قيود المجتمع الذي يُلصق بها تهم عدة، فتخرج من السجن الصغير لتجد سجنًا أكبر بانتظارها، وتعاني الناجيات من السجون حالات نفسية صعبة قد توصلها إلى طريق الانتحار في بعض الأحيان، أو المضي بحياة غير طبيعية.

وفي سياق ذلك، تروي السيدة (ر.م) من مدينة حلب وهي من الناجيات من سجون النظام للمرصد السوري، أنه وبعد عودتها من دولة الإمارات العربية المتحدة تم اعتقالها عدة أشهر في العام 2013-2014، وقد عايشت الوحشية والتعذيب، فتقول: “اعتقلني عناصر قوات النظام قرب حي الراشدين بحلب، في بتاريخ 23/9/2013، أثناء عودتي من تركيا في زيارة لأهلي، وتم اقتيادي لأحد الأفرع الأمنية التابع للحرس الثوري الإيراني آنذاك، وبقيت 3 أيام في هذا المعتقل تعرضت للضرب والصعق الكهربائي والشتائم والإهانات، ثم تم نقلي إلى فرع الأمن السياسي بحلب، وجرى وضعي في زنزانة صغيرة تتواجد فيها جثث متفسخة وتفوح منها رائحة الموت، وبعد 3 أيام قام عناصر قوات النظام بإخراج الجثث إلا أن رائحتها لم تخرج من ذاكرتي إطلاقاً، وكانت أصعب من الضرب والتعذيب اليومي الذي استمر لنحو شهر في هذه الزنزانة، وبعدها تم نقلي إلى مهجع كبير يوجد فيه الكثير من المعتقلين، غالبيتهم من النساء والشباب.”

وتقول (ر.م): “كان صراخ السجناء وبكائهم رهيبًا أثناء التحقيق، يسمعهم جميع السجناء الذين ينتظرون دورهم في ملاقاة المحقق والجلاد ضمن هذا المسلخ البشرية، بعد ذلك خرجتُ في صفقة تبادل أسرى بين “حركة أحرار الشام الإسلامية” وقوات النظام، بتاريخ 25/4/2014، قبل تحويلي إلى سجن عدرا، بجرم دعم الجماعات الارهابية وانتقلت للعيش مع أولادي ومصارعة الحياة وحدي بعد أن تخلى عني زوجي وأسرتي.”

وتضيف السيدة (ر.م) في نهاية حديثها: أنها فقدت أملها بالحياة من جديد، من قسوة تلك الصور التي لا تزال محفورة في مخيلتها، وما عايشته من أصناف التعذيب دون مراعاة لحقوق الإنسان، وهي لا تزال تعيش صدمة ما رأت عينيها وتستيقظ على أصوات تعذيب السجناء حتى اليوم.

وبسبب انتشار الفساد داخل سلطات النظام السوري، فإن غالبًا ما يتم إخراج المعتقلين بعد دفع مبلغ مالي كبير، تتحمله عائلة المعتقل.

وفي شهادة أخرى للسيدة (غ.ح) 33 عام، وهي موظفة في دوائر حكومية تابعة للنظام السوري، اعتقلت نحو 3 أشهر في العام 2017، بتهمة “إرسال معلومات للإرهابيين”، تقول في حديثها للمرصد السوري، “كنت في طريقي إلى محافظة حماة لأنال مرتباتي الشهرية، عندما أوقفني حاجز أمني للمخابرات الجوية، وجرى اعتقالي بطريقة تعسفية حيث عصب عيني وتقييدي واقتيادي إلى مركز فرع المخابرات الجوية في حماة، ومكثت نحو شهر في زنزانة منفردة معتمة لا تميز الليل والنهار طيلة فترة مكوثي.”

وأضافت السيدة: “تم اقتيادي إلى غرفة التحقيق مرات عدة وأنا معصوبة العينين ومقيدة، وتعرضت خلال التحقيق للضرب والتحقير وأنا أنكر التهم المنسوبة لي، وفي النهاية استسلمت للمحقق الذي طلب منها أن تبصم على ورقة الاعتراف بتعاونها مع الإرهابيين، وبعد نفذت طلبه تعرضت لضرب وحشي من قبل الجلادين، إضافة إلى الإهانات التي لاتحتمل”، وروت السيدة ما عايشته بعدما بصمت على تلك الأوراق، من السجانين الذين هددوها بالتعذيب والتصفية بعد نقلها من معتقل إلى آخر، كانت تسمع أصوات التعذيب والقتل وأصوات تدفق المياه على المعتقلين كل ليلة حتى الصباح، وضحكات السجانين الذين يهددونها يوميًا بالتصفية، ما سبب لها أزمة نفسية.

وقبيل إطلاق سراحها من فرع المخابرات الجوية بدمشق، جاء أحدهم وقال لها أن التهم الموجهة لها كانت غير دقيقة، وعليه سيتم إطلاق سراحها، وبعد خروجها من المعتقل علمت أن زوجها وأقربائها دفعوا مبلغًا وقدره 40 ألف دولار أمريكي بواسطة محامي في العاصمة دمشق إلى المقدم في المخابرات الجوية (ع.م)، وهو ما ترتب عليها مبلغًا يفوق ما تملك.

