هل ترغب روسيا في استبدال الأسد؟

55
قال المبعوث الأميركي إلى سورية، جيمس جيفري، إن الخطط الأميركية ليست في وارد إخراج الروس من سورية، فهم موجودون هناك منذ أكثر من ثلاثة عقود… وفي الحقيقة، وجود الروس في سورية أقدم من ذلك، ويعود إلى الخمسين عاماً الماضية، ولكن تحت مسمّى الاتحاد السوفييتي، وقد ورثت روسيا كل ما يتعلق بذلك الاتحاد من علاقات واتفاقيات، والأهم أنها ورثت قدرته على رفع إصبع حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن. كان الاتحاد السوفييتي أحد عرّابي انقلاب الأسد في عام 1970، وقد تطوّرت العلاقة السوفييتية السورية، وصولاً إلى اتفاقية التعاون والدفاع المشترك التي وُقِّعَت في عام 1980. واستناداً إلى هذه الاتفاقية، وُسِّع ميناء طرطوس ليستوعب تحرّكات الأسطول الروسي الذي تنامى مداه اللوجستي بوجوده الدائم على الضفة الشرقية للبحر المتوسط. لم يُشِر جيفري إلى هذا التاريخ من الترابط، ولكنه يدرك أن ذلك النوع من نقاط التحكم هو ما يدير العلاقات الروسية السورية. بناءً على هذا الموقف الرسمي الأميركي الذي يعرفه الروس جيداً، يوسّعون رأس الجسر الذي يملكونه في سورية، ويدركون أن علاقات وثيقة مع النظام الحاكم في دمشق مفيدة لاستقرار نقاط القيادة والتحكّم التي يريدونها.
يدرك الروس أيضاً أن تغييراً جوهرياً في السلطة في دمشق لن يحفظ لهم المزايا نفسها التي يمتلكونها الآن في سورية، وهذا سبب دفاعهم عن النظام بكل الطرق والأشكال الديبلوماسية والعسكرية، ولكنهم على الرغم من ذلك عجزوا عن تسويقه دولياً، بعد سنواتٍ دامية فرضها النظام على السوريين، ومعارك خاضها مليئة بالتجاوزات الإنسانية، وقواعد الحروب، استخدم فيها أسلحة محرّمة دولياً عدة مرات مثبتة من جهات حيادية.
بدا الرئيس الأميركي، ترامب، أكثر عناداً من سابقه أوباما، بإصراره على رفض بشار الأسد ونظامه ومنع محاولات تقارب خليجية معه، أو المساهمة في تحجيمها إلى حدود قاصرة، فأصبح النظام أسير هذه الثنائية الروسية الأميركية. الأولى يمثل لها وجود الأسد طوق نجاة لكل قواعدها واستثماراتها السياسية، وهي قد لا تكون قادرةً على العثور على بديل أكثر منه عمالةً وتبعية، وهناك تفاهمات كثيرة واتفاقيات مهمة قد لا يلتزمها رجل يخلفه، والثنائية الثانية الأميركية يمثل بشار الأسد بالنسبة إليها رمزاً كريهاً وقد تحوّل جماهيرياً إلى أيقونة الشر، بعد أن استخدم أسلحة محرّمة، وقد يتأثر ترامب انتخابياً فيما لو تهاون في هذه النقطة. لذلك، من غير الممكن أن يُقبَل، وستحافظ أميركا على موقفها بضرورة عزله، ولو أنها غير مهتمة ببذل مزيد من الجهود للتخلص منه، فبقاؤه معزولاً بما يحرم الروس الاستثمار السياسي فيه كافٍ لها.
ارتفعت لهجة الصحافة الروسية القريبة من الرئيس بوتين، فوجهت انتقادات جادّة وعميقة إلى نظام الأسد، ولو أنها ركّزت أكثر على الفساد الذي يضرب أسس النظام، حتى أصبح صيغة رسمية في مؤسساته، قُرئت هذه اللهجة أنها تحذير للأسد بأن أيامه أصبحت معدودة في القصر، على الرغم من أن روسيا كانت قادرة على توجيه التحذير نفسه، من دون مواربة، إلى بشار الأسد مباشرة، ولكن الأمر انطلق على الملأ ليظهر أمام الجميع، على الرغم من ذلك لا تبدو الحملة الروسية جادّة إلى حد تغيير رأس النظام، فعملية كهذه تخضع لمراحل عدة، قد يسبقها تلميع شخص آخر، وبداية تقديمه شيئاً فشيئاً إلى الرأي العام، قبل التخلص من النسخة منتهية الصلاحية، وذلك لضمان المصالح الروسية على مدى طويل ومثمر. ولا يمكن بالطبع اعتبار رامي مخلوف ذلك الخليفة، فهو شخصيةٌ غير مقبولة على نطاق واسع، وحتى ضمن صفوف الموالين. ومن دون بداية طور تحضير بديل، من الصعب اعتبار ما كتب في الصحافة بداية مرحلة التغيير، فالتغيير لن يبدأ بحملة صحافية، بقدر ما يبدأ ببروز شخصية أخرى، وبطريقة لافتة، وحتى الآن لم تظهر ملامح تلك الشخصية.

 

 

 

الكاتبة:فاطمة ياسين – المصدر:العربي الجديد