ندرة الأمطار وشح الدعم.. أبرز ما يواجه سير القطاع الزراعي في مناطق “الإدارة الذاتية” شمال شرق سوريا

49

تعد مناطق شمال شرق سوريا الواقعة تحت سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” و”الإدارة الذاتية” من أهم المناطق الزراعية في سوريا والتي تمد الأسواق بالمحاصيل الزراعية الهامة وتعتبر هذه المناطق بمثابة سلة غذائية لجميع المحافظات السورية، ومن أبرز ما تشتهر به هذه المناطق هو زراعة القمح الذي يحظى بأهمية بالغة من قِبل المزارعين باعتباره المادة الأساسية لإنتاج الطحين والخبز

وقد شهد القطاع الزراعي خلال السنوات القليلة الفائتة تدهوراً ملحوظاً في مناطق شمال شرق سوريا مثل محافظات الحسكة والرقة ودير الزور نتيجة لعدة عوامل، أبرزها ضعف الدعم المقدم للمزارعين من قبل” الإدارة الذاتية” وعدم وجود تسهيلات، إضافة لانخفاض معدل الهطولات المطرية وغيرها من الأسباب، الأمر الذي انعكس سلباً على كمية الإنتاج وبالتالي تأثر المدنيين في مناطق شمال شرق سوريا بسبب ارتفاع أسعار معظم السلع والمواد الغذائية

ويشكو المزارعون في مناطق شمال شرق سوريا التي تخضع عسكريًا لسيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” وتتبع إدارياً لـ “الإدارة الذاتية” من عدم دعمهم بمادة المازوت بكميات كافية وبأسعار مناسبة ليتمكنوا من حراثة الأراضي وريها كما يشتكون أيضاً من غلاء أسعار الأسمدة والبذور والمبيدات الحشرية وهذه التكاليف لا يمكن تغطيتها وسط تراجع في كمية الإنتاج المحاصيل من قمح ومزروعات صيفية كالخضار وغيرها.

وفي شهادته للمرصد السوري لحقوق الإنسان يقول المزارع (ص.ش) من ريف مدينة الدرباسية بريف الحسكة الشمالي، بأن مواسم الزراعة الشتوية لهذه السنة تعرض لضرر كبير وأن مساحات واسعة من الأراضي المزروعة بمحصول القمح تضررت بنسبة قد تصل لنحو 40 بالمئة وذلك بسبب انحباس الأمطار، مضيفاً، بأن المزروعات في المنطقة يمكن تقسيمها لنوعين وهما “المروية والبعلية”، فالبعلية تضررت بشكل كبير وذلك نظراً لانحباس الأمطار وخاصة الأراضي التي زرعت في وقت مبكر، حيث أن البذور لم تنبت في الكثير من الحقول نتيجة تعفن تلك البذور وتلفها، أما بالنسبة للزراعات “المروية” فإن اصحاب الآبار الجوفية والمزارعين الذين يقومون بري محاصيلهم نظرا لعدم هطول الأمطار، فنسبة كبيرة منهم لم يتمكنوا من الحصول على مادة “المازوت” لتشغيل المحركات لاستخراج المياه من الآبار الجوفية، حيث أن الدعم في بداية الأمر كان معدوما ولكن نظرا للشكاوي التي تقدمنا بها مراراً إلى “هيئة الطاقة” بضرورة تأمين مادة “المازوت” لإنقاذ المحصول من التلف تم تزويدنا بالمادة لكن بشكل قليل

ويتابع (ص.ش)، بأنه اضطر لشراء لتر “المازوت” الواحد بسعر 1000 ليرة سورية في حين أن المستحقات المخصصة للمزارعين التي كانوا يحصلون عليها سابقاً بسعر 85 ليرة سورية فقط، والكثير من المزارعين لا يملكون أموال كافية لشراء “المازوت” بسعر مرتفع مما دفعهم للانتظار للحصول على مستحقاتهم وهذا ما أثر سلبا على محصول القمح، إلا أن الأمطار التي هطلت مؤخراً في شهر آذار/مارس أعادت الأمل للمزارعين و ينقذ المحصول الذي تضرر.

وعن المشاكل التي تواجه المزارعين أشار (ص.ش)، بأن البذور التي حصلوا عليها من النوعية المتوسطة وليست كالتي كانوا يحصلون عليها قبل 10 أعوام لكن اسعارها كانت تشجيعية وجيدة بالنسبة لسعر القمح إضافة لارتفاع أسعار الأسمدة حيث يصل سعر الطن الواحد لنحو 600 دولار أمريكي، وهناك مشاكل أخرى مثل عدم حصولهم على القروض المالية والمبيدات الحشرية الجيدة للقضاء على الحشرات الضارة، بالإضافة إلى قلة الأيدي العاملة نظرا لهجرة الشباب أو التحاقهم بصفوف “قوات سوريا الديمقراطية”

ويتهم ( ص.ش) “الإدارة الذاتية” بإهمال الجانب الزراعي بشكل كبير وإن الكثير من الفلاحين والمزارعين اضطروا إلى ترك الزراعة والعمل في مجالات اخرى رغم أن منطقة “الجزيرة السورية” تعتبر سلة سوريا الغذائية ولا سيما منطقة “الدرباسية” الواقعة ضمن “خط العشرة” أي منطقة “الاستقرار الزراعي” لكن الإهمال من قبل “الإدارة الذاتية” أدى إلى تراجع الزراعة بشكل كبير جدا.