وغالباً ما يترك المعتقل آثار صحية جسدية خطيرة وإعاقات دائمة جراء التعذيب الوحشي الذي تتعرض له النساء خلال فترة الاعتقال، وتتحدث السيدة (ج.ي) 35 عام للمرصد السوري بأنها اعتقلت لمدة 7 أشهر بتاريخ 17/8/2014، وأفرج عنها بتاريخ 11/3/2015، تقول السيدة “إن اعتقالي بسبب قيامي بواجبي الإنساني في معالجة الجرحى في منطقة الوعر بمدينة حمص وتم اقتيادي إلى فرع الأمن السياسي، حيث تعرضت لكافة أنواع التعذيب الجسدي والنفسي كالشبح والجلد والحرق بالسجائر وتقليع الأظافر إضافة للضرب المبرح، كما كانوا يجبروني وباقي المعتقلات على تناول أدوية تمنع الدورة الشهرية التي تؤدي لمشاكل في الرحم والإنجاب مستقبلًا.”

بينما كان يحاول ذويها مرارًا التدخل للإفراج عنها عبر دفع مبالغ مالية كبيرة، لكن دون جدوى حتى لم يتم السماح لهم بزيارتها في المعتقل، إلى أن طالبت بها الفصائل ضمن قائمة أسماء في عملية تبادل الراهبات مع قوات النظام.

وبعد خروجها من السجن تقول السيدة للمرصد: “عانيت من مشاكل نفسية وجسدية عديدة منها قصور بالقلب وكسور في العمود الفقري والقدمين أدت لعدم قدرتي على المشي إلا بعد خضوعي لجلسات علاج فيزيائية لمدة 5 أشهر، إضافة إلى إصابتي بالعقم الكامل بسبب الأدوية التي أجبرونا على تناولها خلال الاعتقال.”

وفي شهادة أخرى للسيدة (ح.ه) وهي طالبة جامعية في كلية الحقوق، من مواليد دير الزور اعتقلتها دورية للأمن العسكري بقيادة النقيب (م) في أواخر العام 2013، من منزل والدها في حي القصور، وتم اقتيادها إلى فرع الأمن العسكري بحي غازي عياش بمدينة دير الزور، وعند دخولها الفرع طُلب منها أن تخلع ثيابها لإجراءات التفتيش، وعند رفضها تعرضت للضرب، ثم أمر الضابط من إحدى المجندات بتفتيشها، وبعدها نقلت السيدة إلى الزنزانة، وخضعت للتحقيق مرات عدة، كانت إحداها جولة ميدانية في شوارع مدينة دير الزور لاستجوابها عن علاقتها بأشخاص في المدينة لديهم نشاط ثوري، وعند إنكارها تعرضت الشابة لشتى أنواع التعذيب والتحرش الجنسي ونزع الحجاب والجلباب وإهانتها بطريقة مشينة، وبعد تنقلها بين عدة سجون ومراكز أمنية، تم الإفراج عنها بعد دفع رشوة كبيرة إلى القاضي، وضباط في فرع فلسطين.”

ولا شك أن نظرة المجتمع للمعتقلات اللواتي قُدر لهن النجاة من مسالخ النظام البشرية، تكون مشوهة وقاسية وتحرمهن من حقوقهن الطبيعية، حيث تفقد فرصتها بالزواج أو تفقد شريك حياتها لأسباب اجتماعية لا يتقبلها غالبية الرجال، حيث تروي السيدة (خ.ح) وهي في مقتبل العمر كانت تعمل ممرضة في أحد المشافي، اعتقلت لمدة شهر واحد في عام 2015، ونقلت إلى فرع أمن الدولة بحمص، وتعرضت للتعذيب النفسي والجسدي، وخرجت بعد دفع غرامة مالية كبيرة إلا أنها تفاجئت بترك خطيبها لها، ما سبب لها أزمة نفسية لا تزال تعيشها حتى يومنا هذا.

وفي شهادة أخرى للمرصد السوري روت السيدة (ر.ب) تسكن في ريف إدلب الغربي وهي من سكان مدينة اللاذقية، بأن زوجها تخلى عنها بعد اعتقالها بتهمة مشاركتها في المظاهرات التي خرجت في مدينة اللاذقية في العام 2011، وقالت السيدة: إن زوجها كان يعمل عند “آل الأسد”، وهو الآن ضمن ميليشيات الدفاع الوطني.

وأضافت السيدة بأنها دفعت فاتورة كبيرة، وباتت بلا معيل في مخيمات النزوح.

يذكر أن المرصد السوري وثق بالاسم استشهاد 64 مواطنة تحت وطأة التعذيب داخل معتقلات النظام السوري، منذ انطلاقة الثورة السورية، وهناك العشرات بل المئات من النساء جرى قتلهن على يد السجانين، من بين آلاف النساء الذين لا زلن يقبعن في تلك السجون.

وتبقى النساء تحت تسلط العادات والتقاليد بعد نيلهن الحرية الكاذبة، وبعد سلسلة من الجرائم تنوعت بين العنف الجنسي، والقتل بجميع أنواعه، والتشويه والمعاملة القاسية، والاعتداء على الكرامة الشخصية، وكأنما الاعتقال ضريبة تدفع ثمنها المرأة المعتقلة مرتين، الأولى بكافة أنواع الوحشية داخل السجون والثانية بعد خروجها منه.