هل اقتربت الحرب في بلاد الشام من ساعة الحسم؟

18

135843671393428408580673800

ميدل ايست أونلاين

بقلم: عمر نجيب

مع قرب إنتهاء الربع الأول من سنة 2014 الذي شكل فيه دخول الصراع المسلح الدولي والإقليمي على أرض الشام عامه الرابع، اختلفت الآراء والتقديرات بشأن تطوراته المستقبلية، البعض يتحدث عن امتداد المواجهة لعشر سنوات قادمة، في حين يقدر آخرون أن الحسم أصبح قريبا.

توما بييريه، الخبير في الشؤون السورية والأستاذ في جامعة ادنبره البريطانية، صرح انه “من دون تدخل غربي، ستستمر الحرب سنوات إضافية. وهذا التدخل غير مرجح طالما أن الرئيس باراك اوباما في البيت الأبيض، يمكن للأمور أن تتغير بعد سنة 2016” مع انتهاء ولايته.

ويقدر بعض الخبراء أن نظام دمشق غير قادر على استعادة سيطرته الكاملة على الميدان، مشيرين إلى وجود ما بين 100 ألف و150 ألف مقاتل معارض، بينهم 20 آلاف إلى 40 ألفا من المقاتلين الأجانب الموزعين على أكثر من ألفي مجموعة مقاتلة. وابرز هذه التشكيلات “الجبهة الإسلامية” التي تشكلت منذ أشهر، وتضم ابرز الكتائب الموصوفة بالإسلامية.

الخبير في الجغرافيا السورية فابريس بالانش يقول “في الواقع ليس ثمة سيناريو جيد لسوريا. يمكن للرئيس الأسد استعادة السيطرة بطريقة بطيئة، لكن الثمن سيكون هائلا. البلاد في حاجة إلى وقت طويل للعودة إلى وضع طبيعي، لان إعادة الإعمار ستضاف إلى المشاكل البنيوية التي سبقت اندلاع الأزمة”.

ويرى أن “إعادة تثبيت النظام لسلطته ستترافق مع وضع يجعل مئات الآلاف من الذين غادروا البلاد، غير راغبين بالعودة إليها”، مبديا شكوكه في “تلقي سوريا تدفقا من رؤوس الأموال كالتي دخلت لبنان بعد حرب العام 2006 مع إسرائيل.”

تحولات في اتجاه الحسم

يوم الأحد 16 مارس 2014 جاء في قصاصة لوكالة أنباء رويترز الأميركية: فرضت قوات سورية يدعمها مقاتلون من حزب الله اللبناني كامل سيطرتها على بلدة يبرود بعد أن طردت مقاتلي المعارضة منها.

ويساعد الاستيلاء على يبرود الرئيس السوري بشار الأسد في تأمين الطريق البري بين العاصمة دمشق وحلب وساحل البحر المتوسط وتضييق الخناق على خط إمداد حيوي لمقاتلي المعارضة من لبنان كما سيعزز سيطرة الحكومة على قطاع من الأراضي يمتد من دمشق إلى مدينة حمص بوسط سوريا.

وأصدر الجيش السوري بيانا قال فيه “أعادت صباح اليوم وحدات من الجيش العربي السوري بالتعاون مع الدفاع الوطني الأمن والاستقرار إلى مدينة يبرود ومحيطها في الريف الشمالي لمدينة دمشق بعد أن قضت على أعداد كبيرة من الإرهابيين المرتزقة”.

وقال مصدر عسكري لرويترز إن نحو 1400 مقاتل من الجيش السوري الحر وأحرار الشام وغيرهما من الفصائل فروا من يبرود خلال اليومين الماضيين وأن نحو ألف مقاتل في جبهة النصرة المرتبطة بتنظيم القاعدة تحصنوا بالبلدة يوم السبت لمحاربة القوات الحكومية التي كانت قد دخلت المناطق الشرقية من يبرود وسيطرت على عدة تلال استراتيجية. وأضاف “خاضوا قتالا شرسا ثم انسحبوا جميعا منذ الليلة الماضية وحتى الساعات الأولى من صباح اليوم.”

وذكر المصدر أن المقاتلين انسحبوا إلى قرى حوش عرب وفليطة ورنكوس بالاضافة إلى بلدة عرسال الحدودية اللبنانية الواقعة على بعد 20 كيلومترا ناحية الشمال الغربي.

وبثت قناة المنار التابعة لحزب الله مشاهد من الميدان الرئيسي في يبرود وظهر الناس وهم يمشون ويتحدثون في أمان. وأنزل جنود علم الانتفاضة السورية ورفعوا مكانه العلم السوري.