أما في منطقة “تل تمر” الواقعة بريف الحسكة الشمالي فقد تعرضت مساحات واسعة من الأراضي الزراعية المزروعة بالمحاصيل البعلية لأضرار بالغة نتيجة انحباس الأمطار خلال فصل الشتاء بحسب ما أفاد نشطاء المرصد السوري لحقوق الإنسان، إذ أن المساحات الزراعية المزروعة بالمحاصيل “البعلية” في المنطقة باتت شبه خالية من أي نباتات لعدم حصول هذه الأراضي على حاجتها الكافية من الهطولات المطرية لهذا العام، أما المحاصيل الزراعية “المروية” فقد تعرضت لأضرار جزئية نتيجة غلاء المحروقات في السوق الحرة وعدم حصول المزارعين على كميات كافية من قبل “الإدارة الذاتية” المسؤولة عن المنطقة والمعنية بشؤون القطاع الزراعي.

كما ورصد نشطاء المرصد السوري لحقوق الإنسان في مدينة عين العرب/ كوباني في ريف حلب الشرقي تضرر مساحات واسعة من الأراضي الزراعية المزروعة بالقمح والشعير بسبب قلة الأمطار خلال فصل الشتاء، حيث تسببت قلة مياه الأمطار في تأخر نمو القمح والذي كان من المعتاد سنوياً أن يصل لمستوى إنتاج حبوب القمح في السنابل، لكن مواسم القمح لهذا العام أصيبت بتأخر النمو بشكل واضح.

بدورها تظهر “الإدارة الذاتية” اهتماماً بالقطاع الزراعي وبدعم المزارعين وتسهيل عملهم عبر منحهم مخصصات “المازوت” بأسعار مخفضة رغم شكاوى المزارعين من قلة هذا الدعم، فبتاريخ 27 شباط/ فبراير الفائت أعلنت “إدارة المحروقات العامة” التابعة لـ “الإدارة الذاتية” عن إلغاء الدفعة الثانية من مخصصات “المازوت” للتدفئة المقدمة للمدنيين وتقديم هذه المخصصات للمزارعين في المنطقة، وبررت قرارها بزيادة الطلب من قبل المزارعين لمادة ” المازوت” لإنقاذ محاصيلهم الزراعية بسبب الجفاف الحاصل في المنطقة.

ونتيجة لتراجع الإنتاج المحاصيل الزراعية في مناطق شمال شرق سوريا بسبب العوائق التي تقف بوجه المزارعين، فقد انعكس ذلك سلباً على أسعار السلع الأساسية والمواد الغذائية من خضار ومواد تموينية حيث يعاني المدنيون في هذه المناطق من ارتفاع الأسعار وسط تردي الأوضاع المعيشية وانخفاض الحد المتوسط لأجور العمال ورواتب الموظفين رغم أن مناطق شمال شرق سوريا غنية بالآبار النفطية و هذه المناطق كانت تصدر كميات ضخمة من منتوجها الزراعي لدول الخارج قبل سنوات.

ونشر المرصد السوري لحقوق الإنسان بتاريخ 15 آذار/ مارس، أن مديريات الأفران في مناطق “الإدارة الذاتية” شمال شرق سوريا أصدرت قرارات تنص على خلط مادة “الذرة الصفراء” مع الطحين وذلك نظراً لوجود نقص حاد في مادة الطحين والقمح لدى الجهات المسؤولة في “الإدارة الذاتية” في حين شهدت المناطق استياءً شعبياً بسبب رداءة جودة الخبز على الرغم من الوعود المقدمة من قبل الأفرام بتحسين الجودة.

ووفقاً للمعلومات التي حصل عليها المرصد السوري لحقوق الإنسان، فإنه ونتيجة تراجع نسبة الهطولات المطرية للعام الفائت 2021 فقد وصل الناتج المحلي من محصول القمح في مناطق شمال شرق سوريا لنحو 300 ألف طن فقط في حين كان الناتج المحلي السنوي سابقاً يصل لنحو مليون طن، ولتأمين حاجة المنطقة من الطحين استدعى الأمر شراء كميات كبيرة منه عبر الإستيراد من الخارج، وتبلغ حاجة المناطق الخاضعة لسيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” والإدارة الذاتية”سنوياً من القمح لنحو 650 ألف طن.

ورصد نشطاء المرصد السوري لحقوق الإنسان بتاريخ 24 آذار/ مارس عودة شكاوى سكان مدينة الرقة من رداءة الخبز الذي يصفونه بأنه “غير صالح للطعام” إضافة لعودة أزمة غلاء سعر مادة السكر ضمن مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” و”الإدارة الذاتية” حيث يصل سعر كيلو السكر الواحد في البقالة لنحو 5500 ليرة سورية، في حين وصل سعر علبة الزيت النباتي بسعة أربع لترات لنحو 39 ألف ليرة سورية، بينما وصل سعر علبة السمن النباتي بوزن أربعة كيلو لنحو 41 ألف ليرة سورية.

يذكر أن المحاصيل الزراعية في مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” و”الإدارة الذاتية” شمال شرق سوريا كانت قد تعرضت خلال العام الفائت 2021 للعديد من الأزمات مثل انخفاض مستوى منسوب مياه نهر الفرات إضافة لشح الدعم من قبل” الإدارة الذاتية” وإهمال احتياجات المزارعين، بينما كانت تعد هذه المناطق قبل عام 2011 من أهم المناطق الزراعية في سوريا وكانت تؤمن النسبة الأكبر من حاجة المحافظات السورية من القمح والعديد من المحاصيل الزراعية الأخرى.