هل يتفاوض الغرب مع «الدولة الإسلامية»؟

23

عام 1998 وقعت الحكومة البريطانية اتفاق «الجمعة الطيبة» مع الجيش الجمهوري الإيرلندي، وهي منظمة كانت لندن تعتبرها إرهابية، منهية بذلك نزاعاً دمويا استمرّ عشرات السنين.
مهندس تلك الاتفاقية كان جوناثان باول كبير موظفي مكتب رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، والذي استطاع الجلوس على طاولة المفاوضات مع مندوبي التنظيم الذي أطلق عناصره النار على والده فجرحوه وهددوا بقتل أخيه.
هذه التجربة غيّرت مفاهيم الرجل السياسية وجعلته يعتقد أن التنظيمات الإرهابية التي تتمتع بدعم شعبي لا يمكن الانتصار عليها حتى لو تم استخدام القوة الوحشية والأساليب التي لا تلتزم بالقوانين الدولية ولذلك فقد كتب كتابا بعنوان «لماذا المفاوضات هي الطريق الوحيد نحو السلام»، وهذا، في رأيه، ينطبق على تنظيمات مثل «القاعدة» و»الدولة الإسلامية» كما ينطبق على «الجيش الجمهوري الإيرلندي».
ورغم الادعاءات حول «عدم الحديث مع الإرهابيين» و»عدم المساومة» معهم فإن الولايات المتحدة الأمريكية، لم تقم فقط بالحديث أو التفاوض مع تنظيمات تعتبرها إرهابية بل إنها قامت في منتصف ثمانينات القرن الماضي ببيع الأسلحة سرّاً للنظام الإيراني لتخليص رهائن محتجزين لدى جماعة شيعية محسوبة على طهران في لبنان. وفي بداية التسعينات قامت إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش بالتفاوض مع «حزب الله» لإطلاق مجموعة رهائن في لبنان. وتفاوض دبلوماسيون في عهد الرئيس بيل كلينتون مع طالبان أفغانستان كما التقوا بزعيم الجناح السياسي للجيش الجمهوري الإيرلندي، وفي 2002 بعيد إعلان «الحرب على الإرهاب» أمّنت إدارة جورج دبليو بوش مبلغ 300 ألف دولار كفدية لإطلاق سراح رجلي دين أمريكيين خطفتهما جماعة أبو سياف، التنظيم الفلبيني المتطرف.
شرح باول آراءه في مقابلة مع مجلة «نيوزويك» الأمريكية قبل أيام معتبرا إن التفاوض مع «داعش» وأمثالها لن يكون حول مفهوم الخلافة، أو حول ما يطالبون به، قائلا: «على أحد أن يذهب إليهم ليتناقش معهم: كيف تنظرون إلى المعاملة التي يلقاها السنّة في العراق وسوريا؟»، وهو سؤال ينطلق، بالتالي، من العوامل الدنيوية للمسائل ولا ينخدع بحيثيات الأيديولوجيا، في معاكسة لما يصرّ كثيرون على رؤيته في تلك التنظيمات من اعتبارها، على سبيل المثال، حوامل لفيروسات من طبيعة دينية تختصّ بالإسلام لا بمعطيات اجتماعية وسياسية واقتصادية، يمكن أن تحوّل أي تشكيل اجتماعي من أي دين كان إلى منظومة إرهابية.
يستخدم هذا المنطق آليتين للاقناع بضرورته، الأولى تقول إن النظم الديمقراطية التي تقول إنها لا تتفاوض مع الإرهاب قامت بالتفاوض مع منظمات تعتبرها إرهابية إما مضطرة أو عن قناعة بأن هذا التفاوض يساهم في تراجع هذه المنظمات.
الآلية الثانية تقول إن التفاوض مع منظمات كهذه يساهم في معرفة أكبر بها ويؤدي بالنتيجة إلى هزيمتها.
في النتيجة فإن تكرار هذا الطرح في أكثر من جهة قد يدلّ على محاولة أكبر لفهم ما يجري في «الشرق الأوسط» وربطه بجذور الأزمات التي ساهم الغرب في استنباتها، أو على إحساس بالفشل المستمر لنهج القوة الذي بدأ مع استعمار المنطقة وإعادة اختراعها بشكل يعيد تدوير العنف كل عدة سنوات.

رأي القدس

القدس العربي