هل هناك معارضة سورية؟

المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعبر بالضرورة عن رأي المرصد السوري لحقوق الإنسان

42
النظام المنتصر عسكريا والمحاصر دوليا لن يخرج من عزلته دون معارضة قوية وذات مصداقية داخليا وخارجيا، ويبدو أن النظام الذي حارب المعارضة خسر كل ما يمكن أن ينقذه من ورطته.

هل هُزمت المعارضة السورية مرتين، مرة من الإسلاميين الذين توسعوا تحت قوة السلاح، ومرة من النظام الذي استخدم قوة جيش كامل بمختلف أسلحته؟

يبدو أن الانتفاضة السورية ضد منظومة الحكم كشفت صورة سوريا الحقيقية بتفاصيلها ما قبل الحرب وما بعدها. سوريا التي عرفها الناس بمجتمعها المتحابّ والمتوجّس في نفس الوقت يبدو أنها اختفت من الخارطة.

ومع تحول الأزمة السورية إلى حرب عسكرية، أصبحت سوريا عدة دويلات: دويلة النظام الذي يعلن نصره العسكري وينظّم انتخابات ليدّعي أنه ليس هناك أي مشكلة، بل إن الشعب أراده، مع العلم أن آخر ما يهمّه هو شعبه الجائع العاطل عن العمل. ودويلة الأكراد بدعم أميركي في شرق سوريا التي تعلن فيدرالية من طرف واحد وتحاول تقديم نموذج للحكم المستقبلي. ودويلة الإسلاميين بدعم تركي تحاول تكرار نموذج غزة، ولكن بأكثر من فصيل يتراوح بين القاعدة والإخوان المسلمين.

ولكن أين المعارضة السورية؟ هل بقي هناك معارضة؟ ربما السؤال الأدق: هل كانت هناك معارضة سورية في الأصل؟

يبدو أننا نتحدث عن أحد أسباب الأزمة من بداياتها حتى هذه اللحظة الغامضة.

منذ وصول الأسد الأب للحكم بما سمّاه الحركة التصحيحية، أصبح مصطلح المعارضة أو المعارض يترافق مع أي من هذه الصفات: الخائن أو العميل أو الرأسمالي أو الإمبريالي وحتى الصهيوني.

من بين إنجازات هذه الحركة أنها صنعت فقط أحزابا شكلية لتعطي صفة الوطنية تحت قبة ما سمّي بالجبهة الوطنية التقدّمية التي كانت ائتلافا مكونا من مجموعة من الأحزاب “الوطنية والقومية والاشتراكية والشيوعية في سوريا بقيادة حزب البعث”.

أصبحت عندها المعارضة التي لم تقبل بهذه الجبهة في السجون والمنفى في الخارج، يعني لم تبق هناك معارضة فعالة داخل سوريا.

وهنا تكمن أزمة النظام السوري الذي عجز عندما اندلعت الانتفاضة عن التفاعل معها، فلم تكن هناك معارضة قادرة على إدارة هذه الانتفاضة في بداياتها بشكل يمكنه التفاوض معها وبالتالي يستعين بها النظام لإيجاد مخرج لهذه الأزمة.

يبدو أن النظام ورّط نفسه بمنع ظهور معارضة فاعلة ومشاركة في إدارة المجتمع. فأي أزمة داخلية يمكن للمعارضات كما هو الحال في أنحاء العالم التعامل معها بالتشارك مع الطرف الحاكم.

استفراد النظام بالحكم وضعه أمام مسؤولية إدارة أزمة يبدو أنها تجاوزته، فلم يجد أحدا ينقذه سوى سلاح جيشه مما فتح الباب للأطراف الخارجية أن تعبث في سوريا.

الأزمة تجاوزت النظام من اليوم الأول حتى هذا الوقت، فعندما لا تكون هناك معارضة لا يمكن الوصول إلى حل مستدام.

ربما بدأ النظام يدرك أهمية وجود المعارضة، فالانتخابات الأخيرة على كوميديتها، هي محاولة من الأسد لتقديم نفسه متنافسا مع شخص آخر وصفه بالمعارض. بغضّ النظر عن مدى كون المرشح الآخر حقا من المعارضة، إلا أن هذه الحالة هي أول مرة في تاريخ سوريا يتنازل فيها الأسد لينافس ولو شكليا شخصا آخر ومن المعارضة أيضا.

مشكلة نظام الأسد أنه لا يدرك أن السوريين يدركون تماما أنه يلعب عليهم، لذلك لا يجيد لعبته، هذا إن كان بمقدوره تقديم أحسن من هذه التوليفات؟

أو ربما يعتقد الأسد أن الأزمة انتهت ولا داعي لأي تنازلات فقط يكفي مجرد أن يقدم تخريجة لشرعية بقائه عبر انتخابات واجه فيها ما وصفه بالمعارض، وهكذا يحسم الأمر بمن يشكك بحكمه ويبقى في الحكم ويورثه لابنه، فإذا كان ذلك، فنحن أمام رجل لم يتعلّم من أزمة العشر سنوات شيئا.

النظام المنتصر عسكريا والمحاصر اقتصاديا ودوليا لن يخرج من عزلته دون معارضة قوية وذات مصداقية داخليا وخارجيا، يبدو أن النظام الذي حارب المعارضة خسر ما يمكن أن ينقذه من ورطته.

سوريا اليوم بحاجة إلى قوى سياسية، سواء كانت بمسمى نظام أو معارضة، همّها خدمة وطنها لا إرضاء الطرف الغربي أو العربي أو الفارسي.

وبينما يرفض النظام وجود شريك حقيقي له في إدارة البلاد سواء كانت معارضة أو حتى مما يوصف في المجتمع بالفئة الرمادية، وبينما ترفض المعارضة النظام كليّا ولا ترى أن هناك أطرافا داخل النظام قادرة على إدارة الأزمة، ستختفي سوريا تدريجيا وستصبح مستنقعا لا يحسد أحد على حكمها.

مرّ عقد من الزمن شهدت فيه سوريا أبشع سنواتها، ولكن دون أن أكون متشائما لن يكون العقد الثاني من الأزمة أرحم إلا إذا ظهرت قوى سياسية حريصة على وطنها تتجاوز النظام المعزول والمعارضة الناشئة.

 

 

 

الكاتب: غسان ابراهيم – المصدر: موقع العرب