نظام الأسد يستعد لانتخاباته: إجراءات لتخفيف الاحتقان الشعبي

19

تشير الوقائع والمعطيات إلى أن النظام السوري حسم قراره بإجراء الانتخابات الرئاسية منتصف العام الحالي، وفق دستور وضعه عام 2012، ما يعني انتهاء العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة، والتي لم تستطع حتى اللحظة دفع النظام إلى مفاوضات ذات مغزى، بسبب رفض النظام أي حلول سياسية يمكن أن تقوّض وجوده أو لا تسمح ببقاء بشار الأسد في السلطة. وذكرت مصادر مطلعة في العاصمة السورية دمشق أن “مجلس الشعب” (البرلمان) التابع للنظام سيعقد يوم الأحد المقبل جلسة، من المرجح أن تخصص للدعوة إلى إجراء انتخابات رئاسية لتثبيت بشار الأسد في السلطة لدورة جديدة، مدتها 7 سنوات وفق دستور 2012، الذي ينصّ على أن “يدعو رئيس مجلس الشعب لانتخاب رئيس للجمهورية قبل انتهاء ولاية الرئيس القائم في مدة لا تقل عن 60 يوماً ولا تزيد عن 90 يوماً”.

يسعى النظام للحصول على كمية أكبر من القطع الأجنبي

 

وقبيل نحو شهرين من إجراء الانتخابات المتوقعة في يونيو/حزيران المقبل، بدأ النظام سلسلة من الإجراءات الاقتصادية لتخفيف الأزمة المعيشية التي تضغط منذ أشهر على السوريين في مناطق سيطرة الأسد، فسمح منذ أيام بتسليم الحوالات الخارجية (الدولار) بسعر 3175 ليرة، إضافة لإجراء آخر يتعلق بتمويل مستوردات الصناعيين والتجار عبر بعض شركات الصرافة بدولار بسعر 3375 ليرة.

ويسعى النظام من وراء هذين الإجراءين لتحقيق مكاسب اقتصادية تتجلى بالحصول على كمية أكبر من القطع الأجنبي، وأخرى سياسية لتخفيف الاحتقان الشعبي في مناطق سيطرته والذي كاد أن يصل إلى حافة الانفجار خلال الشهر الماضي نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة. فقد وصلت أسعار المواد الغذائية إلى مستويات يعجز عنها أغلب السوريين، في ظل انقطاع التيار الكهربائي، وندرة المحروقات.

كما أعفى الأسد منذ أيام حازم قرفول من منصبه حاكماً لمصرف سورية المركزي، في محاولة لتحميله تراجع سعر صرف الليرة السورية إلى مستويات غير مسبوقة في تاريخ سورية، مع اقتراب الدولار من حاجز 5000 ليرة سورية الشهر الماضي. ومن المرجح أن يتخذ النظام خطوات اقتصادية أخرى خلال الفترة التي تسبق إجراء الانتخابات الرئاسية، لحث الخاضعين لسيطرته على المشاركة في التصويت لإقناع المجتمع الدولي للقبول بنتائج هذه الانتخابات.

