نريد دولة ديمقراطية حرة تنتصر فقط للإنسان

17

منذ ديسمبر 1948 تاريخ صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي مثل تحولا في الوعي الجمعي للبشرية بضرورة تجسيد الالتزام الفعلي  بحقوق الإنسان وكرامته وحريته، ارتكازا على معيار مشترك ينبغي أن تستهدفه كافة الشعوب والأمم، والذي تُرجم إلى  500 لغة، ظلت البشرية يراودها الأمل في وضع أفضل على كافة المستويات الحياتية ، لكن الوقائع المتتالية  عبر السنوات أصابت الأفراد والشعوب بخيبة أمل كبرى حيث تُنتهك الحقوق والحريات وتُداس، وبات الإنسان مجرد رقم في ماكينة الاستغلال والانتهاكات.
يقول الساخر فيصل سعيد مطر، إنّ احترام  حقوق الإنسان أهم من احترام الثقافات، الإنسان له حقوق أما الثقافات والمعتقدات فلا.. مقولة تختزل وضعا مأساويا تعيشه سورية بعد أن أبت الأنظمة المتداولة على الحكم وهي من نفس العائلة الاستجابة لمطالب الناس في الحرية والعيش الكريم  وهو الهدف الذي هبّ من أجله السوريون هبّة واحدة عام 2011، بعد سنوات من الصمت المرّ والخذلان، هبّة وُوجهت بالحديد والنار  وقُصفت خلالها منازله ودُمّرت مدارسه وجامعاته  لتُنسف خلالها أحلامه وطموحاته، بل وتنسف حياة كان يرتقب أن تصبح ملوّنة متنوعة..
كان السوريون على يقين تام عام 2011 بكون ثمن الحرّية لن يكون سهلا وبلا لون دموي قاتم وبلا ألم جبّار، لكن حب الانعتاق كان أقوى من أي شعور  آخر، في بلد اعتقل فيه منذ بداية الثورة 969854 شخصا من بينهم 15002 سيّدة من قبل  بعض أجهزة النظام، وقتل من بينهم 102 ألاف تحت التعذيب بشتّى الأنواع  في الفترة الواقعة ما بين مايو 2013 وأكتوبر2015، فترة إشراف الإيرانيين على المعتقلات، بحسب توثيق المرصد السوري لحقوق الإنسان، في بلد استبيح فيها حق الحياة والعيش بسلام وعلا فيه صوت القنابل والرصاص وبات لون الدمّ معتادا لا يحيّر ضمير  حاكم مستبدّ همّه الوحيد أن لا يُزاح من كرسيه ولو كلّفه ذلك إطلاق النار على كل محتج وقتل كل رمق نادى بأن يعيش بحرّية.
لم يكن ثمن النزاع تهجيرا ونزوحا ولجوءً فحسب  بل كان  موتا في بلدان النزوح واللجوء وبين المخيمّات، بسبب تلك الحاجات الإنسانية، خصوصاً الصحية المفقودة بالنسبة إلى المدنيين السوريين المنهكين من نزاع مستمر وحرب جعلت البلد رمادا، في دولة صنّفت أخطر بلد بالنسبة إلى العاملين في المجال الصحي مع مقتل 102 في2018  وفق إحصائيات أممية..
 إن ما حلّ بسورية لم يكن هيّنا، هي مأساة حقيقة وأقوى حروب القرن21 خاصة من ناحية التهجير بإحصائية تعادل 170شخصا كل يوم، هي أرقام تحكي واقعا مريرا وتفسّر وضعية  سوداوية قاتمة.
ولا ننسى أن نذكّر بّأنّ الفتيات والنساء هن الأكثر تعرضاً للأذى في هذا النزاع، فهن المشرّدات غير المحميات المفقتدات للصحة الجنسية والإنجابية ، ولم يكفي استغلالهن اقتصاديا برواتب هزيلة بل عمّق الأمر استغلالهن جنسيا من قبل بعض المؤجرين لمعرفتهن بحاجتهن واضطرارهن لذلك العمل للعيش وتوفير أبسط مقومات الحياة البسيطة من مأكل وملبس ومشرب.