وكانت لقطات بثت في وقت سابق اليوم أظهرت شوارع خالية ومحلات مغلقة ومنازل مهجورة في البلدة.

وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي يوجد مقره في العاصمة البريطانية، إن مقاتلين من حزب الله يسيطرون الان بالكامل على أجزاء كبيرة من يبرود. وقال رامي عبدالرحمن رئيس المرصد لرويترز إن جبهة النصرة لديها نفوذ كبير في المنطقة ولكن نفوذها انتهى الآن. وأضاف أن من غير الواضح أين ذهب أكثر من ألفي مقاتل أجنبي في المنطقة.

وإعلن في دمشق أن آلاف المدنيين الذين فروا من يبرود التي يعيش بها ما بين 40 و50 ألفا وتقع على بعد نحو 60 كيلومترا شمالي دمشق ومن المناطق المحيطة بها بدأوا في العودة إلى منازلهم.

وتحقق الحكومة السورية مكاسب مطردة على طول الطريق البري وكذلك في المناطق المحيطة بدمشق وحلب خلال الشهور المنصرمة لتستعيد زمام المبادرة في الصراع.

وقال المصدر العسكري إنه بالتزامن مع السيطرة على يبرود أغلق الجيش السوري والقوات الجوية 14 من بين 18 معبرا مع لبنان والتي كانت تشكل أحد أهم منافذ تزويد القوى التي تقاتل الجيش السوري بالعتاد والمتطوعين الأجانب. وأضاف “ستكون المعركة خلال الأيام القليلة القادمة على إغلاق هذه المعابر المتبقية.”

وذكر التلفزيون السوري أن الجيش يستهدف مقاتلين من المعارضة بين فليطة وعرسال بعد انسحابهم من يبرود. وقالت قناة المنار إن هجمات جوية دمرت العديد من الشاحنات التي كانت تنقل مقاتلين فارين قرب عرسال.

ويهدد تدفق المقاتلين من سوريا إلى لبنان بتفاقم زعزعة الاستقرار في لبنان الذي انتهت فيه حربه الأهلية عام 1990 بعد 15 عاما من القتال. وتصاعد التوتر الداخلي في لبنان بالفعل بسبب الحرب في سوريا مما سبب انعدام الأمن وحالة من الجمود السياسي.

وقال مسؤول محلي لبناني من عرسال لقناة تلفزيون العربية إنه يريد أن يعمل الجيش اللبناني على تأمين الحدود ويمنع المقاتلين الفارين من دخول البلدة اللبنانية.

وأفاد مصدر أمني لبناني لرويترز إن الجيش اللبناني يواجه مسلحين يعبرون الحدود من سوريا. وأفادت الوكالة الوطنية للإعلام اللبنانية أن القوات الموجودة في عرسال احتجزت مجموعة من السوريين كانوا يحملون “أسلحة حربية وذخائر”.

وفي حادث منفصل أطلق الجيش النار على متشددين في شاحنة صغيرة بالقرب من عرسال بعدما رفضوا الامتثال لأوامر بالتوقف “فعادت من حيث أتت”.

طرق التموين والامداد

مراسل وكالة الأنباء الصينية “شينخوا” الذي دخل يبرود مع عشرات الصحفيين والمراسلين الأجانب كتب: بسط الجيش السوري بدعم من حزب الله اللبناني يوم الأحد سيطرته الكاملة على مدينة يبرود الإستراتيجية بمنطقة القلمون آخر معقل لمقاتلي المعارضة المسلحة في ريف دمشق، وذلك بعد معارك استمرت أكثر من شهر.

وانتشرت عناصر الجيش السوري في الساحة العامة وسط مدينة يبرود بالقرب من المجلس البلدي، الذي رسم عليه علم “الثورة السورية ذي النجمات الثلاث”.. وبالمدينة أكثر من 300 معمل، وهي الرئة الاقتصادية للمناطق المحيطة بها.

ولم تبد على المدينة مظاهر خراب وتدمير كبيرين كما كان الحال في مدينة القصير بريف حمص “غربا” التي سيطر الجيش عليها بدعم من مقاتلي حزب الله اللبناني في يونيو 2013.

وذكر ضابط سوري أشرف على عملية السيطرة على يبرود في تصريحات للصحفيين إنه ” تم اليوم تحرير يبرود بشكل كامل من فلول العصابات الإرهابية المسلحة مع تكبيدها خسائر فادحة”. وتابع أن إنجاز الجيش كان بمثابة ” تحديا كبيرا من قبل المجموعات المسلحة التي كانت تراهن على عدم قدرة الجيش على الوصول إليها “، مشيرا إلى “أن الجيش سيلاحق الإرهابيين في أية بقعة داخل الأراضي السورية”.