في السياق، اعتبر الباحث الاقتصادي في مركز “جسور” للدراسات خالد التركاوي، في حديثٍ لـ “العربي الجديد”، أن النظام “يحاول تخليص السوريين الخاضعين لسيطرته من بعض المشاكل قبيل إجراء الانتخابات الرئاسية المقررة هذا العام”، مضيفاً: استطاع النظام تأمين كمية من المحروقات ربما تكفي الاستهلاك المحلي لمدة أسبوعين. ولفت إلى أنه “لاحظنا في الأيام القليلة الماضية تحسّنا في سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار، ما يعني أن النظام ضخ كميات كبيرة من الدولارات في السوق، لإنعاش الأسواق خصوصاً في شهر رمضان، ولإيهام الشارع الموالي أن النظام يعمل على تحسين المعيشة”. وأشار التركاوي إلى أن النظام “يحاول إصلاح ما خرّبه، ولكنه إصلاح مؤقت لن يدوم”. ورأى أن “ليس من أولويات النظام تحسين سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار وغيره من العملات”، معتبراً أن “همّ النظام الأساسي جمع قطع أجنبي، خصوصاً الدولار واليورو، من خلال ترهيب وترغيب التجار، لذا يتحكّم بسعر الصرف بناء على هذه الأولوية”. وأوضح أن لدى النظام أولوية أخرى “وهي دفع الرواتب للموظفين”، مشدّداً على أن النظام لا يهمه على الإطلاق تدني هذه الرواتب، فأي تراجع في سعر صرف الليرة يصب لصالحه في النهاية. في غضون ذلك، لا تزال العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة مجمّدة بشكل كامل، وكان واضحاً أن النظام يماطل بدعم من الروس والإيرانيين وصولاً إلى منتصف العام الحالي، لدفع المجتمع الدولي للقبول بنتائج الانتخابات الرئاسية.

ولم يعد هناك حديث عن جولة جديدة من اللجنة الدستورية، لأن إصرار النظام على إجراء انتخابات رئاسية وفق دستور عام 2012 أفقد هذه اللجنة أي أهمية سياسية، إذ كانت المعارضة السورية تأمل إنجاز دستور جديد تجري على أساسه انتخابات لأنها لا تعترف بالدستور الذي وضعه النظام. وعقدت هذه اللجنة عدة جولات خلال عامي 2019 و2020، إلا أنها لم تحقق أي تقدم يذكر، لأنه كان من الواضح أن العملية السياسية ليست من الأولويات لدى النظام، الذي لا يعترف حتى اللحظة بوجود معارضة له سواء في الداخل والخارج. واختفى المبعوث الدولي إلى سورية غير بيدرسن عن المشهد خلال الشهر الحالي، في ظل أنباء عن ترحيل النظام أي نشاط يخص العملية السياسية إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية.

وصلت أسعار المواد الغذائية لمستويات يعجز عنها السوريون

 

وأشار المحلل السياسي رضوان زيادة إلى أنه “كان جلياً منذ فترة طويلة أن بشار الأسد سيترشح للانتخابات وسيفوز بها”، مضيفاً في حديث لـ”العربي الجديد”: “يجب ألا يكون هناك شك حول نوايا الأسد فقد باتت معروفة للجميع”. وتابع بالقول: “بشار الأسد لم يأخذ يوماً مفاوضات جنيف التي ترعاها الأمم المتحدة، أو القرار 2254 على محمل الجد، والمفاوضات بالنسبة له فرصة لكسب الوقت من أجل تغيير الوقائع على الأرض وقتل أو تصفية أو تهجير من بقي من المعارضة داخل سورية”. وعن توقعاته لموقف المجتمع الدولي من نتائج الانتخابات الرئاسية، رأى أنه لن يختلف عن الانتخابات السابقة، التي جرت عام 2014. روسيا ستدعم الأسد وستقول هذه هي نتائج الانتخابات، والبلدان الأوروبية والولايات المتحدة لن تعترف بالنتيجة. وفي مقابل الجمود في العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة، برزت أخيراً محاولات من أطراف عربية لتعويم النظام مرة أخرى قبيل إجراء الانتخابات الرئاسية، فظهرت دعوات من هذه الأطراف لإعادة النظام إلى الجامعة العربية التي كانت جمّدت عضويته أواخر عام 2011 بسبب رفضه التجاوب مع مساعيها لحل القضية السورية. ولكن من المرجح أن تفشل هذه المحاولات بسبب رفض الولايات المتحدة اتخاذ أي خطوات من شأنها تأهيل النظام، مع استمرار رفضه للقرارات الدولية التي رسمت الطريق أمام حل سياسي يبدو بعيد المنال في المدى المنظور.

 

 

 

المصدر: العربي الجديد