المجلّدات لن تكفي لوصف معاناة النساء الضحايا الأبرز للنزاع، فالواقع والأرقام أكثر تفسيرا للوضع.. فأن تطعم ابنك بالحليب المخلط بالماء حتى يعيش هو أبسط صورة ترسم معاناة الأطفال الذين هم براعم ضحايا الحرب وتجارها من ساسة ومحتكرين ودول داعمة للصراع والتقسيم ورافضة للحلول الأممية التي قد تسهم في الحدّ من المأساة والجوع وتحاول لتأسيس دولة تؤمن بالحرية والاختلاف بعيدا عن ثقافة الرقم الواحد والرجل الواحد والشخص الواحد، هي ثقافة جنت علينا جميعا ودمرت أوطاننا وسمحت للعدو باحتلال أراضينا وبتر أحلام أطفالنا وأحلامنا الطفولية في وطن يجمعنا لا يفرّقنا.. الظاهر أنه طلب بسيط كبساطة حلك طفل لكنه في باطنه حلم صعب المنال في دول لا تحترم حق الإنسان في التعبير وحقّه في أن يكون حرّا كطيف كما ولدته أمّه.
ونحن نؤمن كمنظمات سورية حقوقية بحق الحياة بما تحمله الكلمة من معنى إنساني، ونندّد بـ:
– استمرار السلطة بيد الرجل الواحد-
– الاستئثار بالحكم لتحقيق مصالح شخصية بعيدة عن مآسي الشعب السوري
-مواصلة استبعاد المعارضة من المشهد السياسي واعتبارها تنظيمات إرهابية مهمتها التخابر مع الخارج
-نعتبر أن عدم القبول  بالقرارات الأممية هي محاولات مستمرة لتعقيد الوضع وعدم قبول بالحلّ على أساس  سلمي تشاكي تشاوري بين مختلف الأطراف المتحاربة
-نعتبر أن تعطيل أعمال اللجنة الدستورية هو محاولة سطو واضحة على مسار دستوري  يفترض أن يكون بابا لحلّ سياسي ينهي المأساة
-نندد ببناء “مناطق آمنة” لاستجلاب مكونات أخرى ما من شأنه أن يفتح جبهة قتال وحرب في مناطق عديدة بشمال البلاد.
– نحن المجتمع المدني الحقوقي السوري، ندعو إلى:
-تكثيف المساعدات الإنسانية ومراقبة مساربها حتى لا تكون محلّ تلاعب من قبل تجار الحروب والأزمات
– السماح للمنظمات الانسانية بدخول مناطق النظام التي تعيش أوضاعا مأساوية ومناطق السيطرة التي تعاني الجوع والعطش
-وضع خطط حقيقية لإعادة تشييد المدارس التي قصفت، حيث حُرم ملايين الأطفال من التمدرس ما خلق جيلا جاهلا بالعلم والمعرفة مشاهدا للدم والقتل وحاملا لسلاح  دمّر وطنه
-وضع  قوانين تنتصر للنساء اللواتي كن أكبر المتضررات من الحرب المجنونة 
-ردّ الاعتبار لضحايا الحرب من لاجئين ونازحين وتشييد منازل في  مناطق ضمن مشاريع العودة الآمنة والطوعية التي تدعو إليها المنظمات الدولية
-ردّ الاعتبار للمعتقلين والمغيَّبين عبر  شن حملات واسعة إعلاميا وميدانيا وأمميا لإطلاق سراحهم ومحاسبة معذبيهم ومن نكّل بجثث الذين قضوا تحت التعذيب
– السماح بزيارة المعتقلات التي تعجّ بالمظلومين من نساء ورجال وأطفال أبوا أن يعيشوا حياة ظلم  وقهر وخذلان
-محاسبة مجرمي الحروب 
– تفعيل  العدالة الانتقالية
-احترام الأقليات المتعايشة في الجغرافية السورية
كل ذلك استنادا إلى المادة الأولى من القانون الدولي لحقوق الإنسان: “يولد جميع الناس أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق، وهم قد وُهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضاً بروح الإخاء”.
وانطلاقا من إيمانا وتمسكنا بالقوانين والمواثيق الدولية الإنسانية نرفض  تلك الوصاية على حقوق الإنسان السوري وندعو إلى العمل الفعلي والجاد من أجل دولة ديمقراطية حرة تنتصر فقط لكرامة الإنسان وانعتاقه من كل عوامل القهر والتسلط والإكراه والاستغلال.