بدوره، أفاد قائد ميداني يشرف على العمليات العسكرية في يبرود، “أن عملية السيطرة على المدينة لم تستغرق سوى 48 ساعة بعد أن طوقت جميع مداخلها والتلال المحيطة بها، وتم قطع طرق الإمداد من أسلحة وذخيرة بين المدينة والحدود اللبنانية”.

وتقع مدينة يبرود قرب بلدة عرسال اللبنانية، والتي برزت خلال الحرب السورية كممر لتهريب السلاح إلى وسط سوريا، بالإضافة إلى كون عرسال تضم فئة كبيرة من المتعاطفين مع المعارضة السورية.

ويرى محللون أن استعادة الجيش السوري السيطرة على مدينة يبرود شكل ضربة “موجعة لمقاتلي المعارضة المسلحة بعد أن خسرت عدة مواقع هامة خلال الأشهر الماضية”. وتقع المدينة على بعد نحو عشرة كيلومترات من طريق دمشق حمص، وسقوطها ينهي خطر مقاتلي المعارضة على هذه الطريق لأن المسلحين كانوا يستخدمون المدينة كقاعدة ينطلقون منها لشن هجماتهم على القرى وصولا إلى تهديد دمشق من جهة الشمال.

فيما ترى قوى معارضة أن سيطرة الجيش على يبرود يعود إلى توقف الدعم المالي والسلاح لمقاتلي المعارضة في الداخل.

وقال تركي الحسن الباحث الاستراتيجي السوري لوكالة أنباء “شينخوا” إن ” حجم وأهمية الدخول الى مدينة يبرود يتعلق بحجم المهمة المناط بها والقوى التي كانت تدعم العدوان على سوريا، حيث كانت يبرود مركزا للإرهاب وتصدر الارهاب إلى دمشق وريفها والبادية السورية وصولا إلى حمص وحماة”.

واعتبر أن انجاز الجيش السوري اليوم في يبرود يعني “إغلاق للتسلل من هذه المنطقة باتجاه الداخل السوري”.

وأضاف الحسن أن السيطرة على يبرود يعني أيضا “تخليص لبنان من الإرهاب الذي كان يدخل إليه عبر المدينة، وخلاص لسوريا عبر القضاء على اخر معقل للمجموعات المسلحة”، مشيرا إلى أن هناك الالاف من المسلحين فروا باتجاه عرسال، وقسم منهم هرب باتجاه الداخل السوري إلى مناطق عسال الورد ورنكوس، مؤكدا أن الجيش السوري يقوم بملاحقهم للقضاء عليهم.

وفي لبنان، قال مصدر محلي في عرسال لـ”شينخوا” إن “الطيران الحربي السوري أغار على مرتفعات بلدة عرسال على ثلاث دفعات مطلقا عدة صواريخ جو أرض”.

طعم الهزيمة

قبل 48 ساعة تقريبا من سقوط يبرود بثت وكالة “رويترز” يوم الجمعة 14 مارس خبرا جاء فيه: في مواجهة عدو يفوقهم عددا وعدة وتحت الحصار امتثل مقاتلو المعارضة السورية في حي برزة على مشارف دمشق للمحتوم ووافقوا على وقف اطلاق النار مع القوات النظامية التي تحاصرهم.

كان هذا واحدا من عدة اتفاقات مماثلة أبرمت في ريف دمشق وسمحت بعودة شيء من الحياة العادية إلى بعض الأحياء كما سمحت للحكومة أن تعلن عن عملية مصالحة نبتت من الداخل مع هؤلاء المقاتلين المحليين وحدهم دون الجهاديين الوافدين من الخارج.

لكن في برزة أصبح للهدنة التي تم الاتفاق عليها في يناير طعم الهزيمة للمقاتلين الذين كانوا يأملون اجتياح العاصمة والإطاحة بالأسد وتحقيق النصر في الحرب.

ذكرت مصادر رصد أوروبية أن انتصار القوات السورية في يبرود صدم الكثير من موجهي ومخططي السياسة الأميركية رغم التقارير التي كانت في حوزتهم والتي حذرت من تقلص قدرات خصوم النظام، الحدث كذلك صدم باريس والسلطات القطرية التي راهنت منذ ثلاث سنوات على إسقاط النظام السوري.

