نازحو إدلب يواجهون برد الشتاء بحرق ألبسة مستعملة وأكياس بلاستيكية

42

دفعت الظروف المعيشية والاقتصادية المتردية والصعبة، النازحين في مخيمات الشمال السوري إلى استعمال وسائل تدفئة غير تقليدية وضارة بصحة الإنسان، كالبلاستيك المستعمل والألبسة المهترئة، وبقايا الإسفنج وأكياس النايلون المنتشرة؛ لمواجهة برد الشتاء أمام ارتفاع أسعار الوقود ومواد التدفئة السليمة الأخرى، كالحطب والبيرين المستخرج من الزيتون أثناء عصره.

وجالت «الشرق الأوسط» في عدد من المخيمات للنازحين في محافظة إدلب لاستقصاء هذه الظاهرة. أبو محمد (56 عاماً)، نازح من مدينة معرة النعمان ويعيش وزوجته وأفراد أسرته المؤلفة من 8 أبناء داخل خيمة بالكاد تتسع لهم، مشدودة بحبال ضعيفة وأحجار متوسطة الحجم مرمية على أطراف الخيمة لتثبيتها وحمايتها من الخراب أمام الرياح التي تهب بين الحين والآخر، وغزارة الأمطار، ضمن مخيم حربنوش شمال إدلب. يقول «خيمة مهددة بالخراب في كل لحظة تهب فيها الرياح وفي الداخل ظلام دامس بسبب عدم توفر الضوء سوى ضوء صغير معلق بسلك كهربائي مع بطارية مرتبطة بلوح طاقة شمسية صغير لا يكفي لساعة أو اثنتين بسبب غياب الشمس، ومدفأة تعمل على البلاستيك والنايلون المستعمل على مدار الساعة ودخان متصاعد من المدفأة».

ويضيف «الظروف الاقتصادية الصعبة التي نعيشها بسبب النزوح والتشرد حالت بيننا وبين الوقود الذي تتراوح أسعار الليتر منه بين 1300 و1400 ليرة سورية (الدولار الأميركي يساوي 3 آلاف ليرة) والحطب الذي وصل سعر الطن منه مؤخراً إلى 100 دولار أميركي؛ الأمر الذي اضطرنا إلى البحث عن وسائل بديلة، وكان البلاستيك المستعمل وأكياس النايلون والكرتون الحل الأخير للحصول على الدفء لأطفالي».

وأردف قائلاً، إنه يحصل على البلاستيك المستعمل والكرتون وأكياس النايلون من خلال إطلاق 3 من أطفاله كل يوم صباحاً نحو بلدة حربنوش والقرى المحيطة لجمعها من الطرق ومن قرب المحال التجارية ويعودون مساءً إلى المخيم، بينما هو يبقى داخل الخيمة لرعاية باقي أطفاله الصغار إلى جانب أمهم «التي تصاب بين الحين والآخر بسعال حاد والتهابات في الجهاز التنفسي نتيجة استنشاقها الغازات السامة المنبعثة من البلاستيك والنايلون المحروق داخل المدفأة».

فواز الشلاش (83 عاماً)، هو من ريف حماة الشرقي نازح في مخيم الفقراء بالقرب من بلدة حزرة شمال إدلب. يقول إنه رغم أنه مصاب بمرض الربو، وأجرى عملية قسطرة قلبية سابقاً، ويشكو بشكل دائم من ضيق التنفس وناشد كثيراً من المنظمات لمساعدة بتأمين وسائل تدفئة سليمة كالحطب والوقود «لم يحصل على أي مساعدة من أي جهة؛ ما أجبرته ظروفه المادية الصعبة إلى استعمال الأحذية المهترئة وقطع الإطارات كوسيلة تدفئة داخل خيمته؛ الأمر الذي فاقم وضعه الصحي»، لافتاً إلى أنه يجري كل يومين أو 3 جلسات رذاذ لتحسين عمل الرئتين، وفي بعض الأوقات يتعرض لنوبة ضيق تنفس شديدة ويتم إسعافه إلى المشافي لتلقي الإسعافات الأولية والأكسجين.

أما مصطفى وخالد ومحمود، فهم أطفال لم تبلغ أعمارهم الـ10 سنوات نازحون من قرى ريف حلب الجنوبي في مخيم البوشعبان شمال سوريا. يمضون يومهم في جمع البلاستيك وكل شيء قابل للاحتراق في المدافئ؛ بهدف تأمين الدفء لباقي أفراد اسرهم، غير مهتمين لمخاطر التعرض للبرد والإصابة بأمراض جلدية أثناء البحث عن هذه المواد وجمعها، دون ارتداء القفازات أو ما يقيهم من خطر التعرض لحوادث سير وما شابه.

من جهته، يقول الدكتور حسن قدور الذي يعمل في أحد المراكز الطبية في منطقة مخيمات أطمة الحدودية مع تركيا «تردنا بشكل يومي عشرات الحالات الإسعافية لأطفال وكبار بالسن مصابين بضيق تنفس شديد والتهابات بالرئة وتقديم الإسعافات والعلاج لهم المتمثلة بإعطائهم جرعات من الرذاذ والأكسجين والأودية اللازمة»، موضحاً أن ذلك تزامن مع موجات البرد واستعمال النازحين وسائل تدفئة ضارة على صحة الإنسان كالبلاستيك والنايلون والفحم الحجري السيئ داخل الخيام واستنشاقهم لها لساعات طويلة من اليوم دون تهوية الخيام. ويلفت إلى أن الخطر الأكبر الذي يكمن خلف هذه الحالات من الإصابة بأمراض تنفسية بين النازحين هو ضعف المناعة عند النازحين؛ مما يزيد من مخاطر وتفاقم الإصابة بفيروس كورونا الذي ينتشر بين الناس خلال الآونة الأخيرة، ناصحاً النازحين إلى توخي الحذر وتهوية الخيام بشكل دائم خلال ساعات النهار للحد من الإصابة بأمراض تنفسية.

 

 

 

المصدر: الشرق الاوسط