من عين العرب إلى حلب: الشوكات القاتلة لتركيا

23

تركت معركة عين العرب (كوباني) السورية ندوبها الواضحة على العلاقات التركية مع الولايات المتحدة، ومع الأكراد في المنطقة ككل.
وتبيّن خلال مؤتمر استراتيجي عقد مؤخرا في أربيل أن «رئيس» إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني هو الذي اقترح على الرئيس الأميركي باراك أوباما فتح ممر عبر تركيا لعبور «البشمركة» إلى عين العرب. وقد تعهد أوباما، تلطيفاً، بإقناع تركيا بذلك، وهو ما يتعارض مع رواية الرئيس التركي رجب طيب اردوغان من انه هو الذي كان وراء فكرة فتح الممر.
ومن أولى نتائج معركة عين العرب كسر التوازن الذي كان اردوغان يريد أن يرسيه في العلاقات مع الولايات المتحدة، بحيث تم لواشنطن، في لحظة حساسة من مخططاتها في المنطقة، ما تريده رغماً عن تركيا، مسقطة بالتالي كل طروحات اردوغان ورئيس حكومته احمد داود اوغلو حول إسقاط عين العرب وإرهاب «حزب العمال الكردستاني» و«حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي السوري والسيادة المطلقة على الأراضي التركية، وبرعاية مباشرة من الجيش التركي نفسه، حامي السيادة الوطنية.
وتشعر الولايات المتحدة بالانزعاج منذ أكثر من سنتين من سياسات اردوغان وسلوكه في أكثر من قضية، بما في ذلك تدهور العلاقة مع إسرائيل وامتناعه من تطبيع العلاقات السياسية معها، بعد اعتذار رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من أنقرة على حادثة سفينة «مرمرة». كذلك، فإن واشنطن منزعجة من أهداف تركيا في سوريا ووسائل تحقيقها، بحيث تقحم الولايات المتحدة في مغامرات غير محسوبة مع النظام في سوريا، وأيضاً مع إيران وروسيا، بحيث تبدو المواقف التركية محاولة لوضع العصي في دواليب بعض المخططات الأميركية.
ومن المشهد الإقليمي منذ «غزوة» تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» – «داعش» للعراق، بدا كم أن واشنطن معنية وراغبة في أن تضع الأكراد في كل المنطقة تحت مظلتها، في سياق ترتيبات غير واضحة المعالم بعد للمنطقة، بما في ذلك مشاريع إعادة تشكيل التوازنات والتحالفات وربما الخرائط.
وكان معبّرا قول ميكائيل ويرز، من «مركز التقدم الأميركي»، المقرب من أوباما، في ندوة عقدت في اربيل قبل أيام، ووفقا لما نقلته صحيفة «راديكال» التركية، بأن يوم 19 تشرين الأول العام 2014، حين ألقت طائرات أميركية مساعدات عسكرية للمقاتلين الأكراد في عين العرب، كان «نقطة تحول»، إذ اتخذت الولايات المتحدة في ذلك اليوم قراراً مفاده أن «حماية كوباني بالنسبة إلى واشنطن أكثر أهمية من العلاقات الراهنة مع تركيا».
وفي سياق متصل إلى حد ما، قال مدير الإرهاب في «الانتربول» الدولي بيار سانت هيلير إن المسلحين «الجهاديين» كثفوا من دخولهم إلى تركيا عبر الموانئ البحرية، بعدما بدأ التضييق عليهم عبر المطارات. وأوضح أن مرفأ إزميت عند الساحل الشرقي من بحر مرمرة تحول إلى البوابة الرئيسية لتدفق المقاتلين الأجانب إلى تركيا، ومنها إلى سوريا والعراق.