في باريس وفي اعتراف ضمني بإنتكاسة لسياسة حكومته صرح الرئيس الفرنسي فرانسوا أولوند يوم السبت إن فرنسا لن “تغمض عينيها” عن الصراع في سوريا رغم بروز أزمات أخرى على سطح الأحداث ووعد بتكثيف الجهود للتوصل إلى حل سياسي.

وكانت فرنسا وهي من أشد منتقدي الأسد أول قوة غربية ترسل علنا مساعدات عسكرية لمقاتلي خصوم النظام. وكانت أيضا أول دولة غربية تعترف بالائتلاف الوطني السوري المعارض باعتباره الممثل الوحيد للشعب السوري.

وقال أولوند “هناك موضوعات بعينها تختفي من الأخبار ليس لأن شيئا لا يحدث وإنما لأن أخبارا أخرى تحل محلها” مشيرا إلى الأزمة الأوكرانية.

من جانبه قال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس في بيان بمناسبة ذكرى مرور ثلاثة أعوام على بدء الصراع “يجب بذل كل جهد ممكن حتى تظهر سوريا الحرة الديمقراطية التي تحترم تنوع المجتمع السوري”.

فراغ قوة في الشرق الأوسط

في الولايات المتحدة ظهرت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس أحد زعماء المحافظين الجدد أصحاب مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي ينص على تقسيم المنطقة إلى ما بين 54 و56 دويلة، من جديد أمام اجتماع للحزب الجمهوري، موجهة انتقادات قاسية إلى سياسة الرئيس باراك أوباما الخارجية، قائلة إنه تسبب بحصول فراغ قوة في الشرق الأوسط استغله “أمثال الرئيس السوري بشار الأسد وتنظيم القاعدة” كما نددت بخطط واشنطن لتقليص حجم الجيش.

وتحدثت رايس، في كلمة ألقتها أمام المؤتمر السنوي للجمهوريين في ولاية كاليفورنيا، عن أوضاع الحزب الجمهوري الذي قالت إنه يحتاج إلى “بعض أعمال الترميم” كما أشارت إلى أن الولايات المتحدة برمتها بحاجة لترميم مماثل، في مواقف رأى البعض أنها قد تمهد لطرح اسمها على قائمة المرشحين المحتملين للانتخابات الرئاسية المقبلة.

وحضت رايس على إعادة الاعتبار لقيم الفرد في المجتمع الأميركي وتقليص دور الدولة، مشيرة في هذا السياق إلى التجارب الخاصة بـ”الإبداع والاختراع” في معقل التكنولوجيا الأميركية بـ”سيليكون فالي”.

وكررت رايس ما سبق للرئيس رونالد ريغان الدعوة إليه عبر ما كان يصفه بـ”السلام عبر القوة” لتنتقد السياسة الخارجية الأميركية الحالية بالقول: “لا يمكننا الحفاظ على سياسة خارجية نشيطة دون وجود جيش قوي.. إن الفراغ الذي نتركه سيستغله أمثال بشار الأسد، الذي يمزق الشرق الأوسط اليوم، وكذلك أمثال الإرهابيين في العراق وسوريا، حيث يولد تنظيم القاعدة من جديد، وكذلك أمثال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.. هذا العالم لن يكون مناسبا لقيمنا ومصالحنا، ولذلك يترتب على أميركا واجب القيادة”.

الرئيس ثيودور روزيفلت اشتهر بسياسته الخارجية التي تلخص بـ”تكلم بهدوء وأحمل عصا كبيرة،” أما سياسة الرئيس الأميركي باراك أوباما “أصرخ بصوت عال ولا تحمل عصا”.

يوم السبت 15 مارس دعا السيناتور الأميركي، جون ماكين الرئيس باراك أوباما لتقديم مساعدات عسكرية طويلة الأمد لأوكرانيا باعتبار أن هذه الخطوة “قرارا صائبا”، وذلك خلال زيارة له مع سبعة اعضاء آخرين بمجلس الشيوخ إلى العاصمة الأوكرانية، كييف.

وذكر ماكين إن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين “مصمم على إعادة أوكرانيا تحت السلطة الروسية،” مشيرا غل تصاعد صرف النظر عن الولايات المتحدة الأميركية ومصداقيتها في العالم.

وتابع قائلا: “القرم لابد أن تكون المكان الذي يستعيد فيه الرئيس باراك أوباما مصداقية الولايات المتحدة وأنها زعيمة العالم،” مضيفا: “أوكرانيا بحاجة إلى برنامج مساعدات عسكرية طويلة الأمد من الولايات المتحدة الأميركية.. سواء على صعيد الأسلحة الفتاكة وغير الفتاكة”.

التجربة المرة في العراق

في تغريدة متقاربة ولكنها تعكس حدود قدرة البيت الأبيض في التأثير على الأحداث، صرح روبرت فورد سفير واشنطن السابق في دمشق وأحد مهندسي الحرب الحرب الدائرة على أرض الشام في استجواب صحفي يوم 16 مارس 2014: “تجربتنا في العراق علمتنا أن الحل في سوريا ليس أميركيا، بل سيتطلب الأمر حلا من المجتمع الدولي تكون الولايات المتحدة جزءا كبيرا منه، موضحا أنه لا يتوقع حسما قريبا للأزمة السورية معترفا أن النهاية لا تزال غير واضحة.

وعند حديثه عما كان يمكن للإدارة الأميركية القيام به في سوريا كان حذرا، خشية الظهور على أنه ينتقد الرئيس الأميركي باراك أوباما وسياساته رغم أنه كان من مناصري التدخل العسكري المباشر في الحرب.

وأضاف السفير السابق أعتقد أن علينا أن نوضح بأوضح طريقة ممكنة ما الذي نقف من أجله وندعمه. وبينما تتواصل هذه المعركة وتزداد صعوبة من حيث الكرامة والأمن، سيكون مثل هذا الوضوح مهما أكثر من أي وقت مضى. وسأكون ممتعضا جدا إذا قال أحد إنه لأننا نقاتل “القاعدة” فإن ذلك يعني دعما لبشار الأسد. ولكن الأمر ليس هكذا، الأسد يدخل هؤلاء إلى البلاد. الجهاديون يذهبون للقتال في سوريا لأنه هو في مكانه، لو لم يكن هناك فسيكون من السهل تراجع تجنيد “المتطرفين”. ولكن من الممكن إساءة فهم الأمور، ولا أعتقد أننا عبرنا عن موقفنا بالوضوح المطلوب، وسيكون هذا أمرا ضروريا جدا خلال المرحلة المقبلة.

مهمات جديدة للمقاتلين الأجانب في مصر والخليج

يشير محللون إلى أن أحد مؤشرات تقلص آمال خصوم نظام دمشق في حسم الصراع لصالحهم يبرز من شروع المقاتلين الأجانب في الإنسحاب من سوريا للعودة إلى بلادهم الأصلية أو للذهاب إلى مناطق أخرى حيث وضعت الأجهزة التي جندتهم ودربتهم مشاريع تدخل جديدة.

يوم الجمعة 14 مارس صرح مسئول أمني يمني كبير لوكالة “رويترز” إن عشرات من السعوديين المتشددين تركوا ساحات القتال في سوريا والعراق وانتقلوا إلى اليمن حيث ساهمت خبراتهم على ما يبدو في سلسلة من الهجمات الدامية لتنظيم القاعدة.

ويثير التدفق الذي رصد في الشهور القليلة الأخيرة قلق اليمن المضطرب حيث يعتقد أن عدة مئات من المتشددين السعوديين يقاتلون فيه بالفعل إلى جانب يمنيين في تنظيم القاعدة في جزيرة العرب.

وكانت أول مجموعة رئيسية من المتشددين السعوديين قد هربت إلى اليمن بعدما تصدت المملكة لحملة عنيفة من القاعدة بين عامي 2003 و2006 وساعد هؤلاء المتشددون في تشكيل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب مع رفاقهم اليمنيين عام 2009.

وذكر المسئول الأمني اليمني الذي طلب عدم نشر اسمه “السعودي الذي يأتي إلى هنا الآن مقاتل اكتسب خبرة من الحرب في العراق أو سوريا ومستعد ‘للشهادة'”، “يعرفون كيف يصنعون الأسلحة والقنابل ويعلمون الآخرين”.

وذكر مصدر دبلوماسي خليجي أن أكثر من عشرة سعوديين “مؤثرين” انضموا لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب باليمن بعد أن قاتلوا في سوريا.

اللواء منصور التركي المتحدث باسم وزارة الداخلية السعودية قال إن “بضع مئات” من المتشددين السعوديين كانوا قد انتقلوا في السابق إلى اليمن وإن الوزارة ليس لديها معلومات عن أي سعودي ربما سافر من سوريا إلى اليمن في الآونة الأخيرة دون أن يمر عبر السعودية.

اليمن ليس وحده الوجهة المفضلة للمقاتلين الأجانب المنسحبين من سوريا. الأجهزة الأمنية الأوروبية تتابع بقدر الإمكان ورغم تشويش أجهزة أمنية غربية تعتبر حليفة، تحركات ما بين 1500 و2000 مقاتل غالبيتهم من فرنسا وألمانيا وإسبانيا وبريطانيا. البعض في الإتحاد الأوروبي يحذر من التهديدات التي يشكلها هؤلاء على الأمن الداخلي ليس في القارة العجوز وحدها بل على الدول المجاورة خاصة على الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط.

مصادر رصد أكدت أن عشرات المقاتلين الأجانب وجهوا إلى مصر وخاصة شبه جزيرة سيناء، وذلك لدعم حركة الإخوان التي قررت وبتوجيه من مسانديها في الخارج وفي مقدمتهم قطر والمخابرات المركزية شن حرب شاملة ضد الدولة.

أخرون إرسلوا إلى ليبيا حيث تواجه الحركات المحسوبة على الإسلام السياسي المتشدد تهديدات بفقدان النفوذ. نفس المصادر ذكرت أن بعض دول الخليج العربي وخاصة السعودية والامارات العربية والبحرين أصبحت مقصدا للمنسحبين من الصراع على أرض الشام، وأن أجهزة استخبارات إقليمية وغربية توجه هؤلاء في محاولة لزعزعة الإستقرار ولإبتزاز الحكومات وفرض سياسات معينة عليها.

مصادر أوروبية تتحدث عن جهود لإستئناف مسلسل الهجمات والتفجيرات في السعودية والبحرين، وتصدير العنف إلى الأمارات العربية عقابا لها على محاكمتها أنصار التنظيمات الإخوانية الذين كانوا يخططون لأعمال عنف، وكذلك لتأييدها ثورة الشعب المصري التي أسقطت حكم حزب الحرية والعدالة الذراع السياسي لجماعة الإخوان في 30 يونيو 2013، أجهزة ومنظمات قطرية خصصت عشرات الملايين من الدولارات لتمكين هؤلاء المقاتلين من التسلل بشكل أو بآخر إلى دول في مجلس التعاون الخليجي.

مصادر رصد أكدت أن هناك محاولات لتسريب عشرات من المقاتلين خاصة المتخصصين في التخريب إلى الإمارات العربية ليعملوا على زعزعة الاستقرار وإشاعة حالة من الذعر التي من شأنها ضرب النسيج الاقتصادي.

ما يثير تساؤلات كثيرة لدى بعض المحللين، تحرك أطراف من المفترض نظريا أن تكون في صراع كإيران والولايات المتحدة وإسرائيل، في إتجاه واحد لضرب استقرار عدد من الدول العربية وخاصة البترولية.

 

مهلة حتى عيد الفطر

يوم السبت 15 مارس وفي تحذير وصف من طرف البعض بالأسلوب الدبلوماسي، أكد نائب رئيس شرطة دبي، الفريق ضاحي خلفان، إن التغريد خارج السرب الخليجي يعتبر مضرا على عدد من العوامل التي ذكر منها الأمن والسياسة، مضيفا أن الولايات المتحدة الأميركية تائهة بعالم السياسة. وأضاف: “أميركا تائهة في عالم السياسة الى حد التخبط.. فشلت خلال العقدين الماضيين على اقل تقدير فشلا ذريعا”.

وطالب الفريق خلفان، بأن تعطى الدوحة مهلة الى ما بعد عيد الفطر، قائلا إنها “إما تنضم الى سربنا او أن تفارقنا مع السلامة”. وذكر إنه كان قد حذر من أن الهدف اإستراتيجي لحركة الإخوان هو خلق شرخ كبير وتصدع في جدار التضامن الخليجي.. مضيفا: “سقطوا في مصر فهل ينجحون هنا؟”.

وكان ضاحي خلفان قد حذر في تصريح سابق له نشرته إذاعة فرانس 24 ساعة من تهديدات الإخوان وإيران الذين يقودون “مؤامرة دولية” قد تطيح بحكومات دول خليجية وعربية بغرض الاستيلاء على ثروات العرب. وأضاف خلفان بأن “الخليج خط أحمر ليس على إيران فقط ولكن على الإخوان أيضا”، وإن المنطقة يجب أن تستعد لمواجهة أي خطر من المتعاطفين مع الإخوان وكذلك من سوريا وإيران. وتابع “الوطن العربي مستهدف دوليا وكلما كبرت صناديقنا السيادية وكثرت أموالنا في بنوكهم استهدفوا دولنا. على الاخوان وجميع حكومات دول الشام وشمال افريقيا ان يعرفوا أن الخليج خط أحمر ليس على إيران فقط ولكن على الإخوان أيضا”.

وذكر خلفان “ما كنت اعرف ان في دول الخليج عدد كبير من الإخوان.. علينا ان نتيقظ ونحذر لأن كلما اتسعت هذه الجماعة يمكن أن تحدث بلبلة وتابع “هناك من يخطط للإطاحة بالحكومات الخليجية والعديد من الأنظمة العربية على المدى البعيد”.

وشكا “خلفان” من دعم الغرب للإخوان المسلمين وقال: “أنا لا أدري كيف يتعاطف الغرب ويتبنى ويدعم الإخوان”، وتساءل: “لماذا يدعم الغرب الإرهابيين”، “لا يكمن خطر الإخوان في أنهم قادمون لتغيير أنظمة تحكم، لكن أيضا لأن مخططهم هو أن يحكموا إلى الأبد”.

أزمة أوكرانيا تعقد الشرق الأوسط وتضعف أميركا

 

كتب آرون يفيد ميلر نائب الرئيس، والباحث المعروف في مركز ويلسون الدولي للأبحاث، والذي كان مفاوضا في الشرق الأوسط في عهد الإدارة الجمهورية بالولايات المتحدة يوم 3 مارس 2014 تحليلا أبرز فيه الروابط بين الصراعات الدائرة في الشرق الأوسط والأزمة في وسط أوروبا جاء فيه: سيادة أوكرانيا لن تكون وحدها المصيبة، فهناك الجهود التي يبذلها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتأكيد نفوذ ومصالح روسيا في إقليم القرم، فما زال مبكرا تقييم مسعى الرئيس الروسي في إدارة هذه الأزمة وما هي تداعياتها، ولكن يبدو أكثر وضوحا أنه إذا كان بوتين سيخرج من هذه الأزمة منتصراً أو مهزوما أو منسحبا، فإن ذلك سيجعل الوضع صعبا في الشرق الأوسط بل ويزيده تعقيدا.

وسواء ربح بوتين في أوكرانيا أم خسر، فإن احتمالات أن تكون روسيا شريكا موثوقا للولايات المتحدة تناقصت بشكل درامي. وهذا ما يزيد الأمر إيلاما: عندما تأتي إلى القضايا الجوهرية التي تواجهها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، يجب أن تركز الولايات المتحدة على النتائج، وليس الحلول، وأن تكون واعية لما يمكن أن تقوم به للمساهمة في النتيجة.

حتى الآن فإن حظوظ بوتين، مثل حظوط الرئيس السوري بشار الأسد، فكيفما اتجهت الأزمة مع وجود استثناء وحيد، يبدو النظام السوري مستفيدا منها، والاستثناء، وهو الأكثر استبعادا، هو أن يضعف بوتين بسبب سياسته في أوكرانيا، أو رد فعل غير معهود من الولايات المتحدة والغرب، يمكن أن يدمره بشكل كامل ويضعفه، أو يطيح به من السلطة. وهذا غير مرجح.

احتمالية أن يخرج بوتين من الأحداث في أوكرانيا بالنصر، سيمثل فقط مزيدا من الدعم للأسد وإلى أبعد مدى، وترويجاً للثقة في بوتين والتي ترتفع في الشارع الروسي. وبعد ذلك كله، في سبتمبر تدخل بوتين بشكل بارع مستخدما الدبلوماسية لوقف العمل العسكري الأميركي.

ويظهر بوتين الآن واقفا في مواجهة المجتمع الغربي، ومستعدا لاستخدام القوة لحماية مصالح روسيا في أوكرانيا، ومن الواضح أنه لم يخطط لفعل ذلك في سوريا، ولكن انتصارات روسيا بشكل جزئي في وجه الخطاب الغربي الرنان، والخطوط الحمراء، هو ما يدعم قناعة الأسد بأنه يراهن على الحليف الصحيح.

مكسب بوتين، الحفاظ على النفوذ الروسي القوي في أوكرانيا، الذي يدمر بوضوح السيادة الأوكرانية، ويترك روسيا أقوى، والدولة التي يمكن الاعتماد عليها بشكل أكبر كحليف وشريك في عيون الأسد.

هزيمة بوتين في أوكرانيا، لن تساعد كثيراً في قضايا الشرق الأوسط، مالم توجه الأزمة بطريقة ما الضربة القاضية لبوتين. أما بوتين المعاقب، فقد يصبح أكثر مشاكسة وتمردا في التعاون مع المجتمع الدولي فيما يخص قضايا الشرق الأوسط، ولكن بكل الطرفين فإن الروس مصممين على إحباط حلول الولايات المتحدة لقضايا الشرق الأوسط. رد الفعل على الجهود الغربية، للتعامل مع ما يراه بوتين المجال الحيوي للنفوذ الروسي، سيخلق نوعا من الحرب الباردة المصغرة، فيما بقي من زمن لإدارة الرئيس أوباما، وربما بعدها، مما يجمد التعاون المثمر بين الولايات المتحدة وروسيا في جميع المجالات.

الأبعد من ذلك، يتعين على روسيا العمل على إيجاد طريقها في أوكرانيا، القوى الاصغر ستأخذ الملاحظات، وبالتحديد تلك الشعوب التي يمكن أن تكون مصالحها مع الغرب والولايات المتحدة.

روسيا ليست قوة صغرى، ولكنها تقف في وجه أميركا والغرب، وبالنسبة للقوى الحقيقية الأصغر، كيف سيتصرف “الكبار” حينما يواجهون تحديا من الصغار. وهل سيعير السوريون والإيرانيون والكوريون الشماليون اهتماماً للحلول الغربية. سوف يكون أمرا جيدا إذا ما تصرفت روسيا في أوكرانيا بدون تكلفة وعواقب.

إسرائيل ليست صديقة لروسيا وليست عدوا للولايات المتحدة، ولكن إسرائيل رأت ما تعنيه كلمات الولايات المتحدة عندما يتعلق الأمر بعزمها على مواصلة سياسة التسوية، وتهديدها باستخدام القوة في سوريا، وحتى ضد إيران. واستنتجوا أن هذا الكلام لا يعني الكثير.

السعوديون وصلوا إلى عدة استنتاجات مماثلة حول رغبة إدارة أوباما في أن تقول ما تعنيه، والأهم من ذلك، أن تفعل ما تقول.

على مر السنين، دخل الأميركيون في مشاكل عندما كانت مسألة حماية مصداقيتهم هي أول وآخر اهتماماتهم، في تحد للشعور العام والسياسة الحكيمة.

مصداقية القوة

المصداقية تأتي من قابلية التصديق، عندما يتحدث الرئيس في السياسة، فإنه سيبلي البلاء الحسن في كلامه، إذا احتاج لذلك، وما لم تكن هناك كلفة وعواقب على قول “لا” للوليات المتحدة، فإن ثقة الشارع في الولايا ت المتحدة سوف تكون صفرا، وإذا ما أرادت الولايات المتحدة إصلاح مصداقيتها عن طريق القيام بفعل مغفل وغبي أو مبالغ فيه فإنها سوف تدمر ما تسعى إلى إصلاحه.

ثقة الشارع بإدارة أوباما منخفضة جدان الجميع يقولون لا للولايات المتحدة، وبدون أن عواقب على ما يبدو، الأسد، بوتين، الرئيس الأفغاني حامد كرزاي، رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون، ويبدو أن الولايات المتحدة بدلا من الحصول على كلمة نعم، باتت تحصل على “نعم، ولكن” من أصدقائها وحلفائها على غرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.

ونوعا ما يأتي هذا من بناء الولايات المتحدة توقعات عالية، ومن الخطأ في استقراء الطريقة التي يسير بها العالم، والاستخفاف بما يمكن أن تكون عليه القوى الأصغر، وجاء كذلك من حقيقة أن الولايات المتحدة لا تسيطر على العالم الآن.

لدينا رئيس يكره المخاطرة بشدة، ويركز على الشأن الداخلي، بشكل أكبر من اهتمامه بالسياسة الخارجية، وهو قائد ملتزم بمساعدة الطبقة الوسطى، أكثر من الشرق الأوسط ومشاكله غير القابلة للحل.

الرئيس يواجه أزمة في أوكرانيا، حيث الجغرافيا، والتاريخ، والقرب المكاني، تخدم بوتين، وتترك واشنطن في موقف ضعيف، وقد يكون الحفاظ على ماء الوجه هي النصيحة التي يمكن تقديمها هنا، ولكن إذا لم يكن الأمر كذلك، فإنه قد يكون فيه نوع من الظلم، لأن أوباما أمام خيارات سيئة، وقد بدأ الحكم على أميركا بأنها قوة ضعيفة وعاجزة.

وفيما يخص الشرق الأوسط، وبغض النظر عما ستؤول إليه الأزمة الأوكرانية، فإن حظوظ الرئيس، سوف تبقى على حالها، الولايات المتحدة ستظل مغلولة في قيود بوتين، وهو ليس صديقا، وملتصق في إقليم، لا يمكن أن يقوم بإصلاحه ولا بمغادرته.