أما الوجه الثاني من تأثيرات معركة عين العرب، وموقف تركيا السلبي منها، فيشمل العلاقة بين تركيا وأكرادها، وخصوصاً «حزب العمال الكردستاني».
وبعد تصريحات لنواب من «حزب العدالة والتنمية» حول انتشار التسليح على نطاق واسع في المناطق الكردية، فإن رئاسة أركان الجيش التركي، وفقا لما ذكرته صحيفة «طرف»، قدمت إلى رئيس الحكومة، أثناء اجتماع بين داود اوغلو ورئيس الأركان نجدت أوزيل، تقريرا عن الوضع في البلاد، تضمن تحذيراً قوياً جدا من أن «الدول الكبرى تسعى لتفتيت المنطقة من خلال استخدام عناصر متطرفة وانفصالية تدعمها وتحثها على التمرد. وإذا لم تنجح في التقسيم فعلى الأقل إضعاف الدول الإقليمية».
وحذّر التقرير من «التهديدات التي تواجهها تركيا، ومن انه إذا لم تتخذ تدابير أمنية حدودية صارمة، فإن عمليات التمرد يمكن أن تتحول إلى حالة لا يمكن ضبطها، لتكون البلاد أمام خطر التقسيم»، داعياً، في هذا المجال، إلى «تقوية النظام الدفاعي الجوي التركي».
وبالرغم من أن معركة عين العرب لا تزال مستمرة، فإن تركيا خسرتها سياسياً، قبل أن تخسرها ميدانياً. ومنذ لحظة الإقرار الضمني بالخسارة انتقلت «المنظومة العثمانية – السلجوقية» في تركيا إلى التحضير لمعركة حلب.
وبدأت وسائل الإعلام الموالية لـ«حزب العدالة والتنمية»، وعلى رأسها صحيفة «يني شفق»، تروّج لحلب ومحيطها، بل كل الشمال السوري، على انه قطعة من الفضاء التركي.
وسبق لاردوغان أن قال للصحافيين الذين رافقوه إلى تركمانستان مؤخراً إن «حساسية تركيا تجاه حلب اكبر بكثير من حساسيتها تجاه عين العرب».
وكان تبرير اردوغان لهذه الحساسية أن حلب مركز حضاري وتاريخي، والمركز الاقتصادي الأهم في شمال سوريا، محذرا من تهديدات «داعش» لها، كما من تهديدات النظام في سوريا.
في هذا الوقت، كان المدعو «أبو فاضل»، من قيادات ما يسمى بـ«الجبهة التركمانية» في سوريا، يصرح للصحيفة بأن «السلطان سليم الأول زرع التركمان في سوريا منذ 500 عام، كي يحموا الحدود التركية»، داعياً إلى «ضم جبل التركمان إلى المنطقة العازلة في حال إقامتها».
وبعدما خسرت معركة عين العرب، يبدو أن تركيا تريد فتح معركة حلب، أولاً لتعويض الخسارة في «كوباني»، وثانيا لمحاولة تبرير اي هجوم لـ«داعش» على المدينة، تكون هي وراءه، خصوصاً في ظل تواجد ضباط اتراك يديرون معارك «الدولة الاسلامية» وفقا للقيادي في «الكردستاني» جميل باييك.
لكن عين تركيا كانت دائماً على حلب، كما كانت على ولاية الموصل كركوك في شمال العراق، وفي ذلك رغبة دفينة تركية عكسها «الميثاق الوطني» الذي أقره البرلمان التركي في العام 1920، ويلحظ كلا من شمال العراق وشمال سوريا، بما فيها حلب، ضمن حدود تركيا الجديدة، ما بعد انهيار السلطنة العثمانية في العام 1918.
وبالنسبة إلى قادة «العدالة والتنمية» فليس أفضل من ظروف الفتنة والفوضى والانقسام الموجودة حالياً لترجمة هذا المشروع إلى حقيقة. لكن إذا كانت أنقرة قد عجزت عن ابتلاع شوكة صغيرة مثل عين العرب، فهي بالتأكيد أكثر عجزا عن ابتلاع شوكة حلب، التي ليست فقط كبيرة بل قاتلة أيضاً.

محمد نور